تحقيقات وتقارير

الصادرات السودانية .. مُسلسل هُرُوب مُقنَّن !!

في الفترات الماضية شَهِدَت مُطالبات من قِبل بعض المُختصين والخبراء، بضرورة إجراء إصلاحٍ شاملٍ لقطاعات الصادرات كَافّة غير البترولية، ذلك لأنّ ثمَّة ممارسات سالبة كانت تُهَيْمِنُ عليها وألحقت أضراراً كثيرة يجب إيقافها، وأجمع الخُبراء أنّ البلادَ فقدت موارد وعائدات ضَخمة بسبب مُشكلات إدارية وفنية، جعلت مجموعة من (السّماسرة والجوكية) يُسيطرون على حركة الصادر، مَا تَسبَّب في نشاط التّهريب (المُقنّن) والتّجنيب الهَائل لِعَائدات الصّادرات وكُلِّ ذلك عن طريق انتشار السِّجلات الوَهميّة.
نناقش الموضوع من خلال هذا التَحقيق المُكوّن من حلقتين، حيث نشرع عبر السُّطور التّالية في تفاصيل الجزء الأول
1000 تصديق!!

إذا بَدأنا بالتّصادِيق المَمنُوحة للصّادرات غَير البِترولية فَقَد بَلغت وفقاً لإحصائياتٍ صَادرةٍ مِن الغُرفة القومية للمُصدِّرين، أكثر من 1000 تَصديقٍ لجهات وشركاتٍ مُنذ فبراير المَاضي، وقد أكّدت مَصَادِر مُطّلعة لـ(السوداني) أنّ هذا الرقم يَشمل جهات وشركات صدّرت أكثر من مرة، وأضافت: شملت قائمة الصادرات مُنتجات وسلعاً مُختلفة أبرزها الحُبوب الزّيتية والمواشي والصمغ العربي والبرسيم، وأوضحت المصادر أن حركة الصادر تمّت للعديد من الدُّول من بينها الصين والهند ومصر والإمارات العربية المتحدة، وأشارت إلى ظُهُور أسواقٍ جديدة للصّادرات السُّودانية من السِّلع الصِّناعية الغذائيّة والمَشروبات، بجانب الأدوية الطبية والبيطرية، لعددٍ من الدول الأفريقية تشاد وكينيا.. وفي المُقابل أشارت مُوازنة 2019م لاستهدافها حَجم الصّادرات بـ(4,3) مليار دولار.

استغلالٌ وسرقةٌ
أحاديث وإفادات مُعظم المُصدِّرين الذين استفسرتهم (السُّوداني) أكّدت أنَّ قطاع الصادر (اُستغِلَّ) خلال الفترة الماضية لإخراج وتهريب أموال من البلاد، مُوضِّحين بأن هناك جهات كانت تصُدِّر بسُرعة وبمُعدّلاتٍ مُختلفةٍ، ويظهر ذلك تأرحج مُعَدّلات الصادر في الأشهر الماضية خَاصّةً قطاع الحُبوب الزّيتية، وتَساءلوا: أين الأموال والحصائل إذا كان هناك صادرٌ حقيقيٌّ؟ مُشيرين إلى أنّ مُعظم المُصدِّرين فَقَدُوا قُدرة المُنافسة وأصبح عملهم شبه مُتوقِّف.. وقد وصف أولئك عدم إرجاع حصائل الصادر بـ(السرقة)!

حَال الصادر
وفي شهر مايو المنصرم صدَّر السودان، أطناناً مُختلفةً من المُنتجات الزراعية، وذلك وفقاً لتقرير رسمي تَحَصّلت (السوداني) عَلَى نُسخةًٍ منه، وأوضح التقرير بأنّ حركة الصّادرات للمُنتجات الزراعية خلال الفترة من يناير حتى مايو الماضي، شَمَلَت قائمة الصادر 25 مُنتجاً أبرزها القطن، الكركدى، الصمغ العربي، السمسم، الليمون، الفول السوداني، البصل، الموز، البطاطس، حَبّ البطيخ، الذرة، الكبكبى، البطيخ، الجَوّافة، لوبيا، البلح والعجوة، كَمَا شَمَلَت مُنتجات أُخرى مثل البرسيم وأعلاف ولُبان بَخُور وحِنّة وسَنَمَكّة ودُخن وفاصوليا وبازلاء.. وبلغت عائدات المُنتجات الزراعيّة في يناير أكثر من (154) ألف دولار، فبراير (124) ألف دولار، مارس (146) ألف دولار، أبريل (141) ألف دولار ومايو (132) ألف دولار.

أنعامٌ سُودانيةٌ
وفيما يختص بِصَادرات الثّروة الحيوانية للإبل والضأن والماعز والطيور والدواجن والأبقار، فَقَد بَلَغَت العائدات أكثر من 65 ألف دولار، وجَاءت عَائدات فبراير لصادر الماشية الحَيّة بواقع أكثر من (61) ألف دولار، أمّا لحوم الأبقار والضأن والماعز فاقت الـ(4) آلاف دولار، أما شهر مارس بلغ عائد صَادر المَواشي الحَيّة أكثر من (93) ألف دولار، بينما اللحوم تَجَاوَزت الـ(3) آلاف دولار، وفي ابريل حققت صادرات المواشي أكثر من (55) ألف دولار، وجاء عائد اللُّحوم أكثر مِنَ (4) آلاف دولار، ثُمّ بلغت عائدات مايو للمَواشي الحَيّة أكثر من (56) ألف دولار، بَينما بَلغَت عائدات صَادر اللحوم أكثر من (5) آلاف دولار.

مُصدِّرون يحتجون
وتُعتبر صادرات الماشية الحَيّة محوراً رئيسياً في قطاع الصّادرات غير البترولية، طيلة الفترات السّابقة ظَلّت تَشكُو من مُشكلات وقضايا مُتَعَدِّدة، وبالرغم من ذلك أعلنت وزارة الثروة الحيوانية، عَن ارتفاع صَادرات المَاشِيّة الحَيّة منذ يناير وحَتّى يَوليو الجاري، أكثر من مليوني رأسٍ، وتَوَقّعت بأن يَبلغ صَادر المَاشِية بنهاية العام أكثر من 5 ملايين رأس.. ولكن مُؤخّراً بَرَزَت شَكوى مُصدِّري الماشية الحَيّة وتَضَرُّر المُصَدِّرين. وَكَشَفَت شُعبة مُصدِّري المَاشِية الحَيّة باتّحاد الغُرفة التّجاريّة، عَن وُجُود “شَبكة” في كُل دوائر العَمل المَعنية بالصّادر، تَستفيد من تَهريب الصّادر وحَصائله، وأرجعت سَبب بُرُوز ظَاهرة “الورّاقة” في الصّادر لأمر ارتفاع التكلفة.
وحمّل رئيس الشُّعبة سعد العمدة في تصريحٍ صحفي، مسؤولية بُرُوز ظاهرة “الوراقة” في الصادر لأمر ارتفاع التكلفة، وقال إنّ هُناك “شبكة” في كل دوائر العَمل المَعنية بالصّادر من الوزارات والبُنوك وإداراتٍ مُختلفةٍ تستفيد مِن تَهريب حَصائل الصّادر، وَأَضَافَ: مُتوسِّط سعر الخروف بسوق جدة نحو 150 دولاراً، مقابل سعر الصرف الرسمي المُعلن بـ (7) آلاف جنيه، بينما نجد سعر الخروف في السوق المحلي يتراوح بين (9 – 11) ألف جنيه، وتابع: الآن الخروف يخسر ما بين 3 – 4 آلاف جنيه، وزاد: “لا يُمكن للمُصدِّر بأن يُصدِّر ويخسر”، والمُصدِّرون الفاعلون توقّفوا عن العمل حالياً، مُؤكِّداً ضرورة طَرح مُشكلات والحقائق بشفافية، وتصحيح السِّياسات وتنفيذ الضَوابط التي تضع التجارة “البزنس” في مساره السَّليم.

قراراتٌ عسكريةٌ
ويبدو أنّ ثمة مُلاحظات في كُلِّ مَا يَدُور حَول صادر الماشية جعل المجلس العسكري يصدر قبل أيّامٍ قرارات حاسمة فيما يلي قطاع صادر الماشية الحَيّة وعلى رأس تلكم القَرَارات منع صادر الإناث للمواشي الحَيّة مهما كانت الأسباب و(المُغريات)، وأيضاً قرار آخر يشترط الحصول على مُوافقةٍ مكتوبةٍ ومُعتمدةٍ من قِبل البنك المركزي للحصول على شهادة لصادر ذكور المواشي.

لِمَاذا تَرَاجَع الصّادر؟
ولتحديد أسباب المَشَاكل التي تُواجه الصّادرات السُّودانية؛ قدَّم البروفيسور خالد حسن البيلي، ورقة عملية بعنوان (مُستقبل الصّادرات السُّودانية) حدَّد من خلالها عوامل تَرَاجُع مُساهمة الصّادرات السُّودانية في الميزان التجاري، حيث أرجع ذلك إلى تدني الإنتاج والإنتاجية في القطاعيْن الزِّراعي والصِّناعي، وعدم توافر معلومات كافية عن الأسواق الخارجية والمساحات المَزروعة، والكميات المُستهلكة والفائض للتصدير، إضَافَةً الى تضارُب المَعلومات من المَصادر المُختلفة مثل بنك السودان ومصلحة الجمارك، كما تُعاني المَحاصيل الزِّراعية المُختلفة من غياب أسواق مُنظّمة ومُنتظمة ما عدا أسواق القضارف والأبيض، ثُمّ ارتفاع الرُّسوم والضرائب على الصادرات، مِمّا يزيد من أسعارها ويُؤثِّر على قُدرتها التّنافُسية في الأسواق العالمية، كَمَا تُعاني من عدم وُجُود الطُرق المُسفلتة والصّوامع والمَخازن، إضَافَةً لارتفاع تَكلفة الإنتاج الكهربائي.

السياسة والاقتصاد
من ناحيته، تَوَقّعَ الاقتصادي والأكاديمي د. محمد الناير، حُدُوث تَحَسُّن في موقف الصادر خلال النصف الثاني من العَام الحَالي، لكنّه رَهن ذلك بحُدُوث حالة استقرار سياسي وأمني وتَوافُق على القضايا الخَاصّة بهيكل الحكم، وقال في حديثه لـ(السوداني) إنّ الخِلافات استغرقت وقتاَ كَانَ الأجدى بأن يُخصّص للاقتصاد، وأضَافَ: في حَالَة حُدُوث تَوافُق خلال اليومين المُقبلين، وتطلّع الناير إلى تشكيل حكومات كفاءات، وإصدار عددٍ من السِّياسات والقرارات بما يُحَفِّز ويُشجِّع المُصدِّرين، مُشيراً إلى أنّ مُشكلة سعر الصرف تظل عَائقاً يُواجه حَركتي الصّادر والاستيراد معاً، ويجب بأن تكون مُعالجته على رأس أولويات الحكومة القادمة.

الخرطوم: ابتهاج متوكل
صحيفة السوداني