عبد اللطيف البوني

شارع الثورة

الاحتجاجات الجماعية كالمواكب والمسيرات والتّظاهرات والوقفات الاحتجاجية، كُلّها من أدوات التعبير والضغط السِّياسي ذَات المَردود، وكلّها تَدخل في موقف الشّارع فِي مُقابل التّعبير المُؤسّسي الذي يَكون عن طَريق الانتخابات والاستفتاء، فَمثلاً تجد حِزباً مُسَيطراً على البرلمان ولكنه لا يُسيطر على الشارع أو العكس، حزب يُسيطر على الشارع ولكنه يَفقد البَرلمان, في تاريخ السُّودان يُوجد الكثير من الشواهد على نجاعة ضغط الشارع في توجيه القرار السِّياسي.. فقبيل الاستقلال كَانَ لجماهير الأنصار القَدَح المُعَلّى في ذلك وقد ظَهَرَ هذا في حُشُودهم مطلع 1953 يَوم زيارة مُحمّد نجيب، الأمر الذي جَعَلَ القطب الشيوعي ومُمثل الحِزب في الجبهة الاستقلالية أحمد سليمان يقول (ومعنا جماهير الأنصار ذات البأس)، ثُمّ طَغَى على الشارع الحزب الشيوعي هذا بعد أن أصبح الشارع مدينياً، فجماهير الأنصار كان يُؤتى بها من الريف, ظَلّ الحِزب الشُّيوعي مُسيطراً على الشّارع إلى انقلاب مايو وبعد ذلك حَدَثَ الصِّراع اليَساري على السلطة، فانحسرت سيطرة الشُّيوعيين على الشَّارع، ثُمّ سَيطَرَ عليه الإسلاميون إلى أن وصلوا به إلى السُّلطة وعَمّرُوا فيها ولكنهم فَقَدُوا الشارع ثُمّ فقدوها.

(2)
الآن اليوم العلينا دا، الشارع تحت سيطرة المُناوئين لحكم الإنقاذ وقد تبلور ذلك التيار في تحالُف قِوى الحُرية والتّغيير (قحت)، وكان لتجمُّع المهنيين فضل الريادة في هذا، ومازالت (قحت) تسير بالشارع نحو السلطة وقد وضعت لذلك شعار حكومة مدنية وإن شئت قُل (مدنياااااو)، وإذا ما سارت الأمور على ما هي عليه الآن ولم تحدث مُفاجأة، فإنّ (قحت) سوف تكون هي الحاكمة في الفترة الانتقالية، وهنا سوف يثور السُّؤال هل سَوف تَظل مُسيطرةً على الشارع والحكم في ذات الوقت؟ وقد شهدنا من قبل أنّ من سَيطَر على الشارع قد فقده بمُجرّد اعتلاء مَنَصّة الحكم وذلك ببساطة لأنّ طبيعة الشارع احتجاجية وليست دَاعِمَة؟
والسؤال الثاني الآن سيطرة (قحت) على الشارع في شكل جبهة عريضة، فما هو مصير هذه السيطرة في حالة فرتقة هذه الجبهة وَهُـو أَمـرٌ واردٌ وليس من المُتـوقّع أن تَدخـل الانتخابات القادمة كَكُتلةٍ واحدةٍ؟ بمعنى آخر أنّ السّيطرة على الشارع الآن لها آباء كثيرون لا بل ومُتنافسون، ويشهد على ذلك مُحاولة إخراج حِزب الأمّة من كَابينة قِيَـادة الشّـارع.

(3)
الأستاذ إسماعيل تاج القيادي بتجمُّع المهنيين قال في برنامج حوار المُستقبل الذي يُقدِّمه الأستاذ مُحمّد عبد القادر على قناة النيل الأزرق يوم الاثنين الماضي، إنّ العمل الثوري سوف يستمر وجداوله سوف تتنزّل تباعاً ولن يتوقّف لا في الفترة الانتقالية ولا في الفترة التي تعقبها، بمعنى أنّ المسيرات والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية سوف تستمر، ولَعَلّ المقصود بهذا أنّهم لن يُفرِّطوا في الشارع وسَيظلون مُمسكين بمقوده، ولكن لعُمري أنّ هذه مُهِمّة جَد عَسيرة في ظل حُكومة سَوف تُشَكِّلها (قحت) فلا يُمكن أن تكون حاكماً ومُعارضاً في نفس الوقت، والحكومة الانتقالية ستكون من الضعف الذي لن يحتمل أيّ مُعارضة.
يُخيّل أنّه كان الأجدى بـ(قحت) أن تُطالب بتقليص الفترة الانتقاليّة إلى عَامٍ وَاحدٍ ثُمّ تدخل الانتخابات بقائمةٍ مُوحّدةٍ تُسمِّيها قائمة قِوى الانتفاضة وكانت سَتَحُوز على دوائر المُدن والدّوائر الفئوية إذا كَانَت هناك, كان يُمكن أن تصل إلى الحكم ولو بائتلاف أو تَصبح مُعارضة مُؤسّسية قوية، ولكن يبدو أنّها اختارت طريقاً آخر، فالشارع دوّار ولن يدوم لأحدٍ، ناهيك عن جماعةٍ مُتفرِّقةٍ..!

 

حاطب ليل ||د.عبداللطيف البوني
صحيفة السودانى