القطاع الصناعي.. تدهور مريع
يعتبر القطاع الصناعي من القطاعات المهمة في الاقتصاد العالمي، ونجد أن الدول المتطورة في هذا المجال تلعب دوراً مهماً في مسيرة التنمية من خلال ما تقدمه من قيمة مضافة لدعم القطاع، ولكن الواقع في السودان يختلف عن ذلك، رغم قيام العديد من الصناعات خلال سبعينيات القرن الماضي، حيث شهدت تطورا كبيراً، إلا إنها تدهورت بشكل مريع خلال السنوات الأخيرة، فتوقفت مصانع كثيرة، وأرجع مراقبون ذلك لسوء السياسات المتبعة من قبل الدولة، وتضارب الاختصاصات بين المركز والولايات، بجانب الرسوم والضرائب والتمويل وسوء الإدارة والتي أدت إلى خروج العديد من المصانع من دائرة الإنتاج والتي تقدر بـ 70% مصانع متوقفة عن العمل.
(الصيحة) وقفت على واقع عدد من المصانع المتوقفة بالولاية، وكانت الحصيلة التالية.
تردٍّ كبير
وقفنا أثناء تجوالنا بالمنطقة الصناعية بحري على التردي الواضح في الخدمات بالمصانع العاملة وتوقف عدد منها وتحولت مبانيها إلى مخازن حسب شاهد عيان، وشوارعها شبه خالية تماماً من المارة، وأصبحت مرتعاً للكلاب الضالة والحيوانات وأوكاراً للمجرمين والمتشردين.
مساهمة القطاع
أغلب المصانع العاملة في البلاد تعمل بأقل من طاقتها الكاملة، حيث بلغ معدل نمو إنتاج القطاع الصناعي، وفقاً لإحصائيات العام 2017م نسبة 2.5% فقط، ويمكن القول إن إسهام قطاع الصناعة في اقتصاد البلاد ما نسبته 2.6% فقط، حيث يساهم قطاع الزراعة بنسبه 39.6%، أما قطاع الخدمات فتكون له الحصة الأكبر، ويساهم بنسبة 57.8% رغم امتلاك البلاد موارد هائلة، إلا أنها تعد من الدول ذات الاقتصاد المتدهور بسبب ضعف الموارد المالية.
سحب الامتيازات
الأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية، د. عباس علي السيد قال لـ (الصيحة) إن الوضع الصناعي في البلاد في أسوأ حالاته، مقراً بوجود العديد من المشاكل والمعوقات التي قعدت بالقطاع، وأدت إلى توقف عدد من المصانع عن العمل نهائياً، وعاب على النظام السابق السياسات التي انتهجها تجاه القطاع وسحب الامتيازات الاستثمارية في القطاع الإنتاجي، واعتبر ذلك خطأ كبيراً والتي وصفها بالسيئة، منادياً بأهمية معالجتها، مشيراً إلى المشاكل التي تواجه القطاع في الطاقة وعدم استقرار التيار الكهربائي وعدم توفر المواد الخام الأولية وشح السيولة وحركة البيع والشراء بالإضافة إلى مشاكل النقد الأجنبي، وقال إن القطاع الآن لا يمتاز بأية ميزة تشجيعية للاستمرار بالاستثمارن ودمغ بالقول القطاع بأنه صبح طارداً، وأكد خروج عدد من المصانع عن دائرة العمل قريباً بسبب معوقات ومشاكل تواجهها، منادياً بأهمية الإسراع في تكوين الحكومة لوضع البرامج وسياسات تشجيعية داعمة للقطاع، وقال: بالرغم من الصعاب والمشاكل التي تواجه القطاع، إلا أنه مقاوم لتلك الظروف ويعمل بطاقته القصوى.
شح السيولة
يمثل قطاع الصناعات الغذائية (70%) من جملة الأنشطة الصناعية بالسودان و(50%) من العمالة الصناعية تتركز في هذا القطاع، حيث يسهم بنسبة (55%) في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالقطاعات الصناعية الأخرى، حيث يسهم القطاع في رفع القيمة الغذائية والاقتصادية للمنتجات الغذائية مما يجعلها أكثر قبولاً وتفضيلاً لدى المستهلك خاصة في إيجاد الفرص الاستثمارية.
وفي ذات السياق، كشف رئيس غرفة الصناعات الغذائية عبد الرحمن عباس عن خروج ما بين 40 إلى 50% من المصانع من دائرة الإنتاج نتيجة لكثير من التحديات والمشكلات التي تواجه القطاع، وقال لـ (الصيحة) إن عدم التمويل من البنوك وارتفاع الضرائب وارتفاع أسعار العملة الصعبة (الدولار)، مقابل العملة المحلية، وشح السيولة وعدم استقرار الإمداد الكهربائي أدى إلى عدم استمرارية المصانع، مشيراً إلى تأثير العقوبات الأمريكية على القطاع، وقال إن معظم مدخلات الإنتاج يتم استيرادها من بلدان لها التزامات مع الولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذ العقوبات المفروضة على البلاد.
معاناة قطاع الجلود
فيما أكد خبير الجلود بالمركز القومي لتكنولوجيا الجلود، م. عبد اللطيف محمد على معاناة قطاع الجلود من التدهور بعد خصخصة المدابغ ووقف تصدير الخام، لذلك بدأ التهريب لى بعض الدول الإفريقية وفقدنا الأسواق العالمية التى كانت حكرا على السودان بهذه القرارات وما زلنا نعاني من هذه القرارات، لافتاً إلى ارتفاع تكلفة صناعة الجلود لأن (98%) من المواد التى يتم استخدامها في تشطيب الجلود مستوردة، داعياً إلى النهوض بالصناعات المحلية لهذه المواد في ظل وجود الخام للعديد منها، وزاد: لا نستطيع المنافسه عالمياً في ظل ارتفاع التكلفة . وقال إن واقع صناعة الجلود لا يؤدي الغرص المطلوب لجهة أن القطاع يعتبر جانبياً، لذلك الدولة لم تستفد منه رغم أهميته في دولة تتمتع بثروة حيوانية كبيرة، وصادرات القطاع لا تتعدى 40 مليون دولارفي السنة.
وأضاف: هنالك دول ليست لديها ثروه حيوانية منها تونس تستورد جلوداً وتتم دباغتها وتصنيعها وتسوق عائدتها تصل 3,500 مليار دولار في السنة, واعتبر عبد اللطيف السياسات الاقتصادية من أكبر المعوقات التي تواجه صناعة الجلود، مبيناً استيراد بعض المواد الكيميائية الخاصة بصناعة الجلود بتكلفة بلغت 98% واعتبرها مكلفة جداً بالرغم من توفر المواد الخام، الأمر الذي يتطلب أهمية توطين الصناعة المحلية للحد من الاستيراد، مشدداً على ضرورة الالتزام بالجودة للمنافسة عالمياً وتحقيق عائدات من العملة الحرة.
مراجعة السياسات
وأقر وكيل وزارة التجارة والصناعة، م.عبد الرحمن عجب إبراهيم بمشاكل في السياسات قعدت بالقطاع الصناعي بالبلاد، وأدت إلى خروج العديد من المصانع من دائرة الإنتاج، وكشف عن جهود حثيثة لمراجعة تلك السياسات مع الجهات ذات الصلة، مشيراً إلى وقوفهم على مشاكل القطاع وتوفير فرص الاستثمار وتطوير الصناعة، لافتاً إلى أن آخر مسح صناعي تم إجراؤه في العام ٢٠٠٥م. كاشفاً عن اتجاه للتنسيق مع الجهات المعنية لإجراء مسح صناعي في القريب العاجل، وقال: نبذل جهودا لتحريك المصانع الصغيرة المتوقفة في الولايات مستنكراً تراجع البلاد في مجال الصناعات الصغيرة بعد أن كانت رائدة فيها.
هروب الصناعات
الخبير الاقتصادي حسين جبريل، قال إن الصناعة في البلاد قديمة جداً ولها نسبة مقدرة في الناتج القومي، واستطاعت جذب استثمارات أجنبية في مختلف المجالات صناعية وزراعية وخدمية وغيرها، إلا أن المناخ الاستثماري في البلاد بدأ في التراجع في الفترة الأخيرة مما أدى الى هروب العديد من الصناعات والمشاريع المختلفة بما في ذلك رؤوس الأموال السودانية، كان يمكن أن تدعم الاستثمار في البلاد، ولم تتم معالجة المشاكل والمعيقات في القطاعات، لذلك هاجرت إلى الخارج خاصة دول الجوار مثل إثيوبيا، واستمر الحال كما هو دون علاج.
مشيراً إلى هجرة الاستثمارات الوطنية إلى الخارج، وقال في حديثه لـ ( الصيحة): أصبح المناخ الاستثماري طارداً وذلك لعدم مواكبته التطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي انتظمت البلاد خلال الفترة الأخيرة وأصبحت هناك رسوم حكومية متعددة على الإنتاج وأخرى محلية كالنفايات والعوائد وغيرها، إضافة إلى ارتفاع نسبة الضرائب على الأرباح والرسوم الجمركية على الواردات، وعدم تشجيع الصادرات المحلية والتي مثلت الضربة القاضية في رفع سعر الدولار الجمركي الى 18% في العام 2016م ثم إلى 15% في العام 2018م، بجانب عدم قدرة السلع المحلية للمنافسة الخارجية بسبب ارتفاع تكلفتها وارتفاع الترحيل إلى ميناء الصادر، كل هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى عدم المنافسة فضلاً عن ارتفاع تكلفة الكهرباء وعدم كفايتها بسبب القطوعات المتكررة مقراً بوجود مشكلة نسبية في مدخلات الإنتاج التي أصبحت مرتفعة جداً بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازي، وعدم مقدرة الدولة على توفير النقد الأجنبي لمقابلة احتياجات البلاد من السلع المستوردة والتي أثرت على الإنتاج والإنتاجية وأدت إلى إضعاف قدرتها التنافسية الخارجية، وضعف الصادرات وموارد النقد الأجنبي، وفاقم المشكلة المقاطعة الأميركية والحصار الاقتصادي والسياسي، مما قعد بالاقتصاد، وازدادت المشاكل، وأصبح الاعتماد على السلع المتوفرة في الأسواق وخلقت فجوة بين العرض والطلب، وارتفاع الأسعار ونسبة التضخم في البلاد، مما زاد من معاناة المواطنين بسبب ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج وعدم توفرها كالكهرباء والوقود والفيرنس، الأمر الذي أدى إلى تدني الإنتاج في كل القطاعات الصناعية على وجه العموم والزراعية على وجه الخصوص، وبالتالي انخفاض إيرادات الدولة بصفة خاصة، وسبب عجزاً في الموازنة العامة للأسر.
تشكيل الحكومة
وشدد جبريل على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة القومية لتقوم بمسؤولياتها على الوجه الأكمل ومواجهة المشاكل وتحديات الراهن، مطالباً باستقطاب موارد المغتربين وتحسين العلاقات الاقتصادية والمالية والسياسية والدبلوماسية مع الدول الصديقة في العالم العربي والأفريقي والغربي .
واقع مرير
وتناول عضو اتحاد الغرف الصناعية الباقر عكاشة في حديثه لـ (الصيحة) واقع القطاع الصناعي في البلاد، وما يعانيه من تدهور كبير في البنيات التحتية والتي ادت إلى خروج المصانع من دائرة الإنتاج، وأشار إلى أن قطاع صناعة الحديد يعمل بطاقة إنتاحية لا تتعدى 34% من الطاقة التصميمية، مبينا فشل القطاع العام في إدارته بعد أن آل للقطاع الخاص والذي استطاع توطينه، واستمر العمل به لفترة طويلة حتى بدأ العد التنازلي نتيجة لمشكلات أبرزها ارتفاع الدولار وعدم توفر التمويل لاستيراد المدخلات مما أدى الى تدني الطاقة الإنتاجية، وكشف عن تكوين شعبة لحصر المشاكل والمعوقات في القطاع تم رفعها للجهات ذات الاختصاص، واستنكر عكاشة تحصيل 1% فقط من العمولة للجملونات المستوردة، بينما تفرض رسوم وصفها بالعالية على المصنع المحلي بالإضافة إلى تشغيلها للعمالة والجبايات الولائية المتعددة والتي تشمل 17% قيمة مضافة، و3% رسوم وارد و2% أرباح أعمال، و10% رسوم أي بإجمالي 32%، مطالباً بتعميم الرسوم على كافة السلع المستوردة أو حماية المصنعة محلياً وإعفائها من الرسوم المتعددة.
تغذية الخزينة العامة
مشيراً إلى مشاكل صناعة الحديد بمنطقة الباقير الصناعية، وقال هي ذات المشاكل التي تمس الصناعة في السودان، وقال في حديثه لـ (الصيحة) إن صناعة الحديد بصفة عامة رغم دورها الكبير في تغذية الخزينة العامة إلا أنهم بعيدون من المشاركة في اتخاذ القرار ابتداء من اتحاد الغرف الصناعية واتحاد أصحاب العمل، وكل واجهات الحكومة السابقة التي كانت لا تتوانى عن تنفيذ القرارات من جبايات ورسوم وآخرها الرسوم التي فرضها والي الخرطوم في العهد السابق على مصانع الحديد في ولايتي الخرطوم والجزيرة، لافتاً لعدم وجود إدارة متخصصة لإدارة المصانع مما أدى إلى تعدد الأجهزة التتفيذية التي تمتلك القوانين وتمكنها من التعامل في المصانع دون تنسيق أو رؤية موحدة، حيث بلغت الرسوم 19 رسماً تصل إلى 54% من تكلفة الإنتاج في وجود واجهات وتنظيمات للحزب المنحل ظلت (متمكنة ومكنكشة ) وراعت مصالحها مع عدم وجود شفافية في الدعومات والمساعدات المقدمة من الدول الصديقة لتطوير الصناعة، فنجد المناطق الصناعية التي بها مصانع النافذين المتمكنين في هذا القطاع رغم حداثتها لا تشكو من الطرق والإنارة وتملك وحدات مطافئ وحماية أمنية وصرف صحي ووحدات علاجية ومجاري تصريف، إلا أن منطقة الباقير الصناعية ليست بها أي مقومات، وتتوقف الحركة تماماً في فصل الخريف.
أما انقطاع الكهرباء ونقص الجازولين قعد بالعملية التصنيعية للتكلفة التشغيلية العالية. ومن هنا نناشد الفريق أول حميدتي زيارة منطقة الباقير للوقوف على المعوقات والمشاكل خاصة أن منطقة الباقير تمتاز بخصوصيتها التي تجعلها تنافس المناطق الصناعية الأخرى.
الصيحة