حوارات ولقاءات

أيقونة الثورة، فتاة القيادة، شجن سليمان : الاتفاق لا يمثل تطلعاتي ويجب الحذر ولكن ..!

الاتفاق لا يمثل تطلعاتي ويجب الحذر ولكن …

لا يمكن أن يكون المجلس العسكري شريكاً في الثورة والشركاء هم صغار الضباط الذين انحازوا

من فض الإعتصام هو المسؤول عن الفساد طوال 30 عاماً

ميدان الإعتصام كان وطناً مصغراً

هذه هي رسالتي لقوى الحرية والتغيير

“كرهني فيك الكيزان يا وطني، ولكن الثورة تجب ما قبلها”، كانت هذه أول عبارة تكتبها الفتاة ذات البضع وعشرين ربيعاً لتحفيز الثوار، ولم يكن يدور بخلدها وقتها أنها ستصبح ملهمة للمعتصمين، يصابحونها تفاؤلاً ويتبركون بابتسامتها ويتشجعون بالعبارات الثورية اللطيفة التي تُقرٍؤهم إياها كل صباح، وصاحبتها أبيات للراحل حميد، وكأنها قصدت أن يكون لسان حال الثوار :”نتباخت بيك مع كل صباح”، رغم أنها حديثة العهد بوطنها، إلا أن انتمائها غالب حده بعد اندلاع الثورة، وصارت ككل الثوار، تحلم بوطنٍ جميل. (الجريدة) جلست إلى شجن في مؤانسة وخرجت بهذا الحوار :

*يعرفك الناس ك(شجن القيادة)، عرّفيهم على شجن سليمان؟
– أنا شجن سليمان، من مواليد المملكة السعودية وقضيت فيها كل مراحلي الدراسية، درست دبلوم تدريب معلمات ودبلوم رياض أطفال، ومن ثم درست في مركز بحثي مختص في قضايا المرأة وعملت به لاحقاً لمدة عامين، عدت للسودان قبل عامين من الآن، وأول ما سعيت من أجله هو مواصلة دراستي الجامعية، وكانت رغبتي منذ زمن دراسة هندسة المعمار، وبالفعل انخرطت فيها بسهولة بجامعة “قاردن سيتي”، والآن في المستوى الثاني بالكلية.

*عدت للسودان في أوضاع إقتصادية صعبة ومحتقنة وهناك ثورة على وشك الاندلاع، كيف تفاعلت مع الأمر؟
– أجمل شيئ حدث بالنسبة لي منذ عودتي للسودان هو هذه الثورة، فقد كنت في غاية الإستياء من عودتنا، ولم أستطع التأقلم مع الأوضاع الجديدة التي أمسيت فيها، تغيرت طرق المعيشة وصعبت مع الغلاء الطاحن والأوضاع الاقتصادية الصعبة للبلاد، حتى المجتمع لم أستطع التأقلم عليه في البداية بسبب النقلة الكبيرة في نمط الحياة التي حدثت لي، ولذلك لم أندمج بشكل كامل في المجتمع ما عدا بعض الذين أعرفهم مسبقاً، حتى أنني لم أتفاعل مع الحركات الشبابية الرافضة، رغم أنه كان لدي وعي سياسي يمكنني من معرفة أن الحكومة فاسدة ومسيطرة على أضلع البلاد وتنهبها وتورث المواطنين الفقر، ولكن عندما اندلعت الثورة، بدأ يتسرب لي الإحساس بأن فعلاً: “هذه الأرض لنا”، وأحيت بداخلي الأمل بأننا سنعيش كما نرغب ونستعيد حقوقنا المنهوبة، وبدأت أشعر بالانتماء الحقيقي لهذه الوطن.

*من أين جاءتك فكرة كتابة منشورات يومية للمعتصمين في القيادة العامة؟
– بدأت الفكرة من رغبتي في المساهمة بأي شيئ داخل ساحة الاعتصام، وفكرت يوماً ما بأن أحمل أوراقاً وقلماً وأكتب أي شيئ للثوار، ومر يومان دون أن أكتب شيئاً، ولكن عندما شعرت أن ميدان الاعتصام بدأت حشوده تقل، فكرت في كتابة عبارات تحث الناس على الاعتصام وتحفزعهم وتوعيهم بأن الاعتصام يعني البقاء حتى تحقيق المطالب المرفوعة، وفي مساء اليوم الثاني مباشرة كتبت عبارات على ورقة وعرضتها على المعتصمين…

*هل تتذكرين أول عبارات كتبتها؟
– بالطبع، كانت: “لقد كرهني فيك الكيزان يا وطني، ولكن الثورة تجب ما قلبها”، وكان معها بيتان من أشعار الراحل محمد الحسن سالم حميد، وحتى تلك اللحظة لم تتبلور لدي فكرة الكتابة اليومية التجول بين المعتصمين، فقد كنت لا أزال ترهب الفكرة، وأتذكر أن أول يومٍ حملت فيه المنشور وتجولت بين الناس كان تقريباً يوم خطاب لتجمع المهنيين لطرح أسماء الحكومة ولكن لم يعلنوها، فشعرت أن أغلب الثوار محبطون وأردت أن أحفزهم، كتبت بما يحث على عدم الإحباط والتراجع والانهزام، ففوجئت بالتفاعل الرائع من أغلب المعتصمين، وأُحييَت معنوياتهم، وكان بعضهم يجيبين بـ:”صااابنها صااابنها”، وحتى أن بعضاً منهم حمل على نفسه مساعدتي بحمل الضوء “الفلاش” حيث كنت أمسكه مع المنشور، وآخرون أحضروا لي كرسياً لأرتاح قليلاً، وغيرها من التعليقات المحفزة من آبائنا وأمهاتنا المعتصمين.

*بدا واضحاً من العبارات التي تكتبينها أن لديك تجارب في الكتابة، أليس كذلك؟
– نعم، أنا أكتب الخواطر والشعر والقصة القصيرة، حسب ما يقتضي المزاج.

*هل شاركت في المواكب منذ قبل 6 ابريل؟
– لا، كنت شبه ممنوعة من المشاركة، ولكن بالتأكيد كانت هذه المواكب تمثل لي الانتصار الذي أراه قريباً، وكنت أدرك أن السلطة بدأت تصاب بلخوف ووضح هذا من خلال تعاملها مع الاحتجاجات والقمع وإغلاق الجامعات والمظاهر العسكرية في أيام المواكب المعلن عنها، وكانت هذه المواكب تعبر عني تماماً رغم أني لا أشارك فيها، مشاركتي كانت عبر الوسائط ونشطت في نشر الفيديوهات والبيانات والجداول وغيرها.

*هل كانت لديك ثقة كاملة في تجمع المهنيين؟
– لم يكن لدي شك، ولكن في البداية بعد انفجار مظاهرات الدمازين وعطبرة ومن ثم إعلان التجمع لتغيير مسار موكبه، شعرت كأن ذلك يمثل تغولاً على الثورة، كالإحساس الذي ينتابك عندما يصبح أخيك الأكبر وصياً عليك في أمر ما ويوجهك ويخبرك أن الأمر ليس بهذه الطريقة وفي النهاية يفسد عليك الأمر، ولكن مع مرور الأيام والمواكب بعد اسبوعين تقريباً، تبدد هذا الإحساس، وتأكد لي أن هذا الجسم كيان منظم ووضح ذلك من خلال البيانات والتنظيم الناجح للمواكب وتعززت ثقتي بهم.

*إلى أي مدى يمثلك اعلان الحرية والتغيير كوثيقة وكمؤسسات؟
– بصراحة، أنا لم أنتبه لوجود قوى الحرية والتغيير في المشهد إلا بعد شهر مايو الماضي، وعرفت لاحقاً أن الوثيقة تم توقيعها شهر يناير تقريباً، وحتى أنني لم أنتبه طوال فترة المواكب أن البيانات تصدر باسم قوى الحرية والتغيير، حيث كنت أراها تجمع المهنيين فقط، ويمكن أن أعزي ذلك لضعف معرفتي بالقوى السياسية السودانية وتفاصيلها، ولم أستوعب كيف يمكن أن تجتمع كل هذه القوى المختلفة سياسياً وفكرياً على هدف واحد، وقناعتي كانت أننا كثوار في الميدان مختلفون ولكن اختلافنا يوحدنا، وكنت على إصراري بأن تجمع المهنيين يمثلني ولا ثقة لي بالقوى الأخرى.

*هل توقعت نجاح مليونية 6؟
– لم أتوقع النجاح بالكامل، ولكنني كنت متحمسة إلى حد بعيد، وقد قررت وقتها أني سأخرج في تلك المليونية، وخاصة بعد أن بدأت مواكب ليلية إعلاناً للمليونية في حيّنا والأحياء القريبة، وإعلام المليونية كان ضخماً حيث منذ فترة بعيدة كان الجميع يعرف بالمليونية المقامة في 6 أبريل، حتى اسرتي التي كانت متخوفة وتمنعني من المشاركة، شاركت في المواكب الليلية إعلاناً للمليونية، ومرة كنت نائمة ليلاً فسمعت اصوات مظاهرة في حينا، استيقظت مذعورة ولبست نفس العباءة التي أرتديها الآن وخرجت بحماس وانضممت للموكب الليلي. وفي 6 أبريل توقعت أن يخرج الناس بكميات كبيرة، ولكن لم أكن أتوقع أن نصل للقيادة العامة ونعتصم بها.

*ماذا مثل لك الاعتصام؟
– الميدان مثّل لي معنى الوطن، فقد كان فعلاً وطناً مصغراً، ورأيت في ميدان الاعتصام الوطن الذي افتقدته وحلمت به، واعتراني انتماء جديد للسودان، وأصبحت فجأة منتمية لهذا المكان ولهؤلاء الناس دون إرادة، ورغم أن المعتصمين في الميدان كانوا مختلفين تماماً عن بعضهم ولكن لم يكن إحساس الإختلاف بارزاً بينهم، ولم أكن أشعر أن هنال فرقاً بين هذا وذاك عندما أدخل الميدان، حيث أنه كان وطناً دون أي عيوب.

*لحظات عالقة في ذهنك منذ 6 ابريل وحتى 3 يونيو؟
– مرة دخلت الميدان وأنا أحمل حافظات الشاي والقهوة العربية، وجلست بمكان كل شخص فيه منشغل عن الآخر، وعندما بدأت أصب الشاي والقهوة تجمع كل الناس بالقرب مني وكأنهم أسرة واحدة، ورغم أن القهوة العربية ليس لها رواج كبير في السودان، إلا أنها انتهت في أقل من دقيقتين، وكان ذلك إحساساً رائعاً بالنسبة لي، وكنت أشعر دائماً أن ميدان الاعتصام يشبه الحرم المكي في تآلف النس وتعاونهم.

*هل حملتي أي رسالة في منشوراتك اليومية لمتضرري النزاعات والحروب؟
– مرة واحدة، كتبت : كل البلد دارفور، و “أنا من أجل فتاة في السابعة من عمرها في أحد ملاجئ دارفور حلمها أن تصبح طبيبة”، ووجدت العبارات ترحيباً من بعض خيم مناطق دارفور وناشدونا بمواصلة العمل لتسليط الضوء على قضايا النازحين، رغم أنه لدي رأي في شعار كل البلد دارفور باعتبار أنه يحصر المعاناة في منطقة واحدة، وأعرف أن معظم مناطق السودان بها معاناة.

*كيف تعاملت مع الحديث الذي كان يشاع بأن ميدان الإعتصام بؤرة للرذيلة وأن هنالك مناطق بها ممارسات مشينة؟
– كنت أتقبل ذلك الحديث، لأنني على قناعة بأن ميدان الإعتصام يجمع كل الناس، وكل الناس هذه تعني كل الناس بكل ممارساتهم الحياتية اليومية العادية، ونفس المجتمع خارج ميدان الإعتصام هو نفسه داخله، بكل ميزاته وعيوبه، ولم يكن من الصائب وصف الاعتصام بأنه سبب الممارسات التي وصفوها بالشنيعة.

*كيف أثرت عليك حادثة فض الاعتصام ومجزرة القيادة وارتقاء أكثر من 100 شهيد؟
– يومها خرجت من بداية لحظات الفض ودخلت إلى مستشفى المعلم، وفي طريقي رأيت بعض المشاهد من ضرب وتعذيب للثوار، وقابلت عدداً من المصابين في المستشفى. أنا حتى هذه اللحظة لا أستوعب حقيقة أن الاعتصام تم فضه وراح ضحيته كل هذا العدد من الشهداء، ولا أستطيع أن أميز إحساسي حتى الآن، صدمة أم لا؟ لا أستطيع تصديق ما تم.

*في رأيك من هو المسؤول عن الجرائم التي تمت في فض الاعتصام؟
– صاحب المصلحة في فض الاعتصام، هو المستفيد من إيصال البلاد إلى هذه الحالة عن طريق الفساد وسرقة مواردها ونهبها، وهو المسؤول بالكامل عن الجرائم التي تمت كلها.

*هل تنظرين للمجلس العسكري كشريك في الثورة؟
– شريك في ثورتنا؟ لا طبعاً، من المستحيل أن يكون شريكاً في الثورة وهو يحاول إجهاضها، شركاء الثورة هم جزء من شرفاء الجيش المتضررين أصلاً من نظام الإنقاذ كباقي الشعب، وعندما واتتهم الفرصة للمساهمة في إنهاء الإنقاذ إنحازوا بالكامل، وبالتأكيد هؤلاء لا يمثلهم المجلس العسكري، وهولاء هم من هتفنا لهم :” الجيش ما جيش الكيزان، الجيش جيش السودان”، والمجلس العسكري حتى لو لم يكن كل أعضائه من المؤتمر الوطني فهم يمثلون مصالح المؤتمر الوطني.

*ما أثر مليونية 30 يونيو عليك؟
– خففت عليَّ جداً وقللت من أثر الصدمة، وارتحت نفسياً بعد رؤية الملايين تخرج للشوارع مرة أخرى وتهدر بالحرية والسلام والعدالة، ونجحت المليونية بدون الحوجة لإنترنت، والأعداد كانت أكبر من مليونية 6 أبريل، وأغلب الناس الذين أعرفهم قالوا إن هذه أول مرة ينامون فيها بسلام بعد فض الإعتصام، وأزالت المليونية آثار الهم والحزن، وأوصلت الرسالة لأعداء الثورة بأننا قادرون على فعل ما لا يتخيلون.

*هل الاتفاق مرضي بالنسبة لك؟
– الاتفاق لا يمثل تطلعاتي ولا تطلعات عدد كبير من الشباب، لأنه طالما أن هنالك اتفاقاً مع (مجلس عسكري)، يجب أن يكون الحذر حاضراً، ولا يجب أن نثق في أناس يمارسون القتل كشيئٍ عادي وبدمٍ بارد، ويمكن بكل بساطة أن ينقضوا العهد ويعودوا لفعل ما يجيدونه وهو القتل، ولكن أغلب الناس مستعدون للتشبث بأقل أمل ممكن لتحقيق أهداف الثورة.

*لتحقيق أهداف الثورة، يجب اتباع الحل السياسي والدبلوماسي أم الحل الثوري؟
– الإثنان معاً، ولكن بدون تفاوض، فقد نجحت الثورة في مراحل لأنها لم تفاوض، وأعتقد أن التفاوض يقلل من قوتنا وقدرتنا، أنا بوعيي السياسي البسيط، لا أدرك أيهما أصح التفاوض أم فرض المطالب، وأرى أن #الشارع_بس هو خيار صائب تماماً لأنه أثبت نجاحه سابقاً.

*ظهرت تيارات ساخطة على المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير معا، هل كنتي جزءاً منها؟
– لست مع الذين سخطوا على قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، رغم أنه يمكنني تفهم وجهة نظرهم، وبذات النسق يمكنني تفهم وجهة نظر قوى الثورة لأنه بيدهم آلية ضغط ويحاولون ممارسة الضغط عن طريق العمل السياسي، وبالتأكيد هم يعملون لصالح الثورة، ولكن من لا يعرفون طبيعة عملهم كان من الطبيعي أن يسخطوا عليهم ومحاولة ويحملونهم مسؤولية الشهداء.

*ما هي رسالتك لقوى الحرية والتغيير؟
– أولاً أود القول أني أقدر مجهوداتهم وتمثلني، وفعلياً أشعر بالضغط والتعب الذي يكابدونه من أجل الناس الذين تعبوا طويلاً، وأنا لا أعرف من هم بالتفصيل وماذا يفعلون ولكني أثق بهم وأقدرهم، والضغط النفسي عليهم أكبر من الضغط علينا، لأن كل السودانيين يأملون فيهم خيراً، ولا أدري كيف يتخصلون من الضغوطات، وأدعو لهم بالثبات لتحقيق ما نريده. الررسالة الثانية أقول لهم أننا مستمرون في ثورتنا حتى تتحقق كافة مطالبها والثورة نهايتها لا تنتهي بالمدنية وإنما حتى نبني السودان، وحتى إذا لم تستطع قوى الحرية والتغيير تحقيق ما نصبو إليه، سنواصل المطالبة بأهدافنا حتى كانت ضدهم، وأرجع أقول أني مع التجمع وبحبهم شديد (تضحك).

*ماهي رسالتك للثوار؟
– أقول لهم إن إحساس الإحباط والقلق والخوف عادي جداً، وليس مشكلة أن يرتاح الثائر ويأخذ قسطاً من التهدئة، لكن من الضروري جداً أن يعود الثائر ليواصل ثورته ويستمر نضاله، وكل قدر م يستطيع، رغم أن هنالك من ضحى وهنالك من هو مستعد للتضحية، مع أن الموت ليس الهدف ولكن الموت في سبيل الغاية وسيلة، والغاية هي استرداد بلادنا وتطويرها لأنها ملكنا.

*منشور ارتجالي أخير؟
-(تضحك) في الميدان كان عندي جلسة تحضيرية في العادة قبل الفجر أحضر فيها ما أريد كتابته، ولكن الآن يمكنني أن أقول : ” ثورة صننعتموها لن تموت، وحباً نشرتمونه لن يذبل أبداً، وقوة بعثتمونها لن تخبو أبداً “.

إلتقاها: سيدأحمد إبراهيم
صحيفة الجريدة