راني فرح..الرصاصة مازالت في صدره .. تم استهداف وقنص كل من حاول توثيق المجزرة و نحارب الآنّ جهات مختلفة هدفها واحد “إفشال الثورة”
راني فرح.. الرصاصة مازالت في صدره
فض الاعتصام بهذه الوحشية كان بهدف زرع حالة من الرعب والصدمة وسط المواطنين
الطبيب الذي أجرى العملية أكد لي أن بقاء الرصاصة أقل خطورة من محاولة إخراجها
تم استهداف وقنص كل من حاول توثيق المجزرة
نحارب الآنّ جهات مختلفة هدفها واحد “إفشال الثورة”
لم يكن يوم الاثنين – التاسع والعشرين من رمضان – “اثنين أسود” فقط كما وصفه العامة، هو كذلك للذين لم يحالفهم القدر بالحضور تلك الليلة في محيط القيادة العامة! فالذين ارتقت أرواحهم شهداء نالوا الخلود في تاريخ هذا البلد ما بقيت، ومن نجا يحمل في جوفه الآن قصصا ومشاهد عظيمة لن تمحوها السنوات القادمة.
حالة فزع
يسرد راني فرح، الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي في حديثه مع (الجريدة) تفاصيل ما حدث قائلا: في ليلة ” التاسع والعشرين” من رمضان، وفي حوالي الساعة الواحدة صباحا، كنت “صابيها” في القيادة كعادة كل يوم، وصلت معلومة مؤكدة بفض الاعتصام من شخص اعتاد على مدنا بالمعلومات وبصورة راتبة.
على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت الأخبار عن فض الاعتصام تنتشر كالنار في الهشيم، حاولت تهدئة الناس. ببث فيديوهات (لايف)، من داخل القيادة العامة تؤكد بأنّ لا شيء من ما قيل قد حدث، أردت وقتها قتل حالة الفزع التي دبت في الناس، وطمأنتهم.
الشمس أوشكت على الإشراق، تقريبا عقارب الساعة كانت تتجه نحو الخامسة إلا ربعا صباحا، عندما توجهت لشارع النيل، وقررت مرة أخرى، وفي حوالي الساعة الخامسة وست دقائق نشر “فيديو” مباشر آخر، مفاده بأن الصبح أوشك، ولم يتحقق من مخاوفكم شيء، وأن الوضع على ما يرام.
لايف مباشر
مضيفا كنت بالقرب من مستشفى العيون، والثوار متفرقون في أماكن شتى، والهتاف في أوجه، توجهت غربا باتجاه جامعة الخرطوم، كل هذا و”اللايف” مستمر. أعداد المعتصمين لم تكن كبيرة مقارنة بالأيام الأخرى، حيث سبق ذلك اليوم أمطار غزيرة، إضافة لتجهيزات العيد.
قوات ضخمة
شدّت انتباهي قوة أمنية تبعد نحو (٣٠) متر من مقر الاعتصام، اصطفت مجموعات ضخمة وبأزياء مختلفة، بعضها يرتدي زيا “أسود”، وآخرون بزي مكافحة الشغب، والجزء الآخر كان يرتدي زي الدعم السريع مدعوما بعدد من “التاتشرات”، يقف أمامهم “قائد” يقوم بتوجيههم. علمت فيما بعد أن عدد هذه القوة قرابة الـ(٣) آلاف، وما شاهدته بعيني يجعلني أصدق هذا العدد، أعداد مهولة للغاية، (وما كانت ما حَاجة هينة).
يقول “راني” انطلقت هذه القوة نحو الاعتصام في تمام الخامسة، كانوا يحملون “العصي والسياط”، ونظرا لأن أعداد المعتصمين أمام (التروس) قليلة، لم تكاد تتجاوز الـ(١٥٠)، تفرقنا، جزء توجه لشارع النيل، وآخرون نحو مدخل جامعة الخرطوم، وقد كنت ضمن المجموعة الأخيرة.
الحجارة تواجه الرصاص
بدأت مناورات الكر والفر بين الثوار والقوات الأمنية، اتخذ الثوار من (الحجارة) أسلحة، حتى هذه اللحظة لم يتم إطلاق الرصاص، توجهت ناحية النفق، مواصلا بث ما يحدث مباشرة على صفحتي الشخصية بالفيس، بعد بضع دقائق بدأ إطلاق كثيف للرصاص، مر من أمامي شباب يحملون آخر يتقطّر من جسمه الدم، ومر آخرون يحملون شابا أظن أنه استشهد لأن الإصابة كانت في الرأس تماما.
استهداف الناشطين
في الخامسة والربع تعرضت لإصابة بعيار ناري في الصدر، ابتعدت عن القلب بأربعة سنتمترات، وذاك لأني كنت أوثق ما يحدث مستعينا بالهاتف، وأعتقد أنهم كانوا يستهدفون إصابة القلب مباشرة، لأن هدفهم لم يكن التخويف وإنما القتل، كما أنه لم يكن “ضربا” عشوائيا، وإنما استهداف مباشر، حيث تم قنص كل من حاول توثيق وبث تلك “المذبحة”، عملية قتل ممنهجة (عديل).
التدريب المهني
يستمر “راني فرح” في حديثه بقوله: تم إسعافي من قبل الثوار ناحية التدريب المهني، والأطباء هناك قاموا باللازم، حيث حاولوا استخراج الدم من الرئة، نظرا إلى أن الرصاصة اخترقت جزءا منها. حالة من الخوف كانت تسيطر على المكان، واحتمالية اقتحامه وشيكة، فتم نقل المصابين بناءً على طلب أحد التابعين للقوات الأمنية للمستشفيات، نقلت بـ(مرتبة) من التدريب المهني وحتى مستشفى المعلم، كانت هذه القوات منتشرة على امتداد الطريق، بعدها بنصف ساعة نقلت إلى (رويال كير).
أخبرني صديق لي أنه تعرض للضرب والاعتقال بمعية آخرين، وقد تم نقلهم بدفار إلى القسم الشمالي وزج بهم في الحراسات ليتم الإفراج عنهم صبيحة اليوم التالي بضمانات، كما تعرض العديدون للضرب والشتم، ومن بينهم أحد أصدقائي الذين ظلوا يتعرضون للضرب من القيادة وحتى مطعم (بابا كوستا)، مصحوبا بترديدهم عبارات مسيئة، وقد نجوا من بين أيديهم بأعجوبة بعد تدخل ضابط يتبع لهم.
الرصاصة مازالت في الصدر
لم تخرج الرصاصة التي اخترقت صدري بعد. وبحسب رأي الأطباء، فإن بقاءها أقل خطورة من محاولة استخراجها، وهذا ما أكده لي الطبيب الذي أجرى العملية في رويال كير، وجود الرصاصة بالصدر غير مؤثر، ويمكن أن أعيش بها حياة طبيعية، وهذا ما يحدث الآن، كما أنه نصحني بعدم السفر للخارج إن كان الهدف إخراجها.
حاليا لا أشعر بوجودها داخلي، أمارس حياتي بصورة طبيعية، ولم يتبقَّ شيء سوا نزع (خيط) جرح العملية فقط.
رب ضارة نافعة
يؤكد “فرح” أنه محظوظ للغاية لأن إصابته جاءت مبكرة، وعلل قوله ذاك بأن ما حدث داخل القيادة العامة بعد إسعافه للمستشفى لا يمكن وصفه، بشهادة العديد من أصدقائه، مضيفا: (الحمدلله إني اتضربتا بدري ولم أكن شاهدا على ما حدث)، واستطرد: (الحصل وما حكي ليّ وما عرفته، والذي لم نعرفه بعد “شنيع”).
محاكمة عادلة
مشيرا إلى أنّه على استعداد تام، في ظل دولة ديموقراطية، أن يدلي بشهادته – كشاهد عيان – ويروي تفاصيل ما حدث. قائلا: “أنا شفت الموت بعيوني، وأصبحت الآن حلقة وصل بين الناجين والشهداء، لست خائفا، بل إنه لم يعد هناك ما يخيف مطلقا، سنعمل من أجل الذين رحلوا على تحقيق حلمهم بالدولة المدنية، والتأكد من الجناة الذين تسببوا في هذه المجزرة، وكل المجازر التي ارتكبوها في حق أبناء هذا الشعب، وستتم محاسبتهم”. ونحن مطلبنا الأساسي:
(نشعل النار في الكراسي
والخوازيق في القصاص).
القضاء على الثورة
يرى “فرح” أن ما حدث في محيط القيادة العامة ليلة التاسع والعشرين من رمضان لم يكن الهدف منه فض الاعتصام فقط، بل خلق ما عرف لاحقا بمجزرة القيادة العامة. وأضاف: كان يمكن أن يتم فض الاعتصام بأقل الخسائر، وهو ليس بالأمر الصعب، نظرا للقوة الكبيرة التي اقتحمت الاعتصام؛ لافتا إلى أن الغرض من ما حدث خلق صدمة وحالة من الرعب بين الناس تقضي نهائيا على الثورة ليس في الشارع فقط، وإنما من أفئدة الشعب السوداني كله، وهذا ما لم يفلحوا فيه، فقط أثبت لهم هذا الشعب العظيم أن إرادته لن تنكسر، وترجم ذلك بنجاح العصيان المدني وبالمواكب المسيرة داخل الأحياء، مؤكدا أنه لا يمكن التقليل من قيمة كل هذا مقارنة بما شاهدناه من فظائع وانتهاكات كانت قادرة على تحقيق ما يهدفون إليه، وهذا ما بعث بداخله موجة من التفاؤل.
رسائل في بريد الثوار
نحارب الآن ضد جهات عدّة، ومصالح لا نعلم حتى مقدارها، ولكنها جميعها متشابكة، والهدف واحد “إفشال الثورة”.
هذه الثورة ليست ضد “الكيزان”، أو حكم “العسكر” فقط، هناك دول انتهازية عدَّة تقف في المنتصف. وسط كل هذا، لا يمكن أن نصف استمرار المطالبة بتحقيق ما خرجنا لأجله سوى أنه عظيم (وماشي ساهل). أقولها للشارع أجمع: الإحباط ممنوع، كلٌّ يبذل ما يستطيع، ولا تبخسوا ما تقومون به، جميعا إن كنا داخل السودان أو خارجه، بإمكاننا أن ندفع بعجلة الثورة لتصل إلى حيث نريد.
هذا بالنسبة للذين مازالوا على قيد الحياة، أما الشهداء، الذين رحلوا رغما عنا وعنهم فلم أجد ما يمكن أن يقال سوى هذا النص:
يا حقيقي
وخالع الروح من مصاف الجتة
نحن الاتخلعنا
انت حظك
فُتَّ مُرتاح
من دناساتنا وطمعنا
وما بتعرف
حالنا كيف لمن سمعنا
..
رحت أتذكر ملامحك
واستعيد شكل الأماكن
نحن إتلاقينا
يمكن مرة قد ضمانا موكب
أو زيارة
ومرة اتدسّينا في بيت
برة بمبان
شلت منك سفة
أو باقي السجارة
مرة في بوست
يمكن اتلاقينا في لايك
على نفس العبارة
ما غريب شكلك علي
ونظرتك للموت
وتصميم الإرادة
هناكَ إتلاقينا في الحتة المقدسة
طق طرق
يمكن
ويمكن في العيادة
ولّا يمكن في هتاف جمّعنا سوّا
ونحن بننادي السيادة
نحن اتلاقينا يا السمح المعافى
وهسي رُحْتَ
وتاني بعدك
شِنْ بودِّي خطاي على “شارع القيادة”
أمشي في دمك؟
وأحلامك دي كيف يا ماشي
يا الجسدك مُوزَّع في المتاريس
فُتَّ واقع
إلا قاعد
في خيالنا
ويومي دمّك جايي في
هيئة كوابيس
انت محظوظ
يا حقيقي
نحنا ديل نحنا المناحيس
إلّا وحياة كل ما جمعنا
من ضحكة ومحبّة
لسه شعبك ما نسى الثورة ودروبا
والشوارع
لسه محفوظات ترابا
ويوم حتستنفر هبوبا
ونقلع الموت البيسكن
بين لياقات العساكر
والقصور الفي جيوبا
نحن قادرين
نهدم العفن المسيطر
ونبني أرضك يا بلادي
طوبة طوبة
انت ارتاح
ما تَشيل هم
نحن قاعدين
يا شهيد
انت ارتاح
وابقى عاين مرَّة مرَّة
علينا ساكت
من بعيد
نحن جيلك
وانت عارف
نحن أحرار
أصلو ما بحكمنا سيد
وابقى اطمَّن
شهادتك
كانت
التوصيلة للوطن الجديد..
وانت حظك..
الخرطوم: سلمى عبد العزيز
صحيفة الجريدة
الله يرحم كل شهداء الوطن الذين قتلوا فى شهر عظيم حرم الله فيه القتل
وهم قتلوا مسلمين مسالمين صائمين الله يتقبلكم شهداء وان شاء الله
دمكم ما يروح ساكت وهناك يوم للحساب لكل قاتل والله المستعان
ومدنية خيار الشعب وخيار الشهداء