زهير السراج

هل ينجح دونالد بوث ؟!

* يجتهد المبعوث الامريكى (دونالد بوث) في حث قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكرى على العودة للتفاوض وإيقاف التراشق الإعلامى وتقديم بعض التنازلات للوصول الى اتفاق قبل حلول الثلاثين من يونيو (الأحد القادم)، وهو الموعد المحدد للمليونية الشعبية لرفض تمسك المجلس العسكرى بالسلطة والممارسات القمعية وتكبيل الحريات بواسطة الاجهزة التى تتبع له!!

* رغم أنه يبدو نوعا من الحلم الجميل أن يجلس الطرفان للتفاوض دعك من الوصول الى اتفاق قبل هذا الموعد، إلا أن كل شئ جايز. الكثير من المؤشرات الإيجابية أعادت بعض الأمل الى النفوس بإمكانية مواصلة الحوار بين الطرفين، منها تصريحات المجلس العسكرى بأن هنالك الكثير من المبادرات التى يمكنه الأخذ بها، ولكنه يفضل التى توافق عليها قوى الحرية والتغيير. الكثير من المظاهر العسكرية اختفت من شوارع الخرطوم، وهو أحد شروط قوى الحرية والتغيير للعودة الى المفاوضات. البعض يتخوف من ان معظم القوات التى انسحبت تنتمى للجيش وهى التى اعطت الشعب الاحساس بالأمان من التواجد الكثيف لقوات الدعم السريع وممارساتها القمعية بعد فض الاعتصام. البعض يزعم انه يجرى تجهيز المسرح لعمل ما في غياب قوات الجيش. قوات الشرطة دخلت في الخط بعد فترة غياب طويلة، وقامت بقمع وقفة إحتجاجية سلمية للعاملين في المعمل القومى الصحى (معمل إستاك).

* الحجة التى تتذرع بها السلطات لفض الانشطة السلمية بانها لم تحصل على إذن من الشرطة والامن .. (وأضافوا إليها مؤخرا قوات الدعم السريع) غير مقنعة وتعود الى زمن القمع والقهر، كما أن الوقفة التى قمعتها الشرطة في اول ظهور لها كانت داخل حرم المعمل القومى الصحى وليس في الشارع العام . وبعدين حكاية أخذ إذن من الدعم السريع دى شنو، ولماذا ليس الجيش إذا كان المبرر هو حالة الطوارئ المفروضة على البلاد، أم أن مليشيا الدعم السريع صارت صاحبة الأمر والنهى في كل شئ حتى في إعطاء الأذونات للانشطة الجماهيرية؟! ربما نُفاجَأ بضرورة أخذ الإذن لمناسبة ختان من الدعم السريع بعد تسديد الرسوم !

* المجلس العسكرى اصدر امراً باطلاق سراح معتقلى الحركات المسلحة. دعونا نعتبر ذلك من المؤشرات الإيجابية للتقريب بين الطرفين واستجابة لأحد شروط قوى الحرية والتغيير للعودة الى التفاوض، رغم انه فيما يبدو محاولة لإستمالة هذه الحركات الى جانب المجلس العسكرى، خاصة بعد الهجوم العلنى الغريب وغير المبرر من (التوم هجو) عضو الحزب الاتحادى (سابقا) وعضو الجبهة الثورية وقوى نداء السودان على قوى الحرية والتغيير التى تنتمى إليها الكتلتان، بأنها إقصائية وكأنه يريد أن يقول للمجلس العسكرى: (نحن هنا)، بينما كان بإمكانه توجيه النقد بأقسى ما يمكن لقوى الحرية والتغيير من الداخل. لا افهم كيف ينتقد أحد (الجهة) التى ينتمى إليها في العلن، بينما يمكنه ان يفعل ذلك داخل (الحوش). انه تصرف خاطئ ومرفوض. متى يتعلم السياسيون السودانيون إختيار المكان والزمان المناسبين للحديث؟

* ما يؤكد ان اطلاق سراح معتقلى الحركات المسلحة كان بغرض إستمالتها للمجلس العسكرى تزامنه مع قرار تكوين لجنة للحوار مع الحركات المسلحة برئاسة قائد قوات الدعم السريع (ألم أقل لكم أن الدعم السريع صارت صاحبة الامر والنهى في البلاد، تجدها في كل مكان؟) .. واضح جدا ان الهدف هو عزل الحركات المسلحة من قوى الحرية والتغيير التى تنتمى إليها، وإغراء الحركات المسلحة للإنضمام الى حكومة المجلس العسكرى التى يزمع تكوينها. حسنا فعلت الحركة الشعبية (الحلو) وحركة تحرير السودان (عبدالواحد) والجبهة الثورية والحركات المسلحة التى تنتمى لقوى نداء السودان وقوى الحرية والتغيير ــ ما عدا حركة تحرير السودان (مناوى) ـ باعلان عدم رغبتها في الحوار مع المجلس العسكرى خارج الأطر التى تنتمى إليها، وبدون إستجابته لرغبة الجماهير في نقل السلطة الى المدنيين. على كل حال، فإن اطلاق سراح معتقلى الحركات المسلحة أمر إيجابى يصب في مصلحة الحوار بين الطرفين. ننتظر خطوة إيجابية أخرى باطلاق سراح الثوار والمعتصمين المعتقلين وبقية المعتقلين السياسيين (ما عدا معتقلى النظام البائد الى حين البت في أمرهم) كبادرة خير لتجسير الهوة بين المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير.

* في الجانب الآخر، لا بد لقوى الحرية والتغيير ان تفتح عقلها لتوسيع دائرة المشاركة السياسية في مؤسسات الفترة الانتقالية، مع الوضع في الاعتبار انه ليس من المنطقى ان تشترط تدويل التحقيق في جريمة فض الاعتصام قبل معرفة نتيجة التحقيق الوطنى، أو تطالب بالاعلان عن النتيجة كأحد شروط العودة للتفاوض لما يتطلبه التحقيق من وقت وجهد في استجواب الشهود والتوصل الى نتائج قاطعة. إذا تحقق ذلك ، فمن الممكن عودة التفاوض في اقرب وقت ممكن، خاصة مع الجهود التى يبذلها المبعوث الامريكى واطراف اخرى فاعلة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.

* على الجميع وقف التراشق الاعلامى والابتعاد عن الكاميرات التى يبدو ان البعض أدمنها حتى صارت بالنسبة إليه المكان المناسب والأوحد للنضال والتفاوض والهرولة وراء النجومية الزائفة والحصول على (حق) الاداء العلنى!!

* تُرى هل ينجح (بوث) في جمع الضدين قبل 30 يونيو، أم نُجهز أنفسنا للمسيرة المليونية؟!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة