تحقيقات وتقارير

“المدينة المقدسة” في إثيوبيا حيث تحظر المساجد

بالنسبة للمسيحيين الأرثوذوكس الإثيوبيين ، مدينة “أكسوم” القديمة هي مدينة مقدسة، مدينة ملكة سبأ، و”تابوت العهد”.

ويعتقد أن التابوت يحوي الوصايا العشر التي أرسلها الله للنبي موسي، ويعتقد أنه في عهدة رجال الدين في المدينة.

وتنظم بعض المجموعات الإسلامية حملات من أجل بناء مسجد في المدينة، وهو ما رفضه الزعماء المسيحيون بشدة قائلين إنهم يفضلون الموت على أن يحدث ذلك.

وقال غوديفا ميرها، وهو أحد كبار رجال الدين المسيحيين “أكسوم بالنسبة لنا مثل مكة بالنسبة للمسلمين، فكما يحظر بناء الكنائس في مكة يحظر بناء المساجد في أسكوم”.

ويضيف ” أسكوم مكان مقدس. هذه المدينة هي دير”.

يتسبب هذا الموقف الذي يتخذه المسيحيون الأرثوذوكس منذ القدم بجدل بينما يتظاهر مسلمون رافعين شعار “العدالة لمسلمي أسكوم” مطالبين بحق بناء مسجد في المدينة وحق رفع الأذان فيها باستخدام مكبرات الصوت .

ويرى البعض مفارقة غريبة في هذا الجدل ، حيث أن مملكة اسكوم عرفت بتسامحها الديني.

ووفقا للفريقين، وصل المسلمون إلى المملكة للمرة الأولى في فجر الإسلام، حوالي 600 للميلاد كلاجئين هربا من الاضطهاد الديني لقريش.

ورحب الملك المسيحي بالوافدين المسلمين بحفاوة، وسهل الوجود الإسلامي في أول مكان خارج شبه الجزيرة العربية.

ويشكل المسلمون اليوم 10 في المئة من سكان إسكوم ويبلغ عددهم 73 ألف نسمة بينما يشكل المسيحيون الأرثوذوكس 85 في المئة، وتتوزع الخمسة بالمئة الباقية على بقية الطوائف المسيحية.

‘إجبار المسلمين على العبادة في الخارج’

يقول عبده محمد عي، وهو من مواطني المدينة المسلمين في العقد الخامس من عمره، إن عائلته اضطرت على مدى أجيال إلى استئجار منازل يملكها مسيحيون لتأمين أماكن لعبادة المسلمين.

“لدينا 13 مسجدا مؤقتا، وإذا سمعنا بعض المسيحيين نستخدم مكبرات الصوت يوم الجمعة يقولون إننا نشوه سمعة القديسة مريم”.

ويقول عزيز محمد، أخصائي في الطب الشعبي عاش في مدينة أسكوم على مدى عشرين سنة، يقول إن المسلمين يضطرون للصلاة في العراء بسبب عدم توفر المساجد.

ويضيف :”هنا يعيش المسلمون والمسيحيون معا. لا يمنعنا المسيحيون من إقامة الصلاة لكن على مدى سنوات كان كثيرون منا يضطرون للصلاة في الشوارع”.

واضح أن هذا الموضوع يسبب بعض التوتر. عبده لم يكن راغبا بالحديث إلي، كوني مسيحيا أرثوذوكسيا، ثم وافق بعد إلحاح ومحاولات إقناع مستمرة، وبعد أن فحص هويتي، بينما عزيز المولود لأم مسيحية وأب مسلم رفض الدخول في النقاش. وقال “هنا ننشأ على الخوف أحدنا من الآخ”.

‘نحن بحاجة للعيش بسلام ‘

وكانت خلافات شبيهة قد وقعت قبل 50 سنة، وكان الإمبراطور هيلاسيلاسي انذاك في السلطة.

في ذلك الوقت توصل زعيم المدينة إلى حل وسط يقوم المسلمون بموجبه ببناء جامع على بعد 15 كم.

التقيت في زيارة للمدينة ذات الأغلبية المسيحية خيرية مسعود، التي كانت تعد الطعام للمسلمين أثناء أدائهم الصلاة.

مشيرة إلى أن هناك خمسة مساجد الآن في وكيرو ماراي، قالت “على الرغم من أننا بحاجة لمسجد في أسكوم فإننا لا نستطيع إجبارهم. ما نحتاجه هو التعايش”.

مملكة أكسوم

اكتسبت قوة وثراء من سيطرتها على تجارة البحر الأحمر منذ حوالي القرن الأول إلى الثامن ميلادي.
فرومنتيوس جلب المسيحية، التي أصبحت الديانة الرسمية.
عام 1333 ميلاديا وفقا لأسطورة محلية، سافرت ملكة سبأ من أكسوم إلى القدس لزيارة الملك سليمان.
تقول الأسطورة إن ابنهما مينيليك الأول جلب تابوت العهد من القدس بعد زيارته لوالده هناك.
ليس مسموحا لأي شخص برؤية القوس في كنيسة “سيدتنا ماري من صهيون”.
يتعين على كل الكنائس الأرثوذوكسية أن تملك نسخة من القوس من أجل اعتمادها مكانا للعبادة.
آثار مدينة أكسون الأثرية جزء من التراث العالمي المعتمد من الأمم المتحدة

ويقول غوديفا إن المسيحيين والمسلمين يعيشون في سلام جنبا إلى جنب، مضيفا أن “أتباع الديانتين الإبراهيميتين لديهم سمات مشتركة كثيرة:.

أعز أصدقائه مسلم، كما يقول، ويلتقيان في الأعراس والمآتم ومناسبات أخرى.

‘ترانيم مسيحية فقط’

ويعتقد غوديفا أن مسلمين من أنحاء أخرى في إثيوبيا يقفون وراء حملة بناء الجامع. ويقول إن المسيحيين الأرثوذوكس لن يخالفوا تعهدهم لآبائهم وأجدادهم بالحفاظ على قداسة أكسوم.

“إذا حاول أحدهم بناء مسجد سنموت. لم يكن ذلك مسموحا به أبدا، ولن نسمح به في عصرنا.بالنسبة لنا هي مسألة حياة أو موت. يجب أن نحترم بعضنا البعض بالطريقة التي عشنا فيها على مدى قرون”، يقول غوديفا.

المسيحيون الأرثوذوكس تحديدا هم من يعتقدون أن الترانيم المسيحية وحدها يجب أن تسمع في المدينة.

ويوضح الواعظ المسيحي أمسالي سيبوه قائلا “الأديان التي لا تقبل ميلاد المسيح والتعميد والصلب والموت والبعث لا يسمح بوجودها في مكان وجود تابوت العهد”.

ورفض مسؤولون في إدارة المدينة التعليق باستثناء القول إن أتباع الديانتين يعيشون في وئام.

ويأمل الكثيرون أن تحذو القيادة السياسية الحالية وعلى رأسها رئيس الوزراء آبي أحمد حذو الإمبراطور هيلاسيلاسي برعاية اتفاقية للحفاظ على سمعة أكسوم كواحة للسلام.

من ناحيتهم يبدو المسلمون مصرين على مطلبهم. وقال مجلس مكون من مسلمين ذوي تأثير إنهم مصرون على إجراء نقاشات مع المسيحيين بهدف إقناعهم بالسماح ببناء مسجد في أكسوم.

ويقول محمد كاشي، الموظف في المجلس البلدي “يجب أن يتفق المسلمون والمسيحيون في المدينة على الموضوع، ونحن بحاجة لأن نرى مسيحيي المدينة يساعدون في بناء المسجد”.

bbc