رُوشتة المهدي .. العُبُور بالانتقالية
مُؤخّراً بدأ رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي يميل كثيراً للحديث عن (شرعيته المَسلوبة)! حتى نُسبت إليه الأقاويل عن شُرُوعه في استرداد هذه الشرعية وحَقِّه في رئاسة الوزراء التي يَظن بأنّها سُلبت منه إبان انقلاب الإنقاذ، ومع أنّه نفى هذا الاتجاه، وأعلن زهد حزبه عن المُشاركة في الحكومة الانتقالية القادمة، إلا أنّ (الحديث) قد يبدو رسولاً (للنوايا)، بيد أنّه دفع مُؤخّراً بروشتة ناصحة لخّص فيها قراءته للمُستقبل على ضَوء الحَاضر، ومهرها برئيس الوزراء المُنتخب لسنة (1986 – 1989م) فترة مُنتهية بوسيلة غير شرعية، وهذا ما يدفع بسؤالٍ مُحتمٍ هل بات الإمام الآن يقف موقف الزاهد الناصح؟ وقد أوصى بمنع اشتراك الأحزاب التي سَانَدَت النّظام السّابق في الفترة الانتقاليّة، أم أنّ الروشتة مُخَطّطٌ (بليل) لسبيل من يسلك مسلك المشارك أو من يُمهِّد لأولي القُربى إلى الحكومة الانتقالية، والبيِّنة على تفاعله داخل جسم قوى إعلان الحرية والتغيير الذي متوقع تشكيل الحكومة المدنية من داخله، والواقع أحياناً قد يُعرِّي الباطن… (الصيحة) قرأت ما بين السطور لمذكرة الإمام التي دفع بها لتكون الحل المُنتظر للتحديات المُحتملة التي قد تُواجه الحكومة في الفترة الانتقالية القادمة وإمكانية العبور فيها رغم محدودية الإمكانات.
محاذير
وقال الإمام: لسنا بصدد استبدال نظامٍ بنظامٍ فحسب، بل بصدد العُبُور التاريخي إلى مرحلةٍ جديدةٍ سوف يكون لها أبلغ الأثر في بناء الوطن، وسوف تؤذن بنهاية حكم الفرد وإقامة الحكم على رضاء الشعوب، وبقدر المنن سوف تكون المحن، وبقدر المزايا سَوف تكون البلايا وأبداً سوف يكون الغنم بالغرم.
وحَذّرَ من أنّ كُلِّ مُحاولة لتَطويع الشّعب للطُغيان فاشلةٌ، وقَالَ إنّ نُذُر الانقلاب المُضَاد بدأت فعلاً وذلك ما يُوجب دفع التزامات النجاح مَهمَا صَعبت لبناء وَطنَ المجد والصّلاح والفلاح والنجاح.
وعبّر المُحلِّل السِّياسي د. الحاج محمد خير عن تَحَفُّظه في نقطتين جاءتا في المذكرة، ولخّص رؤيته لـ(الصيحة) بأن الإمام حاول أن يعكس عبر خبراته الطويلة ويخلق خطاً واقعياً بين حماسة الشباب (الثوار)، وجذب الشيوخ (الأحزاب) الى قضايا الشباب، واعتبر أن طرحه اتّسم بالموضوعية والعقلانية، وشدد على محاذير التّطرُّف لأنّ الاحتجاجات السلمية في العادة تأخذ وقتاً طويلاً لإحداث تغيير بنيوي، خَاصّةً وأنّ التنازُلات ستكون ماثلةً لناحية تجنُّب الخسائر، وهنالك بلا شك قُوةُ ضَخمةٌ للدولة العميقة مازالت موجودة داخل الدولة، ويرى أن الإمام لديه خبرة ووسطية إسلامية تُؤهِّله لوضع الروشتة المُلائمة لتفكيك هذه الدولة.
روشتة عبور
ووضع الإمام روشتة عبور للفترة الانتقالية وحدّد شروطاً وهي، توحيد الموقف القيادي للكتلة الثورية، لا سيما وأن الفترة الانتقالية سوف تُواجه تحديات يُؤجِّجها ظهور قوى سياسية بصورة أكبر من حجمها الحقيقي، بجانب مُقاومة المجلس العسكري لأيِّ ضُغُوطٍ نحو الاستبداد بالرأي حسب قوله، واعتبر أنه لا معنى لتحديد الفترة الانتقالية بزمانٍ، بل بمهام، وحرصه مع الكتلة الثورية على وفاق مستمر وأن تشمل المدنية مشاريع أساسية تلتزم بها وهي اتفاق سلام عادل شامل تشترك فيه القوى المسلحة والكتلة الثورية، وإصلاح اقتصادي يُوصِّي به مُؤتمر اقتصادي قومي عاجل، ومشروع لتفكيك التمكين، ومكافحة الفساد، وكشف عن وضع حزبه ورقة يُرجى أن يدرسها الآخرون ويَعتمدونها بعد تعديلها على النحو الذي يُحقِّق اتفاقاً قومياً، ودعا للالتزام بمشروع تحول ديمقراطي.
نقاط الضعف
وقال د. الحاج إنّ الفترة الانتقالية وبناءً على روشتة الإمام وأيديولوجيته قد تحتاج لإدارة من سيادة (صفوية) حسب وجهة نظر الإمام وبحكم حزبيته المُنبثقة من إمامته، وهذا قد يُعتبر مُختلفاً عن التغيير الحديث الذي يغلب عليه الشباب وعَقليتهم المُنفتحة مِمّا يظهر الإشكالية في طَرح الإمام، ولأنّ بالضَرورة النظر الى إطار الديمقراطية الكُلية، وانتقد حديثه عن أنّ الفترة الانتقالية طويلة، وقال إنّ واحداً من مَشاكل السُّودان في الدِّيمقراطية تذهب حَسب الكُتل التّاريخيّة إما طائفيّة أو حِزبيّة وهذه يظهره كالمنحاز للتفكير الطائفي أو الحزبي، فيما أكّد اتّفاقه مع مُذكِّرة الإمام في الدعوة إلى عقلنة الصراع والتحلِّي بالصبر لإنقاذ البلاد.
وَلَعَلّ المهدي قد أشار بورقته إلى ثلاث نقاط ضعف قد تُؤثِّر سلباً على الحكم الانتقالي “وربما أعجزته”، حسب قوله، أولاً الخبراء المختارون، وأنّ في اختيارهم سيكون صوت أكبر حزب وأصغر حزب متساويين ما يجعل المقياس خالياً من أية وسيلة للترجيح، وثالثاً النسبة العالية للحُرية والتّغيير أوجبتها تَوَازُنات المَرحلة الحَاليّة، ولكن ستَكون مُعارضةً قويةً وشَرسةً لحكومة غير مُستعدةٍ لمُواجهة المِحنَة السِّياسيَّة، ففاقد الشيء لا يعطيه.
مطلوبات العبور
وأضَافَ المهدي في ورقة حول “المصير الوطني”، بأنّ المطلوب لتلافي هذه المثالب، السّعي الفَوري لتكوين الجِسم القيادي لقوى الحرية والتغيير، والتواضُع على ميثاق شَرف يلزم الجميع بمراعاة أُسس العمل الجبهوي، وأن تتبع ذلك مجهودات لبناء توافُق وطني، والتّقليل من الاستقطاب بين “قُوى والتّغيير” والآخرين، وأكد ضرورة عَمل قائمة مُكتملة لمُعارضي النظام المخلوع، وقال: “هؤلاء جميعاً ينبغي أن تطلق عليهم صفة الكتلة الثورية المنوط بها المُشاركة في المجلس التشريعي للفترة الانتقالية”.
وشدّد المهدي، على ضرورة توفُّر شروط لنجاح الحكومة المدنية في الفترة الانتقالية منها “توحيد الموقف القيادي للكتلة الثورية ومقاومة المجلس العسكري لأيِّ ضُغُوطٍ نحو الاستبداد بالرأي”.
روشتة للخارج
ونَادَى بعقد مؤتمر قومي للعلاقات الإقليمية والدولية، والاتّفاق على علاقاتٍ إقليميةٍ غير محورية، وعلاقاتٍ دوليةٍ مُتوازنة لصالح الوطن. وعَقد مُؤتمر قَومي دستوري يُشارك فيه الجميع، ثم تقوم الانتخابات العامّة الحُرة، ونوّه للحاجة إلى اتّباع المَجلس العسكري توازناً دقيقاً، والحَاجة كذلك للكُتلة الثّورية أن تتبع توازناً يُحافظ على علاقةٍ مُجديةٍ مع المجلس.
تقرير: نجدة بشارة
الخرطوم(صحيفة الصيحة)