رمضان .. مهما غيرت الحروف فالمعنى واحد!
أصل كلمة رمضان في اللغة العربية، والقائم على ثلاثي رمض، ومهما تغيّر ترتيب حروفه وتغيرت معه الكلمة، يظل المعنى واحداً، في جميع الأشكال، وجميعه يشير إما إلى نوع من الشدة، أو النار والحر، أو المكابدة والسقم. وهو من جماليات اللسان العربي الذي يمنح لنوعية من الحروف سياقاً دلالياً شبه موحّد، في عدد كبير من الكلمات، ومنها الرمض الذي جاء منها اسم الشهر الكريم، رمضان، شهر الصوم عند المسلمين.
فأصل رمضان، في رمضَ، والأخيرة يخرج منها بقلب الحروف وتبديل مواقعها، الكلمات التالية: رضَمَ، مضرَ، مرض، ضرم، ضمرَ، فتصبح الكلمات ستاً مع رمض. ومع تغيير وقلب مكان جميع الحروف، يظل المعنى في الشدّة أو ما هو من فئتها.
فأولاً، رمضَ التي منها جاءت كلمة (رمضان). فالرّمض هو شدّة وقع الشمس على الرمل وغيره، ويقال إنه حرّ الحجارة من شدة حرّ الشمس، ويقال هو الحرّ. والرمضاء اسم للأرض شديد الحرارة.
ثم اشتقت أفعال واستعارات، فالترمُّضُ هو صيد الظبي في وقت الهاجرة، يقول تاج العروس، ويشرح: وهو أن تتبعه حتى إذا تفسخت قوائمه من شدة الحر، أخذتَه. وإذا اشتدّ حر اليوم، يقال رمض يومنا. ورمضت قدماه، احترقتا من شدة الحر. والشمس رمضاء أيضا. وكان اسم رمضان في (اللغة القديمة) كما ينقل التاج، هو (ناتق): “فوافق ناتقٌ وهو اسم رمضان في اللغة القديمة، أيام زمن الحر والرمض، فسمّي به”.
رضمَ.. ثقل عدْوه
ويستمر معنى الشدة، في قلب رمض، في رضَم، ويقال: رضم الشيخ يرضم رضماً، (أي) ثقل عدْوه! وتقال للدابة أيضا. ورضم الرجلُ في بيته، سقط لا يبرحه ولا يخرج منه. ويقال للبناء المبني بالصخر، المرضوم. ورضم الشيءَ، فارتضم، كسره فانكسر. ويقال رضمان، لأي بعير ثقيل في سيره.
مضر.. مضَّرَها أهلكَها
ويتتابع معنى الشدة، بعد قلب حروف كلمة الرمض، في كلمة مضر، فمضرَ اللبنُ، حمض وابيضّ. ومنه اسم (مضر بن نزار) الذي يشير بعض واضعي أمهات العربية، إلى أن مضر سمّي بذلك الاسم “لولعه بشرب اللبن الماضِر” ينقل التاج عن ابن سيده.
وتأتي الشدة، في الميم والضاد والراء، صراحة، فيقال: تمضّر فلانٌ، أي تغضّب، ويشير التاج إلى أن تغضّب قد تكون تعصّب، بالعين والصاد لا الغين والضاد. وفي الحالين معنى الشدة، قائم. ويقال إن اسم (تماضر) للأنثى، من اللبن الماضر، أي شديد الحموضة.
ويتتابع معن الشدة في مضر، فمضَّرها تمضيراً، أهلكها. يقول التاج. ويرد في مقاييس اللغة لابن فارس، أن اللبن الماضر، شديد الحموضة، ويقال اشتقاق مضر منه. وتستعمل التمضّر كتعصب لمضر، لغة.
وتأتي كلمة مرض، كإحدى تشكيلات حروف الرمض متغيرة المواقع. والمرض بجميع معانيه الشائعة والقديمة والجديدة، يعني الشدة سواء على البدن أو على الروح أو على العقل، كما هو معروف.
ضرم.. حرارة والتهاب
ومن تشكيلات رمض، تأتي ضرمَ، والأخيرة مثال مكثف لمعنى الشدة، في أقصى دلالاته.
يقول ابن فارس في مقاييسه: ضرم، الضاد والراء والميم، أصل صحيح يدل على حرارة والتهاب. من ذلك الضرام من الحطب الذي يلتهب بسرعة. ويقول التاج، ضرمت الحرب، اشتعلت. والضِّرام يقال لدُقاق الحطب الذي يسرع اشتعال النار فيه. أوقدها فتضرّمت، التهبت. وضرم الرجل، احتدم من الجوع، أو اشتد جوعه، ينقل التاج عن الصحاح. ومن هنا يقال: ضرمَ عليه، إذا احتدم عليه غضباً.
ويقال للنار، ضرام. أمّا الضريم التي تلفظ كأمير، فتقال للشخص المحترق الأحشاء. وسبعٌ ضرمٌ، أي هائج.
ضمَرَ.. قد تكون من الهزال
ويظهر معنى الشدة، مجدداً، بعد إعادة ترتيب حروف رمض أصل رمضان، فتكون في ضَمَر، فالضُّمْر والضمُر، الهُزالُ ولَحاق البطن. في التاج. ويسمى العنب الذابلُ بالضمير، لضموره، فليس عنباً ولا زبيباً، ينقل التاج.
ويقال: أضمرت الأرضُ الرجلَ، إذا غيّبته إما بسفر أو موت. وقضيبٌ ضامرٌ، ذهب ماؤهُ. ويرد في مقاييس اللغة، أن لكلمة ضمر، أصلين، الأول يدل على دقة في الشيء، والثاني، يدل على غيبة وتستّر. ولذلك يقال ضمر الفَرس وغيره ضموراً، وذلك من خفة اللحم، “وقد يكون من الهُزال” يؤكد ابن فارس. أمّا الضمار، فهو المال الغائب الذي لا يرجى.
وبلفتة من صاحب المقاييس: “كل شيء غاب عنك، فلا تكون منه على ثقة، فهو ضِمارٌ”. مع الإشارة إلى أن كلمة “مضمار” التي تقال في الرياضة والتسابق، فهو في أصله يقال للمكان الذي “تضمَّر” فيه الخيل. وينقل التاج: ضمّر الخيل، علفَها، حتى تسمن، وذلك في أربعين يوماً، وهذه المدة تسمى المضمار.
ومن ضمر، يضمر وأضمر له وفي نفسه، وذلك في التحين والترصد إذا عزم فلانٌ على الإضرار والرد، بشيء أو إنسان. وتقال في الشرّ لأن يضمر له، تأتي بمعنى يخفي عنه ما يريد إيقاعه فيه، ولهذا يضمر، أي يستر ما يريد فعله متحيناً، ولوكان خيراً، لما أضمره.
يقول القاموس المحيط: أضمره، أخفاهُ. والضمار المالُ الذي لا يرجى رجوعه. ويقال الضمر، أي الضيّق.
هكذا رمض التي منها اسم شهر رمضان، تحمل معنى الشدة التي يفترضها شهر الصوم من مكابدة للجوع والعطش والتعب، وفي قلب جميع حروفها وإعادة تشكيلها، تظل حاملة معنى الشدة، حيناً، أو المكابدة حينا آخر، أو النار والسقم والانكسار، في مجمل حالات. إلا أن الشدة في رمض، تتنقّل في جميع حروف الكلمة، وفي جميع حالاتها، وهي من جماليات العربية التي أعطت لاجتماع حروف، دلالة موحدة أو شبه موحدة، بحيث أن قلب تلك الحروف، لا يخرج تلك الدلالة عن مسارها العام.
العربية نت