قصة موت (مُسن) اختناقاً بـ(البمبان) ..!!
العم هاشم حضرة – والذي كان يسكن شمبات الحلة- يمكن أن نطلق عليه أحد ضحايا الاحتجاجات التي تنتظم البلاد هذه الأيام، قطعاً لم يكن بمقدوره أن يحمل حجراً أو يحرص على حمل كمامة تحجب عنه البمبان، وذلك لسبب بسيط، هو، أنه رجل كبير في السن ومقعد تماماً بسبب جلطة جعلته لفترة من الزمن لا يستطيع الحركة، وظل طوال فترة الأربعة أشهر -عمر التظاهرات- على سرير المرض، ولم يكن يتوقّع أن القدر سيزفّه شهيداً تحت تأثير البمبان الذي اقتحم عليه غرفته، لكنها إرادة المولى التي هي فوق كل حسبان.. ففي ذلك اليوم الذي انتقل فيه إلى مثواه الأخير، كان (راقداً) على سريره وكانت بالساحة الخارجية أحداث حامية الوطيس بين المتظاهرين والعساكر الذين يرتدون زيّاً رسمياً، انتقلت الأحداث فجأة إلى باحة منزله ليصاب باختناق حاد بسبب الغاز المسيّل للدموع، لينتقل بعدها إلى رحاب الله.
(الإنتباهة)، سجلت زيارة لأسرة الراحل ورصدت كثير من التفاصيل يجدها القارئ بين السطور التالية :-
في حوار أجرته معه “الإنتباهة” أكد وزير الداخلية السيد بشارة جمعة أرور أن الشرطة تتعامل بمهنية ومسؤوليتها أن تحمي المواطنين وحتى المتظاهر نفسه، وبالتالي فهي تتعامل وفق القانون والضرورة الملحة بعدم انزلاق المجتمع لأشياء لا تحمد عقباها، وذهب أيضاً إلى أن هنالك أخطاء فردية قد تحدث من وقت لآخر، ولكن هنالك تقويم مستمر وتوجيه مستمر للشرطة أن تعمل في إطار مسؤولياتها، وأشار أرور في ذات الحوار إلى أن اقتحام أو تفتيش المنازل لا يتم إلا بموجب أمر من النيابة العامة..هذا جيد بالطبع.. انتهى حديث وزير الداخلية الذي أكد فيه على ضرورة عدم اقتحام المنازل وتفتيشها إلا بإذن النيابة، إلا أن هؤلاء العساكر اقتحموا منزل المرحوم هاشم حضرة وروّعوا بناته وأحفاده ومنعوهم منعاً تاماً من إسعافه حتى فارق الحياة، ويبقى السؤال المشروع: إلى أية جهة يتبع هؤلاء العساكر الذين يرتدون زيّاً رسمياً؟ هل هنالك عساكر آخرين لا يتبعون للشرطة ولا وزارة الداخلية وهم الذين يقومون بترويع الناس في مساكنهم،إذا ما آمنّا أن هنالك أوامر من الشرطة تمنع اقتحام البيوت وانتهاك حرماتها .
مشاهد
حينما دلفنا إلى منزل المرحوم هاشم حضرة، قمنا أولاً بأخذ واجب العزاء مع أسرته، حيث اتضح من خلال تدافع عدد كبير من ذوي المرحوم وحرصهم على إبداء رأيهم أن هنالك جرح عميق لا زال مفتوحاً، وأن دموع النساء التي ظلت تتقاطر طوال فترة جلوسنا معهم هي خير شاهد على ذلك الوجع، كما رصدنا بعض إصابات أحفاد الراحل واحد منهم أصيب بقدمه والآخر بظهره، بجانب مشاهدتنا لعبوات البمبان الفارغة وأقفالها الكثيرة وإحدى عصي العساكر الذي تركها بمنزل عمر حضرة .
أحداث مؤسفة
وزير الإسكان الأسبق عمر حضرة وعميد أسرة الحضراب وصف في إفادته لـ (الإنتباهة) الأحداث التي قتل فيها أخيه بالمؤسفة، وقال إن هاشم تمت إصابته وهو على سريره داخل منزله، مشيراً إلى انتهاك واضح للحرمات .
وقال أيضاً إن اقتحام العساكر والضباط لمنزله أثار الرعب بين النساء والأطفال، موضحاً أن العساكر حينما اقتحموا منزله في وقت سابق كانوا يبحثون عن ابنه أحمد والذي يقبع حالياً بسجن كوبر لأكثر من أربعة أشهر، وأضاف اقتحم العساكر شقة ابني أحمد فيما تفاجأت زوجته والتي كانت – بملابس البيت- بحضورهم مما أثار في نفسها الرعب، وقال إن شمبات تدور فيها معركة حامية الوطيس بين المتظاهرين وبين قوات الأمن، وتساءل: هل نحن في تكساس أم أين؟.
وقال: زمان كنا نرى فاطمة أحمد إبراهيم وقلة من النساء المناضلات، لكن اليوم توجد آلاف النساء والفتيات المناضلات. وانتقد أيضاً مسألة ما أسماها بتكميم الأفواه، موضحاً أن الرأي غير مكفول، خاصة وأن هنالك عدد من الشباب والشابات تتم محاكمتهم بالجلد والسجن، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق. ودعا عمر حضرة السيد الرئيس إلى عدم اعتماد التقارير المغلوطة التي تُكتب له، مشيراً إلى أن بعض المسؤولين غير صادقين وإنما يخشون فقط على مقاعدهم في السلطة، ولخّص بدوره مطالب المحتجين في إسقاط النظام والذي قال بأنه حكم البلاد ثلاثين عاماً وهي فترة كافية جداً، ووصف الوضع المعيشي الذي يعاني منه المواطن بالصعب، وقال إنه يحتاج إلى تدخل جراحي عاجل .مضيفاً : آلاف التاتشرات التي تجوب الولاية كان الأجدر والأولى أن توفّر قيمتها وتنفق في تحسين معاش الناس، وأكد أن قانون الطوارئ في العالم كله يُعمل به في حالة الحرب بخلاف ما يحدث بالداخل إذ عُمل لأجل (ضرب الأولاد) .
استنكار
وأكد حضرة مواصلاً حديثه أنه كان مسؤولاً عن التنظيم والاتصال في الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، إلا أن الأحداث الأخيرة جعلته ينتمي إلى التجمع الاتحادي المعارض. ويضيف : وفي سنة 1973م كنا نحتضن الأخوان والأصدقاء الحاكمين اليوم في منازلنا هذه، أنا وشقيقي حينما كان الأمن يبحث عنهم، وكانت لدي عربة يجتمعون بداخلها، فيما كان إبراهيم أحمد عمر الذي أجاز الطوارئ الحالية معي في سجن كوبر فكيف له أن يفعل ذلك !..
دموع ولكن
(الإنتباهة) استمعت إلى أسرة الراحل وكانت لحظات مؤثرة، فقد تمازجت دموع الحزن على رحيل عميد الأسرة مع دموع القهر والغبن :
إلهام هاشم عثمان حضرة ابنة المرحوم قالت (للإنتباهة) إنها كانت تصلّي أثناء اقتحام أفراد الأمن لمنزلهم وحينما أسرعت إلى مكان والدها وجدته يكاد يختنق من عبوات البمبان التي تم رميها داخل الصالة التي كان يجلس فيها، وأضافت أن أختها الصغرى هي التي خرجت ورأتهم يقذفون بالحجارة باحة المنزل . فيما جزمت (هيام) الابنة الأخرى للمرحوم بأن أحد العساكر ظل يضرب ببندقيته باب الشارع إلى أن فَتَلَهُ، ما دعاها إلى فتح الباب وطالبها العسكري بإخراج المتظاهرين في الوقت الذي لم يكن فيه واحداً منهم بالداخل، وكانت قد طلبت منهم عدم رمي البمبان قائلة لهم إن والدها مريض، وقالت إن العساكر منعوهم من إسعاف والدها إلى المستشفى لحظة اختناقه بالبمبان.
الحاجة (عشة) قالت العساكر قذفوا بيتها بالحجارة وحرقوا الصهريج واقتحموا البيت بعد كسرهم لباب الشارع ومن ثمّ ألقوا بالبمبان داخل بيتها. بعدها قالت إنها توسلت لهم حتى يتركوها أن تسعف والدها وهو مقعد بجلطة ولا يستطيع الحركة وتمت مطاردتهم بعد أن رفضوا لهم بالذهاب به للمستشفى . وتضيف : لم يكن وقتها معنا راجل وتمكنا بعد جهد من حمله ودخلنا به أحد بيوت الجيران، ومن ثم حملناه لمستشفى حاج الصافي لإسعافه لكنه توفى مجرد وصوله المستشفى.
أحد أحفاد المرحوم ذكر للصحيفة أنه لم يكن موجوداً أثناء إصابة جده وحينما رجع إلى البيت وحاول إسعافه تمت إصابته في ظهره هو الآخر بالبمبان .
حسناً..لعل ما يجمعنا كسودانيين سواء أكنا في صفوف الحكومة أو المعارضة، أو كنا مجرد مواطنين عاديين الأخلاق. ولعل ما يميز السودانيين في الخارج هو الأخلاق الحميدة.. ونجتمع كلنا في أفراحنا أو أتراحنا دون أن نفرق بين هو صاحب الفرح أو الترح فالكل إخوان.. ولكن هذا لا يمنع حدوث بعض التصرفات الفردية والتي لا تتوافق مع طبائعنا أو أخلاقنا وتحتاج على حسب قول وزير الداخلية بشارة جمعة في حواره مع الصحيفة لحسم ولتحقيق، فلا يوجد عاقل يعتقد أن يصدر توجيه رسمي بأن يحدث ما حدث لعمنا هاشم ولكن قضاء الله والتقصير و الخطأ والذي يحتاج لعقاب ولتحقيق .
تقرير : هادية قاسم المهدي
الخرطوم (صحيفة الإنتباهة)
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ )
صدق الله العظيم