جرائم وحوادث

“بدأت برنة وانتهت بجثة في أوضة نوم”.. حكاية 6 أشهر حرام بين “محمود” و”سها”

“ألو.. مين معايا؟.. الرقم غلط يافندم”.. مكالمة هاتفية عادية تبدلت معها حياة “محمود”.. المتصلة كررت المحاولة ثانية بحثت خلالها مد جسور التواصل بينهما دون سابق معرفة، صداقة امتدت لعلاقة عاطفية وتعاملات مالية ثم علاقة جنسية انتهت بجريمة قتل أثارت دهشة سكان قرية بسيطة بمركز أوسيم شمال محافظة الجيزة.

كغيرها من الفتيات، حلمت “سها” بيوم زفافها مرتدية الفستان الأبيض في حفل بهيج بحضور الأهل والأحباب، ومن ثم الاستقرار في عش الزوجية وتكوين أسرة يسودها الحب والتفاهم. تحقق الجزء الأول من الحُلم، ورُزقت بطفل بات شغلها الشاغل إلى أن جاء النصف الثاني من الرواية بما لا تشتهيه العروس؛ وصل قطار الزوجية محطته الأخيرة بعد تفاقم المشكلات.

عادت ذات الـ25 ربيعًا للعيش في كنف والدتها بهمومٍ أثقلت كاهلها.. تدور أسئلة في رأسها حول مستقبلها والرضيع الذي أتم عامه الأول للتو، لم تكد تهنأ بعقد قرانها الذي ظنت أنه رباط العمر ولن تنقطع أوصاله مهما حدث، إلا أن حصولها على لقب “مطلقة” كان الحقيقة التي أفاقت منها على الكابوس، وبات جُل همها ملء أوقات الفراغ التي أضحت عنوان حياتها بعد الطلاق.

ذات ليلة داخل مسكنها بمنطقة البراجيل أمسكت “سها” هاتفها المحمول، ضغطت على زر الاتصال برقم مجهول- لا تعرف هوية صاحبه- ولدى الرد “الرقم غلط” أسرعت بالاعتذار وإغلاق الخط، قبل أن تجدد اتصالها لكن هذه المرة؛ بهدف مد جسور التواصل بينها وبين ذلك الشخص.

مكالمة تلو أخرى وطدت علاقة “سها” مع “محمود” الذي يصغرها بعامين، تعددت اتصالاتهما في الصباح والمساء، تطرقا خلالها الصديقان إلى شؤون الحياة، دون خطوط حمراء حتى تطورت العلاقة إلى أخرى ذات طابع عاطفي بمشاعر جياشة، رغم معرفتها أن محبوبها عامل بسيط تنحدر أصوله إلى محافظة سوهاج.

على مدار نحو 6 أشهر، كان الشاب الصعيدي يحضر إلى القاهرة للقاء محبوبته حتى تعددت لقاءاتهما الغرامية على فترات، إلا أن العشيقة وضعت سيناريو مخالفًا للقاء مرتقب، فطلبت من “محمود” الذهاب معها إلى منزلها والمبيت رفقتها تزامنا مع عدم تواجد والدتها، ولاقى الطرح قبول الشاب.

استقل “محمود” قطار الصعيد قاصدًا قاهرة المعز، حيث كانت “سها” في انتظاره، وقاما بجولة ترفيهية توجها بعدها إلى شقتها، وبات العشيقان في غرفة واحدة لمدة يومين متتاليين في غفلة من الأم التي كانت تخرج لقضاء احتياجات المنزل، تعود منهكة تبحث عن أخذ قسط من الراحة في غرفتها التي تجاور أربعة جدران تؤوي العشيقين.

السابعة صباح الأربعاء الماضي، استيقظت الأم على صوت بكاء حفيدها، أسرعت إلى غرفة ابنتها لتوبيخها على عدم اعتنائها برضيعها، لكن مفاجأة غير سارة كانت في انتظارها، الطفل على السرير وإلى جواره والدته جثة هامدة مُسجاه على وجهها تسيل دماء من فمها لتتسمر في موضعها فاقدت القدرة على الحركة للحظات أطلقت، بعدها صرخات استغاثة بالجيران.

حضر قاطنو العقار للوقوف على ما يدور في شقة والدة سها، ومع اكتشاف وفاة الابنة، اتصل أحدهم بمفتش الصحة الذي حضر سريعا لتوقيع الكشف الطبي على الجثة وإصدار تصريح الدفن، لكن الجميع كان على موعد مع مفاجأة صادمة لدى ثبوت وجود آثار كدمات وخنق بالرقبة ليؤكد المفتش “مش هصرح بالدفن.. لازم نبلغ القسم”.

الثامنة صباحا، لم يكن المقدم محمود بسيوني، نائب مأمور قسم أوسيم، قد غادر مكتبه منذ ليلة البارحة- تحديدا بعد حادث إطلاق النار العشوائي الذي راح ضحيته 11 شخصا بين قتيل ومصاب- يطمئن على إتمام دفن جثامين القتلى واستقرار الحالة الأمنية قبل أن يتلقى إشارة من شرطة النجدة بالعثور على جثة سيدة مخنوقة بغرفتها.

انتقلت قوة أمنية إلى محل البلاغ، وعاين رجال الشرطة مسرح الجريمة وتبين عدم وجود كسر في المنافذ، وتم نقل الجثة إلى المشرحة تحت تصرف النيابة ليوجه اللواء محمد عبدالتواب نائب مدير مباحث الجيزة بسرعة حل “الجريمة اللغز”.

على بعد خطوات من كوبري الجلاء الواصل بين محافظتي القاهرة والجيزة، جلس العميد عمرو طلعت، رئيس مباحث قطاع الشمال يبحث ملابسات الجريمة لشكيل فريق بحث بقيادة العقيد محمد عرفان، مفتش القطاع بمشاركة ضباط مباحث أوسيم.

منذ اللحظة الأولى التي وطتت فيها قدم المقدم أمثل حرحش، وكيل فرقة الشمال مسرح الجريمة، راوده شك بأن الجاني ليس غريبا مسترجعًا جملة والدة الضحية: “بنتي كانت لابسة حلق” ليكثف تحرياته حول علاقات المجني عليها، وتفريغ كاميرات المراقبة القريبة من العقار محل الواقعة وصولا لمشاهدات لشخص غريب يغادر العقار في عجلة من أمره تزامنا مع اكتشاف الجريمة.

48 ساعة من أعمال البحث والتحري قادت المقدم أمثل حرحش لكشف غموض الجريمة، تبين أن المشتبه به الرئيسي مبيض محارة يدعى “محمود. ج” على علاقة غير شرعية بالضحية، وهروبه إلى مسقط رأسه بمركز طهطا في محافظة سوهاج، حيث جرى ضبطه بالتنسيق مع قطاع الأمن العام وأمن سوهاج، وترحيله إلى الجيزة.

“يا بيه كانت بتساومني على فلوسي مقابل الجنس”.. بهذه الكلمات بدأ المتهم اعترافاته التفصيلية، لافتا إلى أنه مارس الرذيلة مع “سها” داخل غرفتها في غفلة من والدتها واستغلال صغر عمر طفلها، مشيرا إلى أنه تظاهر بنومه وتنامى إلى مسامعه حديث “سها” مع شخص غريب على مدار يومين.

يتنهد الشاب محاولا استيعاب ما آلت إليه الأمور، ليكمل حديثه مؤكدا أنه في صباح اليوم الثالث ارتدى ملابسه في طريق عودته إلى بلدته، حيث حرص على مواجهتها بالحقيقة: “عيب اللي بتعمليه على الأقل احترميني” فكان ردها حادا: “حاجة ماتخصكش.. إنت مالكش حكم عليا”.

مشادة كلامية وقعت بين العشيقين، طالب خلالها “محمود” العشيقة برد مبلغ 4 آلاف جنيه اقترضتها منه في وقت سابق، فجاء ردها: “مالكش حاجة عندي.. وحاول تثبت إن ليك حق” فاستشاط الشاب العشريني غضبا، وخطف هاتفها المحمول محاولا انتزاع قرطها الذي يزين أذنيها، فقاومته ليقرر التخلص منها خوفا من افتضاح أمره، فخنقها بكلتا يديه، وفر هاربًا إلى مسقط رأسه “مرة واحدة لقيت الحكومة في البيت”.

وسط حراسة أمنية مشددة، اصطحبت قوة من قسم شرطة أوسيم المتهم لتمثيل جريمته بالصوت والصورة في حضور فريق من النيابة العامة وسط صراخ الأم المكلومة محتضنة حفيدها محاولة استجماع قواها التي خارت، ثم ترحيله إلى محبسه انتظارا لإحالته إلى المحاكمة الجنائية العاجلة.

مصراوي