في الذكرى 15 لاستشهاده.. غزة تفتقد “كاريزما” الشيخ أحمد ياسين
في تلك الغرفة المتواضعة التي تزدحم جدرانها بصور الشهداء والأحياء، وتلتف داخلها مقاعد قش بلا جلوس، كانت قبل أكثر من (15 عاما) تضج على مدار الساعة بنقاشات سياسية وعسكرية ودينية وأحاديث سمر ليلية هادئة؛ يقودها الشيخ المقعد أحمد ياسين.
وفي الذكرى 15 لاستشهاده، يفتقد الفلسطينيون في قطاع غزة الشيخ ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الذي طالما كان شخصية محورية على الساحة الفلسطينية ورمزا للشعب الفلسطيني.
واغتالت طائرات الاحتلال الإسرائيلي في 22 مارس/آذار 2004 الشيخ أحمد ياسين، بعد استهدافه بعدة صواريخ عندما كان عائدا من صلاة الفجر في مسجد قريب من منزله في حي الصبرة (جنوب مدينة غزة).
متحف ومقتنيات
وتحول منزل الشيخ ياسين -الذي كان في يوم ما يشبه خلية النحل وغرفة عمليات لبحث كل ما يواجه الشعب الفلسطيني- إلى متحف لمقتنيات الشيخ التي لا تزيد على سرير وخزانة ومقعد متحرك وبعض الملابس وكثير من الملفات والكتب.
مدخل المنزل المسقوف بألواح “الأسبستوس” كتب عليه “صرح الشيخ الشهيد أحمد ياسين”، وبمجرد الدخول إلى ذلك الصرح فلن يحتاج الزائر إلا لخمس دقائق ليتجول في جميع غرفه التي لم يتغير من معالمها شيء.
الغرفة الأولى التي كان يعقد فيها اجتماعاته وجلساته ما تزال على حالها، ويتوسطها كرسيه المتحرك، ويلتف حوله غطاء رأسه الصوف الذي كان يرتديه عندما استشهد.
وتنتهي تلك الغرفة بممر ضيق يقود إلى غرفة نوم تنتصب في زاويتها راية حماس وتضم خزانة ومرآة وسريرا إلى جانبه حامل مصحف حديدي وضع عليه “قرآن” كان الشيخ يرتل آياته عندما يعود من صلاة الفجر.
ويضم منزل الشيخ ياسين المتواضع غرفة أخرى كانت بناته الثماني وأبناؤه الثلاثة ينامون فيها قبل أن يتزوجوا، وأعلى هذه الغرفة بنى زعيم حركة حماس قبل أن يستشهد بسنوات قليلة مكتبة تضم عشرات الكتب الدينية والتاريخية وملفات لقوائم طلبات مساعدات إنسانية، وقضايا اجتماعية وسياسية كانت محط اهتمام الشيخ.
وبينما ينفض الغبار عن بعض الملفات، يقول حفيد الشيخ ياسين، عبد السلام الزايغ (32 عاما) للجزيرة نت “كنت دائما أرافق جدي وأحب الجلوس معه والاستماع إليه”.
“جدي لم يتردد يوما في تقديم المساعدة لكل من يطلبها، هذه قوائم لعائلات فقيرة كان يجمع المساعدات ويقدمها لها بشكل دوري، وهناك قائمة لطلاب جامعيين كان الشيخ يشرف على نفقات تعليمهم، وإلى جانبها سجل لمرضى طالما عمل جدي على تقديم المساعدة المالية لهم”، كما يقول عبد السلام.
ويقول الحفيد الأكبر للشيخ ياسين، وهو ابن ابنته “عائدة”، “لا أفتقد شيئا في هذه الدنيا كما أفتقد جدي، كان دائما يحثنا على الدراسة وحفظ القرآن الكريم ويحضر لنا الكتب الدينية والتاريخية والقصص”.
ويضيف “كان كل ما يشغل باله أن يكون جيلنا متعلما ومثقفا وواعيا بما يكفي ليستطيع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي”.
لم تكن السياسة ومقاومة الاحتلال كل ما يشغل الشيخ ياسين، فقد كان شخصية مجتمعية محورية يلجأ إليه الجميع ليحل مشاكلهم، كما يقول زوج ابنته “عائدة”، محمد الزايغ (67 عاما) للجزيرة نت.
وما زال يذكر “الزايغ” كيف كان يلجأ إليه جيرانه وأبناء منطقته ليقضي بينهم في مشاكل اجتماعية معقدة وينجح في حلها.
ويقول الزايغ، الذي لم يفارقه للحظة في آخر أسبوع من حياته كونه كان ممرضا له: “لم يبخل الشيخ ياسين في يوم على أحد يطلب منه المساعدة، وفي إحدى المرات جاءت إليه امرأة عجوز تريد مساعدة مالية لابن لها يريد السفر للعلاج، وحينها أعطاها مئة دولار وكانت كل ما يملكه من نقود”.
“نحن وجميع الفلسطينيين نفتقد الشيخ ياسين في مثل هذه الظروف الصعبة التي نعيش فيها؛ فقد كان بعلاقاته الجيدة واحترام جميع الأطراف السياسية الفلسطينية والعربية له يستطيع حل أي مشكلة”، حسب ما يقوله زوج ابنته.
ولم تكن الهموم التي تحمّلها الشيخ ياسين في حياته تأتي على حساب بناته الثماني؛ فقد كان يزورهم في بيوتهم، ويستمتع بقضاء ليالي سمر هادئة بصحبتهم، لا تخلو من الضحك والمزاح، كما تقول ابنته فاطمة (أربعون عاما).
وتقول فاطمة للجزيرة نت “بعد 15 عاما على استشهاد أبي ما زلت أذكر ضحكاته وابتسامته الجميلة التي كان يستقبلني فيها دائما، كم أشتاق له، وكم نحن نحتاجه في مثل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها”.
وتكمل “عندما كان أبي يسمع أن أحد أحفاده مريض لا يتوقف عن السؤال عنه واستعجال علاجه حتى يشفى، وكان يحث أبنائي وأبناء شقيقاتي وأشقائي على الدراسة، ويقدم الهدايا لهم عندما يحفظون شيئا من القرآن”.
ولا تنسى فاطمة كيف كان والدها الشيخ ياسين حريصا على الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويحث جميع المسؤولين في حركة حماس على ذلك، لأنه كان يعتقد أن تفكك النسيج الفلسطيني سيكون فرصة للاحتلال الإسرائيلي للإمعان في جرائمه ضد الفلسطينيين
الجزيرة