ضياء الدين بلال: (في خشمو جراداي)!!
-1- لا أعرف سبب دهشة الكثيرين من تصريحات بعض حلفاء المؤتمر الوطني، الذين انقلبوا عليه بعد أن فُرْض عليهم مُغادرة السلطة حين بغتة!!
دعكم من الحلفاء الراشدين على وصف الرائع الجميل (م. م. خير)، فكثيرٌ من أعضاء وقيادات الوطني، حينما يجدون أنفسهم خارج السّلطة ينقلبون بين عشية وضحاها على حزبهم وحكومتهم، كأنهم لم يكونوا فيها بالأمس القريب!
للأسف، هي حالة سودانية شائعة. أهمُّ مواصفات السياسي في السودان هذه الخفة في الانتقال من موقف إلى نقيضه، ومن مائدة إلى أُخرى، دون أن يغسل يديه، وفي الغالب لا يجد السياسي نفسه مُضطراً لإيجاد تبريرات تحفظ ماء وجهه، دعك من الاعتذار والأسف !
-2-
قبل عامين، اطَّلعت على عنوان في إحدى الصحف: (الوطني: إقالة البعض من مناصبهم تدفعهم لـ”سبِّ” الحزب).
التصريح كان منسوباً لرئيس دائرة الولايات الوسطى بالمؤتمر الوطني، صلاح علي آدم، خلال مُخاطبته المؤتمرَ التنشيطيَّ لحزبه بمحلية الحصاحيصا.
ذكر آدم أن إقالة بعضٍ من منسوبي المؤتمر الوطني من مناصبهم، تدفعهم لـ”سبِّ” الحزب، وأضاف: (الزول كان شالوهو من منصب بقى يقول ملعون أبوك يا حزب)!
لو أن صحفياً مُجتهداً قضى ساعاتٍ بدار الوثائق يرصد تصريحات عدد من السياسيين، عبر الحقب الزمنية والتقلُّبات السياسية؛ لوفَّرَ مادة مسلية للبعض ومثيرة للغثيان لدى آخرين.
كتبتُ استراحة قبل سنوات بأخيرة العزيزة (الرأي العام)، تحت عنوان (مصر مسرح كبير)، لم يعجب العنوان الأستاذة الفاضلة أسماء الحسيني، فقالت لي بطريقتها المصرية الساخرة: (أمال السودان إيه يا ضياء؟ سيرك؟!).
ضحكت ولم أُعقِّب.
-3
ولأهل دارفور مقدرةٌ بارعةٌ في صياغة الحِكَم والأمثال، حيث تُمثِّلُ مستودعَ خبرتهم وتجاربهم في الحياة.
قرأتُ قبلَ فترةٍ كُتيِّباً صغيراً عن الأمثال الدارفورية، كُنتُ بين كُلِّ مَثلٍ وآخر أجدُ نفسي مُنخرطاً في نوبة ضحكٍ تنتهي إلى تأمُّل وتفكُّر في طبيعة التجارب التي تلاقحت في المُخيِّلة الشعبيَّة الدارفورية، لتُنتج هذا المثل الطريف أو تلك الحكمة الباهرة.
الصديق العزيز أستاذنا عبد الله آدم خاطر، له قصصٌ ومرْوِيَّاتٌ شيِّقةٌ عن الثقافة الشعبيَّة الدارفوريَّة، وشرح مُكوِّنات البيئة التي تُنتِجُ الأمثال والحِكَم.
من الأمثال ذات الدلالة السَّاطعة، المثلُ الدارفوريُّ (سُلطة للسَّاق ولا مال للخنَّاق)، وهو مثلٌ يُجسِّدُ أهميَّة ومركزيَّة السلطة في المُجتمعات التقليديَّة، فهي مصدرٌ للقوة والنفوذ والوجاهة الاجتماعية، ومدخل للثروة والمال.
-4-
ومن الأمثال الدارفوريَّة البليغة: (دبيب في خشمو جراداي ما بعضِّي).
بلاغةُ المثل تشرح أن الثُّعبان الذي في فمه جرادة وهي تُمثِّل وجبةً شهيةً، لن تكون له رغبةٌ في اللدغ والأذى، فما في فمه يكفيه ويُغنيه ويُلهيه عن أي شيء آخر.
كذلك المسؤول المُتنعِّم بالامتيازات والنثريات، يكون في حالة رضا وقناعة لذا تجده يذود عن الحزب أو الحكومة بكُلِّ قُوَّة وجسارة طالما هو داخل الغرف الباردة.
وما أن يخرج للرمضاء وتسقط جرادة السُّلطة أو تُنتَزع من فمه، حتى يشرع المسؤولُ في العضِّ والنقدِ والتجريحِ والقذف بالحجارة، ليس انتقاماً لنفسه ولكن محاولةً منه للَفْتِ انتباه مُتَّخِذِ القرار حتى يُلقي على المسؤول السابق جرادة أُخرى تكفُّ أذاه وتُلجِمُ لسانَه عن العُنف والعدوان.
-5-
ما يُزعِجُ الرأي العام السوداني، أن التعيينات الحكوميَّة المُتوسِّعة في منهج التسويات على شرائح الكعكة والعصائر الباردة، تظلُّ ذات كُلفةٍ ماليَّةٍ عاليةٍ على خزانة الدولة، المُنهَكة أصلاً بشُحِّ الموارد.
في هذه التسويات تتقدَّم الولاءات على اعتبارات ومقياس الكفاءة.
ميْلُ كُلِّ الحكومات المُتعاقبة لترضية النُّخب السياسيَّة والقبليَّة على حساب رضا الشعب، تسبَّبَ في تكريس الفشل واستدامة العجز وسيطرة سماسرة السياسة.
في عهد الحكومة الحاليَّة اتَّسعت مساحة الترضيات، فأصبح الكثيرون يتوسَّلون للحكم والاستوزار، إما عبر التمرُّد المُسلَّح أو الابتزاز القَبَليِّ أو إثارة الشَّغب الحزبي إلى الوصول لمرحلة السب: (منعول أبوك يا حزب).
ضياء الدين بلال
تاتمل اعلاه كأنه فصل وعمل خصيصا لك انت ايها المتسول… تفوووووو علي خلقتك يا كريه
المثل أعلاه صمم خصيصا لاشباهك وامثالك من السابلة والمتسولة الذين تشردوا جوعا فارتضوا الركوع لمحمد عطا والفنقسة