مُوظَّفون (يسرقون) زمن الدولة باسم الدين.. متى تدُقُّ ساعة العمل؟؟!!
يكاد الناس يُجمعون أنَّ أبسط معاملة في دواوين الدولة ربما تستغرق من الزمن عشرة أضعاف وقتها الأصلي إذا كان دولاب العمل يسير بشكلٍ مناسب، لكن عبارات (الشبكة طشَّت) و(الموظف عندو وفاة) و(الجماعة ديل مشو الفطور) وغير ذلك من الأعذار الجاهزة؛ كانت هي القشة التي تقصم ظهر كل خدمة يريدها المواطن من مؤسسات الدولة.. وهكذا مضت (الأمور) حتى (فجَّرها) وزير العمل بحر إدريس أبو قردة؛ داوية حين أكدَّ أن ثمَّة موظفين بالمؤسسات الحكومية (يتحجَّجون) بالصلاة لسرقة زمن الدولة باسم الدين، هذا خلاف المُنشغلين بـ(الواتساب) أثناء ساعات العمل.
(الحصة فطور)
“محمد” موظف بمؤسسة حكومية ذات علاقة بالدين، قال لـ(السوداني) بحُكم انتمائنا لهذه المؤسسة ينبغي أن يكون ديدن كل العاملين فيها حديث رسولنا الكريم (من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل).. لكن الواقع أن عدداً من الموظفين هنا، كحال بقية أقرانهم ببعض المؤسسات الحكومية يهدرون وقت العمل في (الفاضي) حيث يبدؤون يومهم باحتساء شاي وقهوة الصباح داخل المكاتب، ولا تمُر سوى ساعتين إلا ويدخلون في (حصة) الفطور ومنهم من يتناولون هذه الوجبة خارج المؤسسة، أما (الحريصون) فيأكون بالمكاتب بـ(الصينية) في مشاهد لا علاقة لها بالخدمة المدنية ودواوين الدولة لكنها واقع يُمارس بشكل يومي، وما أن تأتي صلاة الظهر حيث لا تخلو مؤسسة حكومية من مسجد، لا يكتفي الموظفون بأداء الفريضة؟ ليتهم فعلوا ذلك؛ لكن البعض منهم يحرص على حضور المحاضرات التي تعقب الصلاة في الغالب ويعتبر ذلك من أكبر العوائق التى تسهم في ضياع وقت العمل.
“محمد” قال إنه عمل بعدد من المؤسسات الخاصة، قبل التحاقه بوظيفته الحالية، ولاحظ أنه لا يوجد بها ضياع للوقت ربما يوجد بنسبة (10%) مقارنة بالمؤسسات الحكومية التي تهدر اغلب أوقات العمل. وذكر أن معظم موظفي الدولة يبررون ضياع وقت العمل بضعف المرتبات (نشتغل على حسب المرتب)، مؤكداً أن هذا فهم خاطئ جداً لأن أي موظف يهدر الزمن فهو مسؤول أمام الله من الأجر الذي أخذه مقابله. وأشار إلى أن غياب الرقابة في المؤسسات الحكومية هو السبب في تسكع الموظفين.
انتقال العدوى..!!
من ناحيتها قالت “سلوى” – موظفة بمؤسسة حكومية اتحادية تقع بشرق الخرطوم- إنها في بداية التحاقها بالوظيفة كانت نشطة جداً وتقوم بكل مهامها الإدارية، ولكنها بمرور الوقت أصبحت تتسكع في عملها، مشيرةً إلى أنها تأثرت بالموظفين الآخرين الذين يتصف أغلبهم بالتسكع وضياع الوقت، وقالت لـ(السوداني) إنه ومنذ دخولها المكتب الساعة الـ(8) صباحاً تقوم باحتساء شاي الصباح برفقة زميلاتها مع (الونسة) بكل التفاصيل التي حدثت بعد فراقهن أمس، وبعد الانتهاء من هذا البرنامج الثابت يبدأ العمل عند التاسعة، ثم يذهبن لتناول الفطور الساعة (10) بمطعم قريب من المؤسسة ويرجعن إلى مباشرة عملهن عند الساعة (12) ظهراً ثم العودة لمواصلة العمل حتى نهاية الدوام، وما تبقى من عمل نتركه للغد، وقالت إن أغلب الموظفين يضيعون الزمن في لا شيء، خصوصاً الرجال فأغلبهم يقضون يوم عملهم بين الفطور والصلاة، مبررة عدم اجتهادهم في العمل بأن المسؤولين الكبار يهدرون زمن العمل نتيجة لغياب الرقابة اللصيقة والعقوبات الرادعة.
مقارنة بين قطاعين
وبرَّر المهندس معز حسين الذي يعمل بالقطاع الخاص في مؤسسة كبيرة، إهدار وقت العمل في أغلب مؤسسات الدولة لضعف الرواتب والأجور، وقال لـ(السوداني) إذا كان المرتب عالياً لكل موظفي القطاع الحكومي من قمة الهرم الوظيفي وحتى صغار العمال فسيكون ذلك بمثابة حافز لهم ليقضوا كل ساعات العمل في إنجاز عملهم، لكن الحاصل الآن أن المرتبات ضعيفة جداً وقد ازداد الطين بلة بالتضخم الذي ضرب اقتصاد البلاد، فدخل الجميع بمن فيهم العاملون بالقطاع العام، في حالة (تكلُّس) واحباط جعلت الكثيرين لا يخلصون في عملهم. وقد ازدادت الفوضى بأغلب مؤسسات القطاع العام نسبة لعدم وجود الرقابة وضعف أقسام الموارد البشرية بالمؤسسات وغياب التأهيل والدورات التدريبية وتحسين بيئة العمل، وكذلك ضعف اللوائح المنظِّمة للعمل، وأشار المهندس معز إلى أن الأمر يختلف تماماً في مؤسسات القطاع الخاص حيث يتم التشدد مع العاملين في كل كبيرة وصغيرة، مؤكداً أنهم داخل مؤسستهم يتناولون الفطور (سندوتشات) أثناء (دوران) العمل، وقال: (طبعاً الصلاة ما ممنوعة لكن ممنوع تضيِّع فيها الزمن كلو كما حاصل في كثير من دواوين الحكومة)، مؤكداً وجود كاميرات مراقبة داخل المؤسسة ترصد كل ما يدور داخلها.
نظرة إدارية
ولمناقشة الموضوع من زاوية إدارية، طرحنا عدة أسئلة على خبير التخطيط الاستراتيجي د. عثمان إبرهيم الأغا فأرجع إهدار وقت العمل بالمؤسسات الحكومية لعدم المتابعة الإدارية الصحيحة في المقام الأول، وأشار في حديثه لـ(السوداني) إلى أنه لو كان هنالك نظام إداري صحيح ومتابعة دقيقة وتحديد للمسؤولية بشكل واضح لما حدث هذا التسيُّب، وبالتالي في المسؤولية والمُساءلة تحدث الفوضى، ولا يستطيع الموظف أو العامل أن يؤدي مهامه، منوهاً إلى أن مقابل المسؤوليات المطلوبة ينبغي توفير صلاحيات كافية للمسؤول. ويمضي الأغا قائلاً إن الجهد العملي إذا لم يجد مقابلاً مادياً مناسباً فمن المؤكد أن الأداء سينخفض لدرجة تجعله يوازي القدر المادي، لأن عدم الحوافز وغياب المكافآت المعنوية من شكر وتقدير وغياب الدورات التدريبية بالمؤسسات الحكومية يجعل العاملين بالقطاع الحكومي يؤدون عملهم بطريقة أقرب إلى (عدِّي من وَشَّك) فقط.
نقد حكومي لاذع..!!
ويبدو أن وزير العمل بحر إدريس أبوقردة قد وضع النقاط على الحروف بالورشة التي أقيمت قبل يومين بالولاية الشمالية (مروي) حين قال إنَّ موظفين بالمؤسسات الحكومية (يتحججون) بالصلاة لسرقة زمن الدولة باسم الدين، وأن بعض العاملين بالقطاع العام ينشغلون بـ (الوتساب). وفي ذات درب الانتقاد اللاذع مضى والي الشمالية ياسر يوسف حين صوَّب انتقادات حادة للخدمة المدنية، وقال إنها بحاجة إلى معالجات جوهرية عميقة. وشدَّد أن الموظف العام ينبغي عليه أن يعي أنه خادم لطالبي الخدمة من الجمهور وليس ممتناً عليهم، ورهن في الاتجاه نفسه تجاوز الصعوبات والعقبات الاقتصادية بإصلاحات عاجلة للخدمة المدنية.
لماذا الآن فقط؟؟
من جانبه قال الداعية محمد هاشم الحكيم لـ(السوداني) إن الإسلام يعتبر التكاليف أولويات فالصلاة عماد الدين ولا يحق لإنسان في الإسلام قطع الصلاة فهي أحبّ الأعمال إلى الله وعلى أرجح الأقوال الصلاة بالمسجد واجبة ، وكذلك صلاة الجماعة واجبة وهي أولى الأولويات، لكن هذا لا يمنع من التأكيد على أن العمل عبادة والوفاء بالالتزام بوقته واجب، وشدَّد الحكيم على أنه إذا تعارض العمل مع الصلاة فالأولوية للصلاة بلا شك، إلا إذا كانت هنالك ضرورات مثل الحراس والقوات النظامية والأطباء أثناء العمليات، ومما يُحمد له أن المؤسسات الحكومية امتلأت بالمساجد وإذا حان وقت الصلاة يسرع المصلون إلى المساجد، لكن ينبغي أن لا يكون ذلك سبباً لضياع الوقت وتعطيل مصالح العباد فإذا أدى الموظف اأو العامل صلاة (الفريضة) فيجب أن يعود سريعاً إلى عمله ولا ينشغل ببقية النوافل إذا كان العمل يتأثر بغيابه لأن العمل هنا أولى من النافلة وأولى من حلقة القرآن داخل المسجد، وأولى من الدرس، فتعطيل مصالح الناس ضرره أكبر من أداء النوافل والدروس.
وتساءل الداعية محمد الحكيم عن المغذى من فتح الموضوع في هذه الأيام بالتحديد وكأن وزارة العمل انتبهت أمس فقط بكل ما حاق بدولاب العمل في مؤسسات الدولة من تردٍّ وتدهور وإهدار للوقت بلا عمل.. وفي خاتمة حديثه قال محمد هاشم الحكيم: نتمنَّى أن تنتبه الحكومة إلى الوقت الغالي جداً الذي يضيِّعه الموظفون والعمال وكل الشعب، بالأيام وليس الساعات لهثاً وراء المرتبات و(الكاش)!!!!.
يوجد قانون ولكن….
من ناحيته قال لـ(السوداني) موظف بوزارة العمل – فضَّل حجب اسمه- إنَّ حديث وزير العمل والإصلاح الإداري إدريس أبوقردة أتى ضمن ورشة عن إصلاح الفرد العامل في مؤسسات الدولة، والورشة تقوم في محورين إصلاح الفرد وإصلاح المؤسسات، منوهاً أن للفرد سلوكاً سلبياً متمثل في هدر الزمن والفرد وعندما يهدر زمنه فبالتأكيد سيهدر زمن الآخرين، ويُهدر المال العام بالنسبة لطالبي الخدمة، وقال إن معظم الموظفين بعد انتهاء الصلاة يجلسون لساعات في المساجد، ومن المفترض أن يذهبوا مباشرة إلى عملهم لأن العمل عبادة أيضاً، إذا كانوا يتحدثون باسم الدين، وهذا من السلوك الذي يجب تغييره لدى الفرد العامل بمؤسسات الدولة، لأنَّ قضاء حوائج الناس هي أيضاً عبادة، ومضى المصدر قائلاً إن هنالك قانوناً في الخدمة المدنية وهو قانون (محاسبة العاملين) ويحاكم العاملين عن الغياب في العمل والتقصير والإهمال في العمل، منوِّهاً إلى وجود عقوبة لكل مخالفة. لكنه عاد ليؤكد أن القانون غير مفعل بالمؤسسات، ونفى المصدر تسيب العاملين بوزارة العمل، مؤكداً وجود انضباط تام في التوقيع للحضور والانصراف، وقال : لكن السؤال هل كل عامل بالوزارة أو غيرها يجلس أمام الجمهور لتقديم الخدمة طوال الـ(8) ساعات أم أن هنالك تسيباً أثناء ساعات العمل.
صحيفة السوداني.