منوعات

ريا وسكينة تعودان بـ”أهو ده اللي صار”: قاتلتان أم مناضلتان ضدّ الإنكليز؟

أعاد المسلسل المصري الذي يعرض هذه الأيام “أهو ده اللي صار”، الجدلَ حول قضية أشهر قاتلتين في التاريخ المصري الحديث “ريا وسكينة”.

وانتقدت الباحثة في التاريخ الحديث بجامعة عين شمس الدكتورة نرمين سعد الدين، تصوير المسلسل القاتلتين الأشهر في تاريخ مصر على أنهما كانتا مناضلتين ضد الاحتلال الإنكليزي. وكما ورد في أكثر من مشهد في المسلسل، الذي كتبه الكاتب والسيناريست عبد الرحيم كمال، الذي يتناول قضايا تخص لمرأة المصرية على مدار مائة عام، فإن ريا وسكينة كانتا تستدرجان فتيات الليل اللاتي يتعاملن مع جنود وضباط الاحتلال الإنكليزي لقتلهن والاستيلاء على مصوغاتهن. وقالت سعد الدين في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إنّ كاتب المسلسل اعتمد على نظرية طرحها منذ عامين سيناريست آخر. وتزعم النظرية، أن النيابة المصرية لفّقت للسيدتين تهمة قتْل العديد من سيدات مدينة الإسكندرية، في محاولة للتعتيم على دورهما في مقاومة الاحتلال الإنكليزي، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق. وأوضحت الباحثة المصرية أن السيناريست أحمد عاشور، صاحب نظرية “براءة ريا وسكينة”، قال إنه اعتمد على إفادات أحفاد صديقي ريا وسكينة وهما “عرابي” و”الديب” اللذان أكدا، حسب قوله، رواية مختلفة عن التي وردت على لسان جدّيهما في المحاضر الرسمية للقضية.

والمعروف أن ريا وسكينة هما شقيقتان مصريتان، تعدّان من أشهر السفاحين في مصر، إذ اشتهرتا بتكوين عصابة لخطف النساء وقتلهن من أجل السرقة ما بين عامي (1920 – 1921)، ما سبّب حالة من الذعر في محافظة الإسكندرية.

ريا وسكينة علي همام نزحتا في بداية حياتهما من أقصى جنوب الصعيد، واستقرتا في مدينة الإسكندرية في بدايات القرن العشرين، ثم قامتا بتكوين العصابة لخطف النساء وقتلهن بالاشتراك مع محمد عبد العال زوج سكينة، التي بدأت حياتها بائعة هوى، وحسب الله سعيد مرعي زوج ريا، واثنين آخرين هما عرابي حسان وعبد الرازق يوسف كما قيل. تم إلقاء القبض عليهم وتوجيه تهمة القتل العمد لـ 17 سيدة، وأدانتهم المحكمة، وتم إعدامهم في 21 و22 ديسمبر/ كانون الأول سنة 1921. تعد ريا وسكينة أول سيدتين يتم تنفيذ حكم الإعدام عليهن في مصر بالعصر الحديث.

وتؤكد سعد الدين أن أدلة الإدانة في القضية نفسها، وشهادات الشهود من المناطق التي سكنوا بها وظلوا يتداولون الحكاية، تؤكد الرواية المتعارَف عليها، وتساءلت: “لماذا لم يظهر شخص واحد على مدار 95 سنة يشكك في تلك الرواية”.
وتقول الباحثة المصرية إن رواية عاشور، التي استقاها من حفيد اليوزباشي أحمد موسى، الذي قال إنه كان سيتقدم ويعترف بأن الحكاية غير حقيقية تم تغييره وقتله، غير صحيحة، إذ إن الحقيقة التاريخية تؤكد أنه تم تغيير وكيل النيابة، وذلك ما يتضح من أوراق القضية الموجودة في دار الوثائق ومحكمة الإسكندرية. مضيفةً أن الزعْم بفبركة القضية من أجل التعتيم على أن سكينة كانت تابعة لجماعات عبد الرحمن فهمي غير حقيقي أيضاً، إذ إن الحقيقة التاريخية تقولـ إن عبد الرحمن فهمي لم يبدأ العمل السرّي أصلاً إلا بعد فشل مفاوضات باريس 1919- 1920، والقضية نفسها اكتشفت 1920. هذا بالإضافة إلى أنه لم تكن هناك مقاومة في الإسكندرية خلال تلك الفترة، مشيرة إلى عدم وجود جنود إنكليز سوى في القاهرة ومدن القناة، وأن العمليات الفدائية لم تكن تنفذ ضد الأهالي، بمعنى أن المستهدفين كانوا الجنود الإنكليز فقط، فما بالك بالبغايا من المصريات.

وأكدت أن أول من بدأ فكرة الجهاد ضد الاحتلال، وتنفيذ عمليات فدائية مسلحة كان الوفدي الشهير، عبد الرحمن فهمي، وكان ذلك بعد تفاقم المسألة المصرية، واختلاف الطرق في مقاومة الاحتلال، وأنها بدأت في القاهرة ثم مدن القناة.

وأكدت سعد الدين أن الضحايا حسب القضية أولاهن كانت خياطة، ولم يكن مشهوراً عنها أنها من البغايا أو سيئات السمعة. مشيرة إلى أن “تصوير جميع الضحايا على أنهن “سيئات السمعة” فيه ظلم كبير، فلم تكن كل ضحايا ريا وسكينة من “سيئات السمعة”، وقالت إن الطعن في شرفهن بعد قتلهن على أيدي مجرمتين وبعد قرن من الزمان أمر غير مقبول”.
وانتقدت سعد الدين تقديم كاتب المسلسل، عبد الرحيم كمال، قصة ريا وسكينة على أنها كفاح ضد الإنكليز، وقالت إنه “انساق وراء شائعات أطلقها باحث لم يستطع تقديم إثبات واحد عن فرضيته، في حين أن الأدلة الثبوتية للإدانة موجودة وكثيرة وقديمة”. كما انتقدت الباحثة مقارنة قضية ريا وسكينة بقضية دنشواي المشهورة، التي تم تلفيق التهم فيها لبعض الفلاحين المصريين بقتل جنود إنكليز أُعدموا على أثرها.

وقالت إن “المقارنة بين الحالتين وبشكل تاريخي بحت، وهي مجرد قضية بحثية بالنسبة لي، فإن قضية دنشواي كان الظلم والتلفيق واضحاً منذ اليوم الأول، وقامت الحملات الدولية تتحدث عن هذه القضية خاصة في فرنسا، وهناك آلاف المراجع والأخبار ووسائل الإثبات التاريخية المختلفة، مثل شهادات المعاصرين ومذكراتهم وخطب السياسيين ومقالاتهم، وكلها أكدت بما لا يدع مجالاً للشك، وقطعت ببراءة من أُعدموا في دنشواي وأقرّوا بالظلم الواقع عليهم. فيما قضية ريا وسكينة، فالأوراق الثبوتية في النيابة والمحاكم كلها أقرت أنهم قتلوا سيدات بغرض سرقتهن، ومنهن من كانت سيئة السمعة ومنهن العكس”. وأضافت: “كذلك شهادات الشهود، ومكان الجريمة المعروف، وتأكيدات الجيران الذين شهدوا الواقعة، وظلوا يتوارثون الحكاية جيلاً بعد جيل، وكانت منطقة الحضرة وقسم اللبان في الإسكندرية ليس لها سيرة إلا ريا وسكينة”. الباحثة المتخصصة في تاريخ مصر منى محمود، قالت إن جميع المؤرخين يعلمون ظروف حادثة ريا وسكينة، التي ارتبطت بانتشار البغاء وترخيص هذه المهنة، ومكاسب السيدات المادّية من نقود الإنكليز، وذلك في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة ظهرت في فترة الحرب العالمية الأولى وما بعدها.

العربي الجديد