جرائم وحوادث

التفاصيل الكاملة لوفاة تاجر الخضار أبو بكر شيخ الدين ببحري

لم يكن العم أبو بكر شيخ الدين يتوقّع أن القدر سيجعله واحداً من شهداء الثورة أو الاحتجاجات التي يدور رُحاها هذه الأيام في السودان، لسبب معلوم وهو أنه يحمل على عاتقه مسؤولية أربعة عشر من الأبناء وبينهم أطفال. أتى أبو بكر من كوستي قاصداً العاصمة حتى يتمكّن من تحسين أوضاعه المعيشية، فكان همه الأول والأخير توفير قوت أبنائه، إذ يخرج كل يوم صباحاً من منزله ببحري وهو متوكلاً على الحي الرزّاق، ويعود أدراجه ليلاً يتوسد أحلامه البسيطة والتي لا تعرف للسياسة سبيلاً.. وبرغم ذلك، فإن أقدار الكريم كانت موجودة، ولم يكن يعتقد وهو يخرج أمس الأول صباحاً أن الموت يترصده على أبواب مكان رزقه، ولم يكن يعرف أن (تجمع المهنيين) قرر أن يسير موكباً من داخل سوق الخضار او المحطة الوسطى بحري، ويبدو أن الغاز المسيل للدموع كان له بالمرصاد ليموت عمنا أبوبكر مختنقاً ومتأثراً بالغاز المسيّل للدموع والذي أطلقته الشرطة نهار أمس الأول لتفريغ المتظاهرين. (الإنتباهة) وعبر جولة لها داخل سوق بحري للخضار، رصدت تفاصيل حزينة، يجدها القارئ عبر السطور التالية :

زاوية الفرش

الوصول الى مكان عمل المرحوم أبو بكر شيخ الدين لم يكن بالأمر السهل كما كنا نتوقع، فمعظم الذين سألناهم بدأوا متحفّظين لحدٍ ما، لكن كان إصرارنا للوصول أكبر من تحفظاتهم،إذ وجدنا من يدلنا على مكانه، فكان العم جبريل مرافقاً لنا حتى أوصلنا الى الزاوية التي كان يعمل بها .

آخر عملية بيع

ما أن وصلنا الى مكان المرحوم العم أبو بكر، حتى أشار مرافقنا بإصبعه الى (طربيزة) بها ميزان تجاري به (كيس طماطم)، إذ أنها آخر عملية بيع كان الراحل يعدّها لأحد الزبائن، وقبل أن يكملها داهمه الاختناق فتركها على ما هي عليه بعد أن طلب منه من يجاورونه بضرورة ترك المكان حالاً والإسراع الى منزله .

مغالطات

أثناء معاينتنا لهذا المشهد، التف حولنا عدد من تجار السوق والذين أبدوا فائق تأثرهم لما حدث لزميلهم الذي توفّى في تلك الأحداث . فمنهم من قال إن الغاز المسيّل للدموع تم إطلاقه خارج السوق، لكن آخرون تشددوا وجزموا بأنه قد أُطلق داخل باحة السوق حينما احتمى عدد من المتظاهرين بها .

تدهورت صحته

أكد شاهد عيان لـ(الإنتباهة) – فضّل حجب اسمه، وهو جاره في العمل- أن المرحوم أبو بكر شيخ الدين لم تكن لديه أية علاقة بالمظاهرات. وأثناء اندلاعها كان يبيع في خضاره . مضيفاً أنه تأثّر بإطلاق (البمبان) حتى كاد يختنق ، وعندما ازداد تأثره طلب منه زميله بأن يغادر المكان ويتوجّه الى منزله لكن وأثناء خروجه من السوق تدهورت حالته، ووصل الى بوابة العمارة وسقط مغشياً عليه، ومن ثمّ تم نقله الى المستشفى وتوفي فيها . فيما أوضح آخر – شاهد عيان- أن المرحوم كان يسكن في شقة بإحدى العمارات بالمحطة الوسطى والتي لا تبعد كثيراً من مكان عمله، مضيفاً بأنه حينما عاد من السوق لم يتمكن من طلوع السلم وكان يبدو عليه التعب، ما اضطرهم الى إحضار سرير من شقته ووضعه على مدخل العمارة ليرتاح فيه قليلاً وبعد أن تضايق تم إسعافه بركشة ونُقل الى المستشفى .

أمام السلم

(الإنتباهة) حاولت الوصول الى شقته والتي لا تبعد كثيراً من السوق، وتقع تقريباً في الناحية الغربية للسوق، كان مدخل العمارة هادئاً ولا توجد به حركة، وقفنا قليلاً أمام السلم الذي لم يستطع المرحوم الصعود إليه قبل لحظات من وفاته، لكن تم إخطارنا أن الشقة مغلقة وليس بها أحد من أفراد أسرته الذين توجّهوا جميعاً الى مدينة كوستي لتلقي العزاء .

مسؤولية كبيرة

لكن وبالقرب من العمارة وجدنا أحد أقاربه ويعمل في مطعم مجاور، ويدعى آدم الرحيمة وهو ابن أخ المرحوم، وقد قال في حديثه لـ(الإنتباهة) إن المرحوم أبو بكر شيخ الدين لم يكن موجوداً في موكب الاحتجاجات، وإنما كان يمارس عمله في بيع الخضار بالسوق. واتفق مع شهود العيان أعلاه في أن المرحوم كان يعاني من أزمة، وأن البمبان تسبب في وفاته في الحال. وكشف آدم أن عمه رجل كبير في السن وهو في عقده السادس، ولديه من الأبناء ما يُقارب الأربعة عشر، من بينهم أطفال وشباب في أعمار مختلفة وهو يحمل بذلك مسؤولية كبيرة. وتأسف على وفاة عمه مضيفاً أن سبب الوفاة يرجع الى تعرّضه الى البمبان (الغاز المسيل للدموع). وذكر آدم في خواتيم حديثه أنه تلقّى خبر إصابة عمه بالاختناق وبعدها تم إخطار ابنه الذي بدوره أتى مسرعاً ومن ثمّ تم إسعافه وفارق بعدها الحياة .

ابن المرحوم

تحدثت (الإنتباهة) عبر الهاتف مع ابن المرحوم (أحمد أبو بكر) والذي بدأ متأثراً برحيل والده المفاجئ، وقال خلال حديثه إن ما حدث قضاء وقدر وأن (اليوم تمَّ). مضيفاً أن سبب الوفاة يرجع الى الاختناق بالبمبان، خاصة وأن والده يعاني من الأزمة التي عجّلت بوفاته .

من المحرر

هذا العم الكبير في السن، قطعاً لا صلة له بكل ما يدور في الساحة السياسية والاجتماعية من حراك ثوري، وبالرغم من ذلك تأثّر بما يدور من مجريات الأحداث. فالجميع يؤمنون بالقضاء والقدر، ولكن تبقى مسؤولية أبنائه الذين تركهم خلفه هم كبير يؤرّق الجميع، ومسؤولية الدولة التي نتمنى أن تنظر لهم بعين الاعتبار،عسى ولعلها تخفف جراحاتهم النازفة .

صحيفة الانتباهه.