أسعار الدواء.. بين انخفاض (الاتفاقيات) وارتفاع الصيدليات!!
محمد عمر (مُوظف)، ابتلاه الله تعالى، بداء الفشل الكلوي، فأصبح (صديقاً دائماً) للمشافي وماكينات الغسيل ثم الحُقن والحبوب المُصاحبة لها، محمد قال لـ(السوداني) إنَّ أغلبية المرضى يتلقَّون علاج الفشل الكلوي (الغسيل) مجاناً، لكن من المهم جداً أن نؤكد أن هنالك علاجات مُصاحبة لا يكتمل العلاج إلا بها، مثل الـ (ابركس) وحقن (الحداد) وكل هذه العلاجات يشتريها المريض. وأكد محمد أن أسعار هذه العلاجات زادت خلال الفترة من شهر ديسمبر المنصرم حتى الآن بنسبة تصل إلى (100%)، ليس ذلك فحسب بل أن الصيادلة (بشَّروا) محمد وأمثاله بأن أسعار الأدوية كلها المحلية منها والمستوردة ستواصل الزيادة رغم الاحتفال (الكبير جداً) بتوقيع مذكرة تفاهم توفير وتسعير الأدوية بين المجلس القومي للأدوية والسموم وغرفتي تصنيع واستيراد الدواء والذي شرَّفه رئيس الوزراء معتز موسى.
(كلام جرايد)
وتقول المواطنة عائشة هي من ذوي الأمراض المزمنة قالت لـ (السوداني) إن تكلفة علاجها الشهري بلغت (960) جنيهاً، وأستدلت بأن دواء الضغط السويسري (أتكاند) بلغ سعره (485) جنيهاً، وأن شراب الكحة (بروسبان) لمرضى الضغط والسكري ارتفع سعره من(65) جنيهاً إلى(120) جنيهاً، وأن منظم السُّكري (أميفرومين) قفز سعره من (50) إلى (100) جنيه، وقالت من المؤسف أن الحكومة أكدت قبل أيام بأن أسعار الدواء ستشهد انخفاضاً يصل إلى (70%) لبعض الأدوية لكن للأسف قبل أن تكتمل فرحتنا ذهبنا للصيدليات فتفاجأنا بزيادة في أسعار كل الأدوية خصوصاً المُصنعة محلياً، زيادة وصلت إلى 100%، أما المستوردة فوصلت مرحلة الانعدام، وكل من يقول غير ذلك عليه أن يذهب لأقرب صيدلية.
لا ولن يحدث..!!
ومن داخل صيدلية الرضا بالخرطوم حدَّثنا دكتور حسن مبارك وقال إن هنالك زيادة كبيرة جداً في أسعار الأدوية المحلية وصلت في كثير من الأصناف إلى (100%) أما بالنسبة للأدوية المستوردة فمعظم الشركات متوقفة تماماً عن البيع، مشيراً إلى أن بعض الأدوية المتوفرة من المستورد الزيادة فيها طفيفة لكن في ذات الوقت هنالك أنواع ارتفعت أسعارها بشكل كبير، مؤكداً أن ما ورد من أنباء عن اخفاض أسعار بعض الأدوية غير صحيح ولن يحدث لأنه سيتسبب في خسارة الشركات وهذا ما لا ولن يقبله مستورد حتى ولو التزم بذلك.
شرح تفصيلي
ويقول رئيس شعبة الصيدليات (السابق) د. نصري مرقص يعقوب لـ(السوداني) اطلعنا على قرار انخفاض أسعار الأدوية لكن في الواقع، وأنا هنا أتحدث عن القطاع الخاص وليس أدوية الإمدادات الطبية وما شابهها، فالواقع أن الشركات المستوردة للأدوية تلقت وعوداً كثيرة جداً من الحكومة ليس الآن بل منذ أمدٍ بعيد بتوفير النقد الأجنبي (الدولار) من قبل البنك المركزي وعبر البنوك التجارية بدولار قيمته (30) جنيهاً، لكن الالتزام بهذا الوعد لم يستمر طويلاً، فأصبح سعر دولار الدواء مثله وبقية أصناف السلع المستوردة بدولار الآلية الذي يعادل (47,5) جنيه، ولذلك ارتفع سعر الدواء بنسبة تتراوح بين (50- 60)%، ومضى مرقص بقوله: الغريب بل العجيب في الأمر أنه حتى دولار الـ(47,5) نفسه لم يصمت طويلاً فارتفع وصولاً إلى (60) جنيهاً بالسوق الموازي ولم يعد هناك أي تمويل من البنوك وعليه زاد سعر الدواء إلى قرابة الـ(200) لبعض الأدوية.
واستدرك الرجل بقوله: ربما انخفض سعر الدواء في القطاع العام أي أدوية الامدادت الطبية التي يتم تمويلها بالنقد الأجنبي من البنك المركزي، لكن المؤكد تماماً أنه ليس هنالك انخفاض في أسعار أدوية القطاع الخاص. وأضاف: ولن يحدث ذلك إلا إذا تبنت الدولة سعراً رسمياً ثابتاً مع توفير النقد الأجنبي عن طريق البنك المركزي للقطاع الخاص بصورة منتظمة وراتبة مهما كانت الظروف التي تمر بها البلاد.
مسألة مُعقَّدة
كل ما ورد من حديث عن الأدوية بُنِيَ على خلفية توقيع اتفاق (احتضنته) في الأيام الفائتة إحدى الصالات الفخيمة بفندوق كورنثيا بالخرطوم وقد تمثَّل أطراف في (المجلس القومي للأدوية والسموم وغرفة مستوردي الدواء وغرفة مصنعي الدواء)، وقد شرَّفه بالحضور رئيس الوزراء، الذي قال إن الاتفاق يضع حداً لأزمة تطاولت”الدواء”، وإن الاتفاق يقضي بتوفير الدولار للمستوردين بسعر آلية صناع السوق البالغ حالياً (47.5) جنيه، في المقابل يلتزم المستوردون بخفض 25% من أسعارهم، وأن الاتفاق سيُخفِّض سعر بعض الأدوية بنسبة 31% بل ستصل النسبة إلى 70% لأدوية أخرى، ليس ذلك فحسب بل إن الرجل أكد – يومذاك- أن الزيادة التي قد تطرأ على بعض الأدوية لن تتجاوز 20 جنيهًا. لكن قبل أن يسمع الجميع بالخبر بل قبل أن يدخل الاتفاق حيز التطبيق، ها هُم من تحدثوا إلينا يؤكدون أنه شتان ما بين ما (قيل) في كورنثيا ويقوله (السوق) في ما يلي أسعار الأدوية..
فبينما يؤكد المواطنون أن أسعار الأدوية تزيد يومياً حتى بعد ذلك الاتفاق (المحضور)، تقول صيدلانية لـ(السوداني) إن الذي لا يعرفه الكثيرون هو أن طلبيات الدواء تأتي إلينا كـ(دُفعات) رُبع سنوية بمعنى أنه كل 3 أشهر تصل طلبية وبالتالي ما لم يأتِ في الدفعة الأولى لا أمل في وصوله إلا عبر الدفعة أو الطلبية التالية وبالتالي حتى ما يُقال من تصريحات للمسؤولين لا ينزل إلى أرض الواقع بين عشية وضحاها لأن المسألة (معقّدة بعض الشيء).
وفيما يتعلق بانخفاض سعر الأدوية بنسبة 30% لبعضها و70% لأخرى، قالت لا يُعقل أن تزيد الحكومة سعر دولار الدواء من ثلاثين جنيهاً، إلى 47.5جنيه (سعر الآلية) ومع ذلك تقول أو يُقال لها إن سعر الدواء سينخفض، هذا كلام غير منطقي، وقد أثبتت الأيام ذلك حيث زادت حتى أسعار الأدوية المحلية بنسبة 100% وأبسط مثال البندول العادي (حبوب) قفز سعره من عشرة جنيهات إلى عشرين جنيهاً، وقس على ذلك (شربات) الأطفال وغيرها وغيرها من الأصناف.
بين القول والواقع
رئيس الوزراء معتز موسى، طلب في ذلكم اليوم (يوم الاتفاق) من غرفة مستوردي الأدوية تنقية صفوفها من المتاجرين بدولار الدواء في بنود أخرى. وطالب الغرفة بضرورة أن تكون الغرفة حازمة بصورة قاطعة في هذا الشأن، محذراً من مغبة إعادة ما جنحت إليه “32” شركة وهمية بالاستيلاء على النقد الأجنبي المخصص للدواء.
وكشف موسى عن دعم سعر الدواء في القطاع الحكومي للعام 2019 بـ “5.1 ” مليار جنيه، وقال إن هذا الدعم الهدف الأساسي منه سد أي فجوة للعملة الحرة ليكون سعره مستقراً.
وبالعودة إلى د. نصري مرقص فإن الرجل شدد بالقول إن أسعار الأدوية التي يتم استيرادها عن طريق الحكومة ممثلة في الامدادات الطبية، ربما تحافظ على أسعارها، لكن بالنسبة للقطاع الخاص فحالة الارتباك التي يشهدها سوق الدولار الآن لا تبشّر حتى باستقرار أسعار الدواء ناهيك عن انخفاض سعره. وذات وُجهة نظر د. مرقص قالها المواطن خالد صالح حيث أكد أنه بينما يسمع المرضى بانخفاض أسعار الدواء في الإعلام يذهبون إلى الصيدليات فإذا بهم يُفاجأون بزيادة خيالية في الأسعار.
صحيفة السوداني.