منوعات

عراقيون يزوّجون قاصرات بحثاً عن الأمان

الأوضاع الأمنية الصعبة في العراق تجبر الآباء، مثلما يقولون، على اللجوء إلى تزويج بناتهم القاصرات خوفاً عليهنّ من جرائم الاغتصاب. يضيفون أنّهم يخشون الموت، فتبقى الفتيات وحيدات من دون معيل… وهكذا يضمنون مستقبلهنّ.

يرى بعض العراقيّين أنهم تخطّوا الكثير من المراحل الصعبة، التي كان فيها الموت قريباً منهم. على الرغم من ذلك، ثمّة ما يؤرقهم في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرّة في البلاد، حتى إنهم يشعرون بالخوف على بناتهم، ما يدفعهم إلى تزويجهن في عمر مبكّر. برأي هذه العائلات، فإنّ الزواج يمنح الفتاة الأمان والراحة، ويشعرون بأنهم أتموا مهمّة تربيتها وتزويجها.

أنور العيساوي الذي يعاني أكثر من مرض مزمن، يقول: “منذ عام تقريباً، أصبحت أنام مطمئن البال، بعدما زوّجت بناتي الثلاث على الرغم من كونهن قاصرات”، لافتاً إلى أنه لن يخشى الموت بعد اليوم. يقول العيساوي لـ “العربي الجديد”: “أدّيت رسالتي وزوّجت بناتي وأستطيع أن أرحل وأنا مطمئنّ”. العيساوي المولود عام 1970، يسكن في محافظة الأنبار غرب البلاد، يعيش في بيته المهدم بفعل المعارك التي دارت بين القوات الأمنية وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي كان يسيطر على المدينة. وبسبب المعارك، لم يعد بيت العيساوي صالحاً للسكن. ولأنه لا يملك المال لإعادة بناء منزله، اضطر إلى إصلاح جزء منه كي يسكن فيه برفقة زوجته وعائلته. يضيف: “اعتقلتني القوات الأميركية لمدة عامين، وعذّبت في السجن. توقفت إحدى كليتيّ عن العمل، وأعاني من مرض في القلب. وضعي الصحي لا يساعدني على العمل، وأعيش معتمداً على مساعدات الآخرين”. ويتابع: “لي ولدان صغيران، فيما زوجت بناتي الثلاث خلال عامين، علماً أن أعمارهن تتراوح ما بين الرابعة عشرة والخامسة عشرة. أخشى عليهن من كل شيء في ظل الأمن المفقود، والذئاب التي تنهش الناس بقوة السلاح والفقر وكل شيء. لذلك، فإن تسليمهن أمانة لرجل يحافظ عليهن هو الصواب لأنني على وشك الرحيل”.

ويحرص آباء في العراق على مراقبة سلوك بناتهن داخل وخارج المنزل. بعضهم يجبرونهن على عدم مغادرة المنزل إلا للذهاب إلى المدرسة أو الطبيب أو للضرورة، شرط أن يرافقوهن. وتعدّ التكنولوجيا الحديثة أحد أبرز الأسباب التي ترعب أولياء الأمور، وتجعلهم يخشون على مستقبل بناتهم.

تقول نور جمعة إنها واجهت ضغطاً كبيراً من والدها، الذي لم يكن يسمح لها بالخروج من المنزل، ووصل الأمر إلى حد منعها من التواصل مع صديقاتها، ثم أجبرها على ترك المدرسة والزواج بابن عمها. تضيف أنها أصبحت أماً لطفلين وهي في السابعة عشرة من عمرها. تقول لـ “العربي الجديد”: “تزوجت وعمري خمسة عشر عاماً بابن عمي الذي يكبرني بثلاثة عشر عاماً. اليوم أصبحت امرأة مسؤولة عن بيت وأسرة على الرغم من صغر سنّي. لست سعيدة في حياتي الزوجية لأن زوجي يعمل في البناء بأجر يومي، فلا يستطيع تأمين كل حاجات أسرتنا”. تتابع نور: “صديقاتي يستعددن للدخول إلى الجامعة، فيما أنا حرمت من مواصلة دراستي. والدي رجل بسيط ويخاف عليّ، في ظل كثرة جرائم الاغتصاب. وهذا أمر يقلق أولياء الأمور كثيراً”، مشيرة إلى أن والدها كان يحرمها من تصفح مواقع الإنترنت. “والدي لم يسمح لنا باقتناء الأجهزة الخلوية. يرى أن الإنترنت يفسد أخلاق المراهقين”.

وعلى الرغم من أنّ القانون العراقي يمنع تزويج الفتيات دون سنّ الثامنة عشرة، إلا أن هناك تجاوزات. ويقول المحامي فؤاد الربيعي لـ “العربي الجديد”، إن موافقة ولي أمر الفتاة يكفي لتزويجها وإن كانت قاصراً. ويشترط قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام 1959 المعدل، إكمال الثمانية عشر عاماً للزواج في المادّة 7 الفقرة 1. لكن المادّة 8 من القانون نفسه تفيد في الفقرة 1 أنه إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج، فللقاضي حق إبداء الرأي إذا ثبتت أهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليّه الشرعي. وإذا امتنع الولي، يطلب القاضي منه الموافقة خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار أذن القاضي بالزواج.

وتفيد الفقرة الثانية من القانون نفسه، أن للقاضي الحق بأن يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو لذلك، ويشترط لإعطاء الإذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية. أحداث مفجعة وقعت في أوقات سابقة كانت من بين الأسباب التي تدعو آباء كثيرين إلى التفكير في تزويج بناتهم في عمر صغير. وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية، تناقلت في أوقات سابقة حصول جرائم بشعة بحق فتيات بأعمار صغيرة، بعضهن قتلن بعد اغتصابهن.

كذلك تنتشر أخبار باستمرار في الشارع العراقي عن عمليات خطف تستهدف الصغار، ولا سيما الفتيات. والغاية من بعض هذه العمليات هي اغتصابهن أو بيعهن لعصابات تتاجر بالنساء. مثل هذه الأخبار التي يتناقلها الشارع العراقي تجعل منذر عبد الحسن يفكر في مستقبل ابنته التي ما زالت دون السابعة من العمر. ويقول لـ “العربي الجديد” إنه يعيش قلقاً مستمراً، وهو أب لطفلة واحدة، مشيراً إلى أن ما يسمعه من قصص حول انحراف فتيات صغيرات يجعله يقلق كثيراً على ابنته الوحيدة. يضيف عبد الحسن أنّ “ديما ابنتي الوحيدة، وقد توفيت والدتها منذ عامين بسبب مرض عضال. لم أحرمها أي شيء لكنّني أخاف عليها مما يدور من حولنا. التكنولوجيا ساهمت في تغيير سلوك الصغار والمراهقين. للأسف، ما من رقابة على تصرفات الصغار. علاوة على ذلك، هناك عصابات إجرامية تتاجر بالبشر”. يتابع: “يبدو أنّ العصابات التي نجحت القوات الأمنية في اعتقال بعضها تأثرت بما تشاهده على الإنترنت من جرائم”. ويشير إلى أنه لا يستبعد أن يزوّج ابنته في عمر صغير.

العربي الجديد