عالمية

الإقفال الحكومي بالولايات المتحدة: تلويح بإغلاق صفحة رئاسة ترامب

مرّ أسبوع على الإقفال الحكومي في أميركا، وهو مفتوح على آخر وربما أكثر. محاولة إنهاء الأزمة قبل يومين فشلت والكونغرس ترك واشنطن ليستأنف إجازته وبقيت المشكلة معلّقة. فالفجوة واسعة بين الرئيس دونالد ترامب وخصومه وكل طرف متمترس في خندقه ولا يعتزم التراجع، ذلك أن التعطيل صار وسيلة في اللعبة السياسية الأميركية المتردية.

وما يزيد في التعقيد أن المسألة جاءت في ظرف تعمقت فيه أزمة رئاسة ترامب، وبما حمله على المزيد من التشدد واعتماد الهجوم كوسيلة للدفاع. التحقيقات الروسية ستكشف قريباً عن نهاية “مؤذية” للرئيس، بحسب الن دارشويتز أستاذ القانون سابقاً في جامعة هارفارد وأحد كبار مناصريه.

وتفاقم حصار الرئيس أخيراً في أعقاب قراره بالانسحاب من سورية وما أثاره من نقمة واسعة في أوساط المؤسسة السياسية -العسكرية – الاستخباراتية، التي أبدت تخوفها من “خروج الرئيس المتواصل” على الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأميركية و” تفريطه الجيوسياسي في أكثر من مكان في العالم “، وبالذات في الكونغرس، حيث بدأ عدد من قيادات الجمهوريين يبتعد عن الرئيس ويضع علامات استفهام حول رئاسته، مثل السناتور بوب كوركر.

واكبت ذلك دعوات تحث هذه القيادات على التحرك “لوقف” التفرد الرئاسي قبل فوات الأوان. وزاد من الضغوط أن مجلس النواب الجديد بأكثريته الديمقراطية يعتزم الدخول بقوة وبسرعة على خط “محاسبة الرئيس”.

على هذه الخلفية تطور المأزق؛ فهو ليس مشكلة ناجمة عن صعوبة التوفيق بين مبلغ الـ5 مليارات دولار الذي يطلبه الرئيس ورقم خصومه 1,3 مليار، كدفعة لبناء جدار على طول الحدود مع المكسيك التي تمتد مسافة ألفي ميل. بالرغم من التباين في المقاربة لجدوى هذا الحاجز، كان من الممكن العثور على رقم وسط، كما كان يجري في السابق.

منذ ثمانينيات القرن الماضي تكرر الإقفال حوالي عشر مرات. سنة 1995، طال لمدة 27 يوماً. وفي 2013 بقي 16 يوماً. وكل مرة كان ينتهي بتنازلات متبادلة أو بتراجع طرف وانسحابه من لعبة العض على الأصابع. نهاية لا بد منها هذه المرة أيضاً.

لكن إلى حين حصول ذلك، يبقى كل طرف على سلاحه. الرئيس الذي قال منذ البداية إنه يعتزم الوصول بالقضية إلى الإقفال “وباعتزاز”، أراد فتح جبهة داخلية تحجب غبارها متاعبه التي تقترب مواعيد تسديد فواتيرها. لكنه وجد نفسه في ورطة: لا هو قادر على انتزاع تنازل من الديمقراطيين الذين تردد أنهم رفضوا أمس الأول الموافقة حتى على نصف طلب الرئيس، ولا هو قادر على التراجع بسهولة.

بحسب آخر استطلاع للرأي، إن 47% من الأميركيين ضد طلبه مقابل 33% موافقين. ولوحظ أنه اكتفى بالتغريدات والبقاء في البيت الأبيض بعد أن صرف النظر عن قضاء إجازة الأعياد في منتجعه الشتوي في ولاية فلوريدا. نأى عن الانخراط الشخصي لتأمين الدعم لمشروعه، كما يفعل أي رئيس في مثل هذا الوضع. لم يعقد مؤتمرا صحافيا ولم يخاطب الجهات التي تضررت من الإقفال ولم يُجرِ اتصالات مكثفة بقيادات الكونغرس. ترك الأمر لصهره ولكبير موظفي البيت الأبيض ونائب الرئيس. وكأن الجدار بضاعة يصعب تسويقها. أو كأنه يرمي إلى إطالة التعطيل إلى أبعد مدة ممكنة. بدلاً من ذلك قام بزيارة خاطفة إلى العراق، لتحويل الأنظار والأضواء.

لكن الزيارة بالطريقة التي جرت فيها، وخاصة عدم لقائه رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، أعطيا نتائج عكسية. بدت وكأنها محاولة “للتغطية” على قراره بالانسحاب من سورية والذي أثار نقمة واسعة، ساهمت في تعنيف الحملة ضده وفي تزايد الحديث بصورة مكشوفة عن احتمالات وسيناريوات “إقالته” أو “استقالته” على غرار نهاية رئاسة ريتشارد نيكسون، بعد الكشف عن خلاصة التحقيقات التي يتوقع خصومه أن تأتي بحيثيات تؤدي إلى مثل هذه النتيجة.

حتى بعض صقور المدافعين عن الرئيس باتوا يشككون ضمناً في إمكانية استمرار رئاسته. باتريك بيوكانن عميد المنظرين لخط ترامب، تحدث أخيراً عن سياسات هذا الأخير في السنة القادمة فيما “لو بقي رئيساً”. صدور إشارة مبطّنة من هذا النوع عن مؤيد من عيار بيوكانن، يعني أن وضع رئاسة ترامب صعب بل محفوف بالمخاطر في السنة المقبلة.

العربي الجديد