قرارهم “حبر على ورق” أبناء السودانيات من الأجانب.. في انتظار (تثبيت) الهوية
سبع سنوات حسوماً قضتها إيمان بنجامين – المولودة لأب جنوبي وأم شمالية – دون هوية تثبت بأنها سودانية أو جنوب سودانية كما تقتضي أصولها لأبيها، ففي عام2011 –عام الانفصال – كانت إيمان تستعد لامتحان الشهادة السودانية وعندما ذهبت لاستخراج رقمها الوطني تم رفض طلبها باعتبار أن والدها جنوبي، ولما كان والدها قد توفي قبيل الانفصال بشهور، ولم تكن تربطها أي روابط بجذورها لأبيها حيث ولدت وترعرعت في الشمال، وجدت إيمان نفسها دون هوية وفقدت فرصتها في الدراسة بعد أن أصبحت “بدون “، وذهبت لسفارة جنوب السودان بالخرطوم وأيضًا رفض طلبها، كما أنها لم تقم بالجنوب ولا تتحدث لغته ولا تعرف أهلها هناك، قدمت إيمان قضيتها للجهات العدلية متظلمة من القرار الذي انتهك حقوقها الإنسانية في أن تكمل تعليمها، كما أسقط جنسيتها من البلد الذي عاشت فيه طيلة سنوات عمرها، قالت إيمان” إن معاناتها بلغت أنها كانت تحس بعدم إنسانيتها إذ ليست لها من أوراق الهوية إلا شهادة ميلادها، وأصبحت تفكر بالموت كثيراً، إذ تجد نفسها ضمن مجهولي الهوية”.
قضية الكثيرين
قال المحامي رفعت مكاوي – في حديثه في المؤتمر الصحفي المقام بطيبة برس أمس – بأنه رفع قضية إيمان بنيامين للجهات العدلية بواسطة “مركز الناس للعون القانوني ” قبيل سبع سنوات حيث كانت تبلغ موكلته سبع عشر ربيعاً، مضيفاً أن قضية إيمان هي قضية الألوف من السودانيين الذين ينتمون لأمهات سودانيات وآباء جنوب سودانيين في مناطق التماس، مضيفاً بأن هناك 350 قضية موجودة بمركز”الناس للعون القانوني” يطالبون فيها السلطات بمنحهم الجنسية السودانية حتى يستطيعوا إثبات هويتهم بعد تحولهم إلى “بدون”، خاصة وأنهم جميعاً فقدوا فرصهم في التعليم وفي التنقل لأنهم فقدوا الجنسية السودانية وأسقط عنهم الرقم الوطني.
وأضاف مكاوي بأن القضية أيضاً تشمل السودانيين الموجودين في مناطق الحدود مع دولة جنوب السودان خاصة في منطقة “حفرة النحاس”، تلك المنطقة التي تقول الحكومة بتبعيتها للسودان، رغم أنها لا تعترف بسودانية سكانها ومثلهم في مناطق النوبة .
أصل القضية
أشارت القانونية إحسان عبد العزيز إلى أن مركز “الناس للعون القانوني” وحملة “أنا السودان” قد تبنيا حملة “أنا سوداني” لمناصرة الأمهات اللائي تزوجن من رجال من جنوب السودان وحرم أطفالهن من الجنسية السودانية بعد انفصال الجنوب، مضيفة أن الحملة بمبادرة من بعض الحقوقيين والناشطات، بالإضافة للمحامين الممسكين بملفات عدد من القضايا المرفوعة من الأمهات والأبناء ضد السلطات المعنية بالجنسية السودانية، واعتمدت الحملة على نص الدستور لعام 2005 والذي ينص في باب المواطنة والجنسية على هذا الحق، مضيفة بأن التعديلات التي حدثت في قانون الجنسية لعام 2011 بعد الانفصال أدت إلى هذا الخلل وتحول أبناء السودانيات إلى “بدون”، حيث أسقطت عنهم الجنسية السودانية، إذ اكتسبوا أحقيتهم في جنسية جنوب السودان.
جهود مبذولة
يقول المحامي رفعت مكاوي، إن قضية إيمان على وجه الخصوص – ممثلة في قضية الكثيرين من أبناء الشماليات – كانت قد استنفدت كل مراحل التقاضي حتى المحكمة الدستورية وجاء الحكم برفض منحها الجنسية السودانية خلال سبع سنوات من التقاضي، ما دفعهم لرفع القضية محل الجدل للجنة الأفريقية التابعة للاتحاد الأفريقي، مضيفاً أنهم لفتوا الأخيرة للانتهاكات التي طالت إيمان و- آخرين تمثلهم – في انتهاك حقهم في حصولهم على الجنسية والتعليم والتنقل، وأضاف مكاوي أن اللجنة عقدت في الخرطوم في ديسمبر من العام الماضي واستمعت لشكوى مركز “الناس للعون القانوني” ضد حكومة السودان، مؤكداً بأن الأخيرة وافقت على أن تمنح إيمان جنسيتها تفضلاً، إلا أن المركز أكد أن القضية ليست قضية فرد، وإنما قضية ألوف في مناطق التماس هم نتاج لزيجات مختلطة بين بلدين كانا يوماً بلداً واحدًا، مؤكدين على ضرورة تعديل الدستور ليمنحهم الجنسية السودانية، وكان أن ألزمت اللجنة الأفريقية حكومة السودان في مايو 2018 بتعديل الدستور حتى يتسنى لأبناء الأمهات السودانيات التمتع بالجنسية السودانية، وصدر قرار اللجنة بمنح إيمان حق الجنسية السودانية، كما تم التأكيد على ضرورة منح جنسية الأم للأبناء في كل البلاد الأفريقية .
مجهودات برلمانية
أشار البرلماني محمد طاهر عسيل إلى طرحه للقضية بالمجلس الوطني عبر مسألة مستعجلة لوزير الداخلية، مضيفاً أن القضية كان الأولى أن تحل من قبل البرلمان لأنه الجهة المنوط بها تعديل القانون، وأكد عسيل أن المجلس الوطني وافق على إجراء التعديل بالدستور.
تحديات
لفتت حملة “أنا سوداني” للعديد من التحديات التي تواجههم حتى يصبح القرار قيد التنفيذ ومنها عدم نشر القانون بعد التعديل مما يقلل فرص التعرف عليه خاصة من المستهدفين به، أمنوا على ضرورة حصر الأعداد التي تقدر بالآلاف من المستحقين للجنسية خاصة في مناطق التماس مع جنوب السودان، مضيفين بضرورة إشراك جهود حكومية من قبل السجل المدني، وأكدت حملة “أنا سوداني” على ضرورة حث وزراة الداخلية الجهات المعنية بالمضي قدماً في التعديل الدستوري وتطبيق القرار بمنح الجنسية السودانية لأبناء السودانية حتى لا يتحول القرار إلى “حبر على ورق”.
توصيات
أوصت حملة “أنا سوداني” بتمليك القرار للمستهدفين به للمساعدة في تقديم أنفسهم لمنحهم الجنسية السودانية، مؤكدين على ضرورة تفعيل الدور الإعلامي والتوعية بالقانون وإشراك منظمات المجتمع الوطني في حصر المستحقين، مع التعجيل بحل مشكلة الطلاب حتى لا يحرموا من الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية لعدة سنوات.
حاجز نفسي
أحد الجنوبيين المتزوجين من شمالية من الذين حضروا المؤتمر قال إن القضية تخص أطفاله، مضيفاً أن أغنية “لا نسيناك واسترحنا.. ولا لقيناك وفرحنا” هي المعبرة عن حال أولاده مع الجنسية السودانية، مشدداً على ضرورة منح أطفاله جنسية والدتهم على الأقل أسوة بمن يتم منحهم الجنسية السودانية من اللاعبين والأجانب، مؤكداً بأن القضية ذات طابع نفسي وسياسي تجاههم أكثر من كونها حقاً أصيلاً لهم.
صحيفة الصيحة.