الدقيق.. هل من بديل؟
أزمة الدقيق صار محورها الرئيسي الدولار. هكذا يرى الكثيرون الباحثون بقلق عن تبرير للأزمة التي تعتري البلاد بين الفينة والأخرى. رئيس الوزراء وزير المالية معتز موسى سبق وأن نبه في حديث سابق أمام البرلمان أنه لا اتجاه لرفع الدعم عن الدقيق قبل أن يؤكد أن ذات الدعم لا يذهب كله إلى المواطنين.
من وراء الأزمة؟
تحليلات الاقتصاديين وربما معلوماتهم تذهب إلى أن الدولار ليس لوحده المسؤول عن الأزمة، ويرون أن ثمة نافذين يحاربون أي بدائل أخرى من أجل الاعتماد على الدقيق لجهة أنه لا تخلو أي وجبة منه..
وطالب خبراء اقتصاديون في حديثهم لـ(السوداني) أمس، بمعالجة الأزمة عبر إجراء دراسة أمينة وشفافة تحدد الأسباب والمتسببين فيها، وتقف على التقصير الإداري والآثار المترتبة والمساءلة، لتطال كل من المخزون الاستراتيجي، المطاحن، الوكلاء، المخابز، وذلك بغرض التأكد من صحة المعلومات التي ترد عن تلك الجهات، داعين الحكومة للبحث عن بدائل أخرى من المنتجات المحلية للخروج من (وهم) القمح والانزعاج من الدولار.
أين الأزمة؟
وقالت مصادر مطلعة في حديثها لـ(السوداني) أمس إن سعر جوال الدقيق حالياً من المطاحن يبلغ (550) جنيهاً، الحكومة تدعم الجوال بـ(350) جنيهاً ليكون سعره 900 جنيه وفقاً لسعر الدولار حتى نهاية سبتمبر وبدايات أكتوبر الماضيين، وأضافت: “سعر الجوال عند مقارنته بسعر الدولار حالياً فإن معظم المطاحن تخسر في الجوال ما بين (200-250) جنيه، لأن التكلفة الحالية للجوال تتراوح ما بين (1100-1200) جنيه، وأوضحت المصادر أن توزيع الدقيق بواقع (50) ألف جوال يومياً في العاصمة لم يحدث، وكانت معدلات التوزيع في أفضل حالاتها ما بين (36-40-42) ألف جوال.
ونوهت المصادر إلى أن العاصمة تمددت وزاد عدد سكنها، مشددة على أن محور الأزمة والخلل الحقيقي لأزمة الخبز في التكلفة الحقيقية للجوال، وأشارت إلى أن المعالجة الحاسمة تأتي في تحرير القمح كاملاً، لأن شركات المطاحن الكبرى لديها قدرات وإمكانيات في استيراد القمح إضافة إلى ضرورة أن يتقبل المواطن السعر الحقيقي للخبز الذي ربما يرفع سعر قطعة الخبز إلى جنيهين، كواقع اقتصادي لقيمة سعر الصرف الآن.
إلى ذلك أوضح وكيل لتوزيع الدقيق لمطاحن سين بأمدرمان الحاج العاقب في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن توزيع الدقيق مستمر لكل المخابز التي تتعامل مع التوكيل، مشيراً إلى أن توزيع الحصص يكون كاملاً لكل مخبز، حيث تتفاوت هذه الحصص ما بين 10 -15 – 20 جوالاً بحسب الطاقة
الإنتاجية لأي مخبز، مشيراً إلى أن جوال الدقيق ما يزال يباع للمخابز بالسعر المقرر بـ(550) جنيهاً.
الخروج من النفق
الدولار، طبقاً للمصادر، ما يزال يشكل المحور الرئيسي في مسألة استيراد القمح وتوفير الدقيق للمخابز، ودعا المحلل المالي عثمان التوم في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى ضرورة (فك وهم) القمح كسلعة استراتيجية يجب توفير الدولار لاستيراده، منوهاً إلى أن القمح ليس سلعة استراتيجية لأن هناك بدائل أخرى مثل الذرة والدخن والقمح المحلي وهي منتجات صحية وأقل كلفة، وأضاف: “القمح يفترض إخراجه من استراتيجية الدولة نهائياً، وإتاحة المجال لمن أراد أن يستورد قمحاً أن يفعل ذلك ثم يحدد سعر منتجه بحسب كلفته”، متوقعاً أن يقفز تحرير القمح الآن بسعر قطعة الخبز إلى اثنين أو ثلاثة جنيهات، وفي هذه الحالة سيدفع المواطن الثمن بالمزيد من المعاناة المعيشية.
وأبان التوم أن الخيار الأفضل هو اللجوء إلى البدائل الأخرى، حيث تتوفر لدى البلاد منتجات الذرة والقمح المحلي والدخن التي يمكن أن تغني تماماً عن القمح المستورد وقادرة على تغطية الحاجة المحلية بنسبة 100%، مشدداً على أنه ليس من المنطق الحديث عن أن السودان سلة غذاء العالم ولا يستطيع إطعام شعبه. قاطعاً بضرورة استغلال التجارب المحلية الموجودة بكثرة في المجال، واستدرك: لكنها تتعرض لمحاربة من أجل الاستمرار في الاعتماد على الدقيق، واتباع حل طويل المدى في هذه البدائل يكون أثره مستمراً.
الحرب الخفية
واعتبر الاقتصادي د. حسين القوني في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن قرائن الأحوال لأزمة الدقيق تؤكد على وجود مصلحة لبعض الفئات والجهات النافذة –بحسب تعبيره- في استمرار هذه الأزمة، مدللاً على ذلك بأن الأزمة عُولِجت بحسب الإفادات الرسمية.
وأرجع القوني، تفاقم أزمة الدقيق إلى عدم الرقابة على المخابز، ما أدى إلى اختلال في الأوزان والأسعار، مشيراً إلى أن معالجة الأزمة تتطلب إجراء دراسة أمينة وشفافة تحدد الأسباب والمتسببين فيها.
ويشار إلى السياسات والإجراءات حول القمح ظلت في حالة تغيير مستمر طيلة السنوات الماضية، وذلك بحسب التصريحات الإعلامية التي وردت على لسان عدد من المسؤولين خلال هذه الفترات، وبدأت منذ إعلان وزير المالية الأسبق بدر الدرين محمود عن تغير سعر الصرف لواردات القمح في سبتمبر 2016م، ووقتها أعلن بدر الدين أن الوزارة ألغت سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني المستخدم في حساب واردات القمح، وأضاف: إلغاء الدعم يأتي كجزء من خطة الحكومة لتحرير صادرات القمح خلال فترة انخفاض سعره عالمياً بما يسمح لها بتوفير أموال استيراد القمح وتجنب ارتفاع الأسعار. حينها عدلت الوزارة سعر دولار القمح من 4 جنيهات سودانية إلى 6 جنيهات للدولار ليصبح متفقاً مع سعر الصرف الرسمي للعملة حينئذ.
السياسات والإجراءات في استيراد القمح تواصلت بإعلان وزارة المالية في 2017م عن تحرير سعر القمح بالكامل في موازنة 2018م وترك عملية استيراده للقطاع الخاص، وقتها أعلن وزير الدولة بالمالية، مجدي حسن ياسين، أنه لن تكون هناك أي زيادة في أسعار الخبز، لأن التنافس سيقلل التكلفة، وأردف يس قائلاً، إن الحكومة ستواصل تنظيم عطاءات للاستيراد، وأضاف: “السودان استورد مليوني طن من القمح في عام 2017 وبلغ حجم الإنتاج المحلي من القمح 445 ألف طن”، علماً بأن السعر الرسمي للدولار كان 6.7 جنيهات للدولار تم تغييره إلى 18 جنيهاً للدولار.
تصريحات أخرى جاءت لتناقض قرار الدولة بتحرير القمح، بحسب ما نسب إلى رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان السوداني وزير المالية الأسبق علي محمود، الذي كشف في وقت سابق عن أن الحكومة أبلغت لجنته التراجع عن تحرير القمح واستيراد كميات منه، وبسبب قرار الحكومة عدم استيراد القمح، رفعت المطاحن سعر جوال الدقيق زنة 50 كلغ من 167 إلى 450 جنيهاً سودانياً.
مؤخراً عقد اجتماع بين المالية وعدد من الجهات المختصة، وممثلين لأصحاب المطاحن بالبلاد، تم التوصل إلى اتفاق قررت فيه وزارة المالية الاتحادية زيادة الدعم الحكومي لجوال الدقيق من 150 جنيهاً إلى 242 جنيهاً، وقال بيان للوزارة إن الحكومة ستنفق 35 مليون جنيه بدلاً من 25 مليوناً.
الخرطوم: ابتهاج متوكل
صحيفة السوداني.