زواج على ورق .. تعقيدات الإقامة تدفع العرب لزواج الجنسية في فرنسا
بعد تعرفه إلى امرأة فرنسية في منزل صديقه، اتفق الثلاثيني المغربي أكرم مصباح معها على الزواج، في مقابل دفع مبلغ 8 آلاف يورو، لحل تعقيدات إقامته غير القانونية في باريس، على أن ينهيا الزواج فور حصوله على الجنسية.
بالفعل أصبح مصباح مواطنا فرنسيا في فبراير/شباط 2018، بعد عامين من تقدمه بطلب الحصول عليها وفق ما قاله لـ”العربي الجديد”، مستدركا بالقول: “كنت محظوظا، لأن الزوجة، لها دخل شهري، ما جعلنا في منأى عن الشبهات، حتى إنهاء الزواج”.
ما أقدم عليه مصباح يصفه مشروع قانون “تعزيز مكافحة تزوير الزواج” الذي تم تسجيله في 21 فبراير/شباط 2018 لدى رئاسة البرلمان، بـ”الزواج الاحتيالي أو الأبيضMariage Blanc” وهو ما يعني إبرام عقد زواج بين فرنسي أو فرنسية الجنسية وشخص آخر، مقيم غير قانوني في فرنسا، في مقابل مادي حتى يحصل الثاني على أوراق الإقامة القانونية، ومن ثم الجنسية الفرنسية.
وتضمن مقترح القانون 8 مواد قانونية، من بينها إضافة على المادة 143 من القانون المدني الفرنسي، تنص على أنه يستحيل إتمام إجراءات الزواج إذا كان أحد الزوجين يوجد أو يقيم بطريقة غير قانونية على التراب الفرنسي، والنوع الثاني من الزواج الاحتيالي هو “الرمادي” الذي يبنى على الخداع، بمعنى أن أحد الشخصين يستغل تعلق الآخر به، لإتمام عقد الزواج ليحصل على الأوراق القانونية للإقامة، أو الجنسية، “والنوعان يختلفان في المعنى ويتفقان في الغرض” بحسب إفادة نوال العريفي المستشارة القانونية في جمعية العمال المغاربيين المعنية بشؤون الهجرة والمواطنة في فرنسا، والتي قالت لـ”العربي الجديد” إن مفهوم الزواج الاحتيالي انتشر في فرنسا في 9 يوليو/تموز 2003 عند مصادقة المجلس الوطني الفرنسي على مشروع قانون ساركوزي نسبة إلى وزير الداخلية آنذاك، نيكولا ساركوزي، حول السيطرة على الهجرة وإقامة الأجانب في فرنسا، الذي طالب بتجريم الزواج الأبيض.
مشاكل التوثيق
تتفاوت أسعار عقود الزواج الأبيض في فرنسا باختلاف الجنسيات، إذ يبلغ سعر عقد زواج من هذا النوع لمواطني أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى 8 آلاف يورو (ما يعادل 9300 دولار أميركي) بينما سعره للجنسيات المغاربية حوالى 15000 يورو (ما يعادل 17400 دولارا) لكن سعر الزواج الأبيض للصينيين هو الأعلى إذ يبلغ 30 ألف يورو (ما يعادل 34780 دولاراً) وفقا للنائبة في المجلس الوطني الفرنسي عن حزب الجمهوريين اليميني وعضوة لجنة الشؤون الخارجية فليري بوايي، والتي تعتقد “بوجود شبكات تهريب تنظّم الزواج الأبيض، إضافة إلى فرنسيين ضعفاء الحال يتم استغلالهم”.
وبلغ عدد الحاصلين على الجنسية الفرنسية عن طريق الزواج 17476 أجنبيا في عام 2017 وفقا لإحصائية حديثة صادرة عن وزارتي الداخلية والعدل في 12 يونيو/حزيران 2018، بعنوان “التجنيس، إعادة الإدماج والزواج”.
بالمقابل من هؤلاء الحاصلين على الجنسية عن طريق الزواج، استقبلت فيدرالية التونسيين من أجل مواطنة الضفتين في فرنسا (منظمة مجتمع مدني تعنى بشؤون المهاجرين) برقيات استعجالية من بلديات يقيم فيها خمسة مغاربيين لإعلامهم بإيقاف، أو تأجيل عقد قرانهم وتحويل ملفاتهم إلى المدعي العام للتثبت، والبحث إن كان الزواج حقيقيا أم لا، بعد ما تم رفض الزواج من قبل رؤساء البلديات لشكوك تحوم حول الأغراض الحقيقية للزواج، وتم إحالة ملفاتهم إلى الوكيل العام بالنيابة العمومية التابعة لمنطقة الإقامة للنظر والبحث فيها، بحسب تأكيد محمد بحر الناشط الحقوقي في فيدرالية التونسيين لـ”العربي الجديد”.
وترجع آخر إحصائية رسمية لعدد حالات الزواج الاحتيالي في فرنسا إلى عام 2009 إذ اعتبر وزير الهجرة السابق إيريك بيزون في مداخلة له أمام البرلمان في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 أن 1400 ضحية تعرضوا للزواج الاحتيالي الرمادي في فرنسا، وهو ما يمثل 80% من الزواج المختلط للفترة نفسها، وتعيد نوال العريفي عدم تحديث الإحصائيات إلى صعوبة تحديد عدد الزيجات المشابهة نظرا لحساسيتها وصعوبة إثباتها، كما أن التحقيق فيها يأخذ وقتا طويلا، باعتبارها حالة اجتماعية معقدة جدا، بينما يقدر النائب مارك لو فور، أحد مقدمي مقترح قانون “تعزيز مكافحة تزوير الزواج” من الحزب الجمهوري اليميني عدد الزيجات الرمادية والبيضاء بعدة آلاف، مؤكدين في البيان التوضيحي الذي رافق مشروع القانون المنشور في الموقع الرسمي للمجلس الوطني، أن “مقدمي المشروع لا يعرفون عدد الزيجات الاحتيالية التي تتم في فرنسا، أو عدد الزيجات التي يتم إلغاؤها كل عام”، ولهذا السبب طالبت النائبة فليري بوايي في مداخلة لها تحت قبة المجلس في إطار مناقشة قانون هجرة مدروسة وحق لجوء فعال في 22 إبريل/نيسان 2018، الحكومة الفرنسية بأن تقدم إلى البرلمان تقريرا عن الإحصاءات المتعلقة بالزواج الاحتيالي وعن فعالية التدابير القائمة، من أجل الحصول على إجابات.
منع قانوني
تنص المادة الأولى من مشروع قانون “تعزيز مكافحة تزوير الزواج” على منع الأجانب المقيمين بطريقة غير شرعية في فرنسا من عقد الزواج مع مواطن فرنسي على الأراضي الفرنسية.
ويؤكد النواب المتقدمون بمشروع هذا القانون في بيانهم التوضيحي المنشور على الموقع الرسمي للمجلس الوطني، على أن مقيمين غير شرعيين يتزوجون من مواطنين فرنسيين للخروج، من وضعهم غير القانوني، الأمر الذي يؤدي إلى مخاطر الزواج الرمادي، إذ إن المواطن الفرنسي يجد نفسه في الحالة الأخيرة في موقع الضحية، مشيرين إلى أن المهاجر غير الشرعي يهدف إلى تجنب الترحيل إلى الحدود، ليصبح فرنسياً، على الرغم من دخوله غير القانوني، أو الحصول على تصريح إقامة “حياة خاصة وأُسرية” من خلال حالة زوجته، لكن بالمقابل فإن المحامي الفرنسي دافيد أندريه دارمون المختص بقانون الأجانب في محكمة نيس الفرنسية لـ”العربي الجديد” يؤكد أن القوانين الحالية تظل سارية المفعول وما تزال تطبق حتى يتم إقرار القانون الجديد.
ويزور أعوان الأمن الفرنسي بشكل مفاجئ المقيمين ممن يشكون في أن زواجهم بفرنسية ينتمي إلى الأنواع السابقة، وهو ما يعده الناشطون الحقوقيون العرب تضييقا على أبناء جلدتهم من المتزوجين بفرنسيات، لكن في المقابل، فإنّ الأمر من وجهة النظر الفرنسية مهم من أجل التثبت من أن الحياة الزوجية قائمة ومستقرة في منزل الزوجية، وفق ما يقوله الناشط محمد بحر، وهو ما حدث مع الأربعينية الفرنسية كلار كولمان التي تعمل في مركز تجاري في باريس، بعد زواجها من تونسي تكبره بـ 7سنوات، إذ “كان رجال الشرطة يدخلون المنزل للتثبت من وجود ملابس الزوج في الخزانة، وأدوات الحلاقة في الحمام، والتثبت مما إذا كان يبيت في المنزل، أم لا، وإن كانت لنا صور مشتركة في المنزل”. وتابعت “بالمختصر يتثبتون من كل التفاصيل التي تؤكد أننا نعيش سويا لمدة عامين، لمعرفة إن كان الزواج حقيقيا أم لا” وتضيف لـ”العربي الجديد”، أن مكتب ضابط الحالة المدنية التابعة لبلدية إفري سور سان التابعة لمنطقة فال دي مارن في الضاحية الباريسية استدعاهما قبل الزواج، ووجّه لهما أسئلة، كل على حدة، عن أسماء والديهما وأجدادهما وأخوانهما وأصدقائهما المقربين، وتاريخ ميلادهما والمناسبات التي كانا فيها سويا وبعض الأسئلة الأخرى الدقيقة، من نوع هل يحمل زوجها وشماً، أو علامة على جسمه؟!
عقوبات قانونية
تعاقب المادة L623-1 من قانون الدخول والإقامة للأجانب واللجوء المنقح في 16 يونيو/حزيران من عام 2011 تحت رقم 672ـ2011 “بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة مالية 15 ألف يورو (ما يعادل 20 ألف دولار) على توقيع عقد الزواج، لغرض وحيد هو الحصول على تصريح إقامة، أو الحصول عليه، أو لغرض وحيد هو اكتساب الجنسية الفرنسية، أو الحصول عليها، وتنطبق هذه العقوبات نفسها في حالة التنظيم أو محاولة تنظيم الزواج للغرض نفسه، إذ تصل العقوبة بالسجن 10 سنوات، وبغرامة مالية تصل إلى 75000 يورو (ما يعادل 87 ألف دولار) في حال ارتكب الجرم من قبل عصابة منظمة”.
ويقول المحامي الفرنسي من أصل تونسي ناصر عزاوز، المختص في قانون الأسرة وحقوق الأجانب والجنسية في فيدرالية التونسيين لـ”العربي الجديد” إن زواج المصلحة يعتبر جريمة جزائية يعاقب عليها القانون بالسجن وغرامة مالية، إضافة الى سحب كل ما يتمتع به المستفيد من الزواج من امتيازات إدارية انتفع بها بفضل الزواج.
وتنص المادة 180 من القانون المدني المنقح بقانون عدد 399ـ2006 الصادر في 4 إبريل/نيسان 2006 على إلغاء الزواج في حالة إثبات أن الزيجة تهدف إلى الميزة المالية، أو التجنس وإذا تبين أن الزواج يبرم مع شخص أجنبي لغرض وحيد هو جعله يحصل على الجنسية الفرنسية، فيجوز بطلان الزواج المطلق ويسحب من المنتفع بالزواج الجنسية الفرنسية أو بطاقة إقامة المتحصل عليها بفضل الزواج، لكن زوج الأربعينية الفرنسية كلار كولمان لا يخشى من هذا الإجراء القانوني، لأنهما تزوجا عن حب كما تقول.
العربي الجديد