صلاح حبيب

واحترق أعرق الأسواق بأم درمان!!

لم يشهد سوق أم درمان الكبير العريق وطوال تاريخه الممتد لأكثر من قرن أن تعرض إلى مثل هذا الحريق الذي قضى على الكثير من المحال التجارية ومن بينها محلات العطور والكريمات وزنك اللحمة والتوابل والعِدة، وغيرها من المحال التي تعرضت لأسوأ كارثة يشهدها السوق في نهاية العام 2018 كأبرز حدث تشهده البلاد، إن سوق أم درمان هو الحياة التي يتنفس من خلالها أهل أم درمان التي تحمل الكثير من الذكريات للأجيال الباقية من أبنائها، وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي تعرض لها التجار والتي فاقت المليارات، ولكن حتى الآن لم تحدد الجهات المختصة أسباب هذا الحريق، إلا أن أهلنا بقولوا لينا مافي دخان بلا نار، وهذا يعني أن هناك أصابع لعبت دوراً كبيراً في اشتعال السوق ولها مصلحة في هذا الحريق، وإذا كانت بعض المحال التجارية قد تعرضت الفترة الماضية إلى السرقة المنظمة مثل أحد محلات الصاغة فهذا يدل على أن أي شيء يحدث في هذا السوق لابد أن يكون وراؤه فاعلاً، فسوق أم درمان الذي يعد نموذجاً مصغراً لأهل أم درمان المشهورين بالطيبة والسماحة وإغاثة الملهوف..

فليس من المنطق أن يجري فيه الذي جرى وفي الساعات الأولى من الصباح، لماذا تم الحريق في هذا الوقت بالذات لماذا لم تندلع النيران في السادسة مساء أو منتصف النهار لماذا في الوقت الذي غاب منه الناس حتى السواري ربما لم يكن موجودا في تلك اللحظة وهي اللحظة التي يتم فيها تنفيذ كل منكر حتى اللصوص لا ينفذون سرقاتهم إلا في هذا الوقت التي تهجع فيه الكلاب ويغط الإنسان في نوم عميق، إن السوق يحمل الكثير من الذكريات الجميلة، حتى للذين تعرضت محلاتهم إلى النيران قهوة “يوسف الفكي” والشاي باللبن و”جورج مشرقي” والباسطة وسوق الموية، ويقال إن هناك طرفة “لجورج مشرقي” صاحب المحل الأعرق لتناول الشاي وغيره من الحلويات، فكان المواطنيون الذين يقصدون المحل لتناول الشاي كانوا يصفقون إلى الجرسون وهو المعني بطلبات الزبائن، فكلما جاء إلى زبون طلب منه ماءً فلما كثرت هذه الطلبات قال لأحد الزبائن أنت فاكر نفسك في سوق الموية؟ هذه قهوة، وسار على ذلك بسوق الموية أي أنه محل لتناول الشاي وليس سوق للموية، فسوق أم درمان انصهرت فيه كل الأجناس المسلمين واليهود والمسيحيين والبوذيين، شارع العدني وهو يمني الجنسية، يقصده أبناء أم درمان وزواره لشراء أحدث الموضات وقتها، والسوق مقسم بعناية فائقة زنك الخضار واللحمة والعِدة سوق الجلود سوق الخيش والحدادين والسمكرجية وأسواق الكريمات والأرياح، التي احترق الكثير منها، وبه العمارات المشهورة التي تحوي العديد من احتياجات المواطنين، مثل عمارة “البرير” والتي تعد تجمعاً كبيراً لألعاب الأطفال، وغيرها من الاحتياجات التي يقصدها أهل المركز والولايات، والسوق يحمل الكثير من الملح والطرائف..

فتجد التجار ومنذ الصباح الباكر يتلاطفون فيما بينهم، ويتناقشون في السياسة والرياضة، وهو بمثابة منتدى كبير يتعلم منه الصغار والكبار فنون السياسة والتجارة ويعرفون ما لم يعرفه أهل السياسة وما يجري فيها فهم يقرأون الصحف ومعظم الدوريات بعناية فائقة ويحفظون أسماء الكتاب ويتابعونهم حال الانتقال من صحيفة إلى أخرى وتربطني بالكثيرين منهم أواصل الصداقة والمعرفة من خلال ما نكتبه فكم من شخص يوقفك دون أن تكون بينك وبينه معرفة إلا من خلال الأعمدة التي تلامس قضاياهم ومشاكلهم الحياتية، نسأل الله أن يعوض كل إخوتنا الذين تعرضت محلاتهم إلى الحريق وإن يخلف عليهم خيراً وبركة.

صلاح حبيب – لنا رأي
صحيفة المجهر السياسي