رأي ومقالات

لينا يعقوب: إعاقة الفكر، لا الجسد

من ذوي الاحتياجات الخاصة، تغلّب على نقص إحدى الحواس، بقوة الإرادة وروح التحدي، ترك وراءه الأحكام المسبقة ونطرة المجتمع التقليدية، مضى نحو هدفه برغبة وثقة، متمنياً أن يحقق نجاحاً ويترك بصمة.

كانت البداية الأولى حيث تمنى واشتهى، قُبِلَ في جامعة الخرطوم كلية الآداب، فقد كان عازماً على دراسة اللغة الفرنسية، لكنه ما كان يظن أنه سيصطدم بمواقف لا تليق بأعرق مؤسسة تعليمية، أن تتلكأ وتتباطئ في قبوله لأنه “كفيف”!

يقول أحمد عبد العظيم لموقع (باج نيوز) إنه ذهب لمقابلة رئيس قسم اللغة الفرنسية، التي اعتذرت له بعدم إمكانية قبول مكفوفين لعدم وجود مُعينات بالقسم، وتُبرر أن مساعدي التدريس اعترضوا على قبولهم “لأن الكتابة للمكفوفين ليست من مسؤولياتهم”.
اتجه بعدها أحمد إلى نائب عميد الكلية، وهي سيدة أيضاً، لتبلغه أن الجامعة وضعها متدهور وقبول المكفوفين متوقف منذُ ثلاث سنوات!
لم ييأس أحمد، فأصر على مقابلة عميد الكلية – وهي السيدة الثالثة – وقد كانت مقابلة جارحة، سمع فيها حديثاً غير لائق.. “أنه لو تم قبوله هناك أشياء لن يستطيع القيام بها وسيكون مثله مثل الببغاء”.

وقد وضعت عليه العميدة شروطاً قاسية، بأن لا يحق له اختيار لغة غير العربية كلغة إضافية مع الفرنسية، رغم إحرازه 90% في الإنجليزية في امتحان الشهادة السودانية، وأن يتم التصحيح له من (50) وليس كبقية الطلاب، وستتم أيضاً معاملته كطالب “عادي” لا التزامات من الجامعة نحوه!

هل يعقل أن تكون هذه، جامعة الخرطوم العريقة، السبّاقة في التعليم والمفاهيم والأفكار، التي كانت ملاذاً وملجأً لأصحاب الهمم؟!
جامعة بهذه الضخامة لا تستطيع توفير معينات لذوي الاحتياجات الخاصة، وتُحطِّم رغبات طلابها بالنصح الفطير!
بدلاً من أن تفرح الكلية أنها تُساعد في بناء مجتمع، وتُخرّج أكفاء أذكياء مقتدرين في مختلف التخصصات، تتعذر وتتلكأ للمحتاجين إليها، الراغبين فيها!
في وقتٍ يتبارى فيه العالم بتقديم الدعم والتشجيع والمساندة بأشكال مختلفة لذوي الاحتياجات الخاصة، تتلكأ جامعة الخرطوم في قبولهم وتضيع سنينهم.

رفض تسجيل أحمد ثم القبول على مضض، أضاع عليه أشهراً من الدراسة، فقرَّرت الكلية تجميد سنته الدراسية ليتلحق باللغة الفرنسية العام المقبل!
تقول الجامعة في بيان رسمي لها، تُبرِّر فيه ما حدث لأحمد، إنها ترعى المكفوفين وتقدم لهم الكثير من الخدمات، منها إعفاؤهم من رسوم الدراسة وتقديم إعانة مالية شهرية لهم.

من قال لهم إن ذوي الاحتياجات الخاصة هم عادةً من الفقراء، يسعدون بإعفاء الرسوم وبالحصول على إعانات!
لماذا تُشعرهم الجامعة بأنهم ناقصون لا بد من تعويضهم بالمال؟!
يا سادة.. راجعوا موقفكم واهتموا بأحمد وآخرين، فالإعاقة، هي إعاقة الفكر لا الجسد!

لينا يعقوب