“ميثاق الشرف” يقسم الوسط الصحافي السوداني
انقسم المجتمع الصحافي في السودان على نفسه بعد توقيع رؤساء تحرير الصحف السياسية اليومية على ميثاق شرف الصحافي، الخميس الماضي، وسط دعم من الحكومة برئاسة معتز موسى، والبرلمان، وجهاز الأمن الوطني.
وبحسب ما جاء في الميثاق فقد تكفلت الدولة وأعلنت التزامها بحرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي، مع التزام كافة وسائل الإعلام بأخلاق المهنة وبعدم إثارة الكراهية الدينية أو العرقية أو العنصرية أو الثقافية والدعوة للعنف والحرب.
كما أكّد الموقّعون من رؤساء التحرير التزامهم الكامل بالدستور، ودعم جهود المصالحة الوطنية، وبالمواثيق المهنية الدولية الحاكمة لأخلاقيات مهنة الصحافة، مع احترام حق الجمهور في الحصول على المعلومات الصحيحة، والالتزام في كل ما ينشر بمعايير مهنة الصحافة ومقتضيات الشرف والأمانة بما يحفظ للمجتمع قيمه ومثله المرعية ولا يخدش الحياء العام وبما لا ينتهك حقاً من حقوق المواطن أو يمس إحدى حرياته.
وألزم الميثاق الصحافيين بعدم الانحياز إلى الدعوات العنصرية أو المتعصبة أو التي تنطوي على امتهان الأديان والمعتقدات أو الدعوة إلى كراهيتها أو الطعن في إيمان الآخرين أو تلك الداعية إلى التمييز أو الاحتقار لأي من طوائف المجتمع أو الأشخاص، مع احترام خصوصية الأفراد والجماعات وعدم الإساءة إليهم أو القذف في حقهم، وعدم استخدام وسائل النشر الصحافي في اتهام المواطنين بغير سند أو في استغلال حياتهم الخاصة للتشهير بهم أو تشويه سمعتهم أو لتحقيق منافع شخصية من أي نوع أو لجوء الصحافي لابتزاز الآخرين بأي شكل من الأشكال.
ومنع الميثاق نشر أي مواد أو أخبار حول القوات النظامية وخططها وأنشطتها وتحركاتها إلا نقلاً عن الناطق الرسمي باسم القوة المحددة أو نقلاً عنه، وعدم نشر الوقائع “مشوهة أو مبتورة” وعدم تصويرها أو اختلاقها على نحو غير أمين، والتحري بدقة في توثيق المعلومات ونسبة الأقوال والأفعال إلى مصادر معلومة، مع الالتزام بتصحيح كل خطأ في نشر المعلومات وإتاحة الفرصة لحق الرد.
ويمضي الميثاق أكثر حينما يحثّ الصحافيين على الالتزام بالمصالح الوطنية والثوابت الوطنية والوعي بالأجندات الخارجية التي تستهدف الوطن عبر مختلف آليات التأثير والاستقطاب، خصوصاً المنظمات والسفارات الأجنبية.
وحظر الميثاق على الصحافي استغلال مهنته في الحصول على هبات أو إعانات أو مزايا خاصة من جهات أجنبية أو محلية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما حظر عليه العمل في مجال الإعلانات. ومنع في نفس الوقت تهديد الصحافي أو ابتزازه بأي طريقة في سبيل نشر ما يتعارض مع ضميره المهني أو لتحقيق مآرب خاصة بأي جهة أو لأي شخص، أو حرمانه من أداء عمله أو من الكتابة دون وجه حق بما يؤثرعلى أي من حقوقه المادية والأدبية المكتسبة، مع ضمان أمنه وتوفير الحماية اللازمة له أثناء قيامه بعمله في كل مكان عام وبخاصة في مواقع الأحداث ومناطق الكوارث.
وخلال حفل التوقيع، جدد مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، الفريق أول صلاح عبد الله قوش، دعم الجهاز للحرية الصحافية، لكنّه حذر بشدة من محاولات سفارات في الخرطوم لاختراق الصحافيين السودانيين بالاجتماع معهم وتقديم الهدايا لهم وتغذيتهم بالمعلومات. كما أعلن كل من رئيس الوزراء، معتز موسى، ورئيس البرلمان، إبراهيم أحمد عمر، دعمهما وتبنيهما لميثاق الشرف الصحافي.
غير أنّ الميثاق وجد معارضة كبيرة وسط الصحافيين، إذ يرون أن لا جدوى منه في ظلّ وجود قانون خاص بالصحافة يقيد العمل الصحافي ويفرض عليه أشكالاً من العقوبات، مشيرين إلى أن وضع مواثيق الشرف يتم في دول ليس لها قوانين خاصة بالصحافة، وإلى أن تطور حرية الصحافة في البلاد مرتبط بالمناخ السياسي العام إذا تحسن سينعكس ذلك على الصحافة والصحف، وإذا تأزمت البيئة السياسية والقانونية فلن يكون هناك مجال أو تفاؤل بتحسن أوضاع حرية الصحافة.
ومن الجهات التي أعلنت معارضتها مبكراً للقانون، شبكة الصحافيين السودانيين، وهي تنظيم غير معترف به من جانب الحكومة، لكنها تنشط باستمرار في الدفاع عن الحرية الصحافية وأوضاع الصحافيين.
ويقول عضو سكرتارية الشبكة، خالد فتحي، لـ”العربي الجديد” إنّ ميثاق الشرف الصحافي الموقّع في البرلمان مرفوض من القاعدة الصحافية، حتى وإن كان مبرّأ من كل عيب، وذلك لأن الجهات التي اشتركت في إعداده لا تمثل الصحافيين مطلقاً، وأن الحكومة وجهاز الأمن والبرلمان الذي رعى الميثاق كلها جهات تريد أن تكون وصية على الصحافة “لكن هيهات! الصحافة لن تكون مسؤولة إلا أمام القراء ولا يمكن محاسبتها إلا أمام القضاء العادل”، مشيراً إلى أن “الميثاق ليس الأول من نوعه، وفي كل مرة تدعي الحكومة بأنها تريد بتلك المواثيق إنهاء الإجراءات الاستثنائية من مصادرة للصحف وإيقاف للصحافيين ومطاردتهم، لكن تكون النتيجة في كل مرة مخيبة للآمال”.
وأضاف فتحي أن القاعدة الصحافية لم يتم استشارتها والأخذ برأيها حول ما جاء في الميثاق، لذا جاء بعيداً عن عن تطلعات الصحافيين ومستقبل الصحافة.
على الضفة الأخرى، وجد الميثاق تأييداً من تنظيمات أخرى، ترى فيه محاولة جادة لشرح وتفصيل ما جمعه القانون الذي تحدث عن مضامين، مشيرين إلى أن الميثاق بمثابة معايير أخلاقية لمهنة الصحافة وينظر في العيوب والأخطاء والطبيعة المهنية المتعلقة بالتزام الصحافيين بقواعد العمل الصحافي والمبادئ العامة التي ترتكز عليها مهنة الصحافة. ويقول الأمين العام لإتحاد الصحافيين السودانيين، صلاح عمر الشيخ، لـ”العربي الجديد” إنّ ميثاق الشرف الصحافي هو امتداد لميثاق آخر تم توقيعه 2009 وأدرج في قانون الصحافة والمطبوعات، مشيراً إلى أن البنود الواردة في الميثاق الجديد مستلهمة من الميثاق الدولي وأن الهدف منه هو خلق علاقة جديدة مع الأجهزة الأمنية التي تفرض في بعض الأحيان إجراءات استثنائية على الصحف والصحافيين.
وأشار الشيخ إلى أنّ لجنةً مستقلة مشتركة من كبار الصحافيين والاتحاد وجهاز الأمن ستنشأ بموجب الميثاق الجديد، من مهامها حلحلة المشكلات والنظر في القضايا ذات الأبعاد المهنية والتقرير بشأنها منعاً لحدوث أية مصادرات أو أي إجراءات استثنائية أخرى، مبيناً أن الميثاق بشكله الجديد سيتم تضمينه مع مشروع قانون الصحافة المقترح، عازياً عدم إشراك القاعدة الصحافية في إعداده والاكتفاء بتوقيع رؤساء التحرير إلى أن ّ”رؤساء التحرير وحدهم هم الذين يقررون في النشر أو عدم النشر”.
العربي الجديد