أبرز العناوينرأي ومقالات

لماذا نحن بهذه الجمال والمثالية خارج بلادنا، وما أن نعود إليها تنقلب الصورة ويندلق الحبر ويعوجُّ الظلُّ وينشقُّ العود وتضيقُ الأرض؟!

روعة وجمال
-1-
لا أدري، هل المشاعر التي غمرتنا ونحن في أبوظبي، وصل طيب شذاها وفوحها الزاكي إلى السودانيِّين في كُلِّ مكان، عبر الأثير وشاشات التلفزة؟

لا أُحبُّ الجهر بالثناء ومدح الذات الوطنية في كُلِّ مرَّة، يبرق فيها اسم السودان في المُناسبات الخارجية، فنُفاخر بتاريخنا ونُباهي بخصالنا السَّمحة، ونُزايد على غيرنا بالفضل وسابق العطاء والتميُّز!

-2-
ما رأيتُه في إمارة أبوظبي، خلال الأيام الماضية، رسَّخ إيماني بعظمة الشعب السوداني وتميُّزه وحيويَّته.
صعبٌ عليَّ حبسُ دمعة لَحوحة باغتتني باستاد محمد بن زايد، وأنا أُشاهد لوحةً وطنيةً زاهيةً وعنفواناً اجتماعياً بهيراً، لم أرَ له في القريب مثيلاً.
امتلأتْ مقاعدُ الاستاد بالأُسَر السودانية، رجالاً ونساءً وأطفالاً، جاءوا من كُلِّ الإمارات وبعض دول الخليج، وآخرون حضروا من الخرطوم بأجنحة الشوق لمُشاهدة المباراة.

-3
كانوا مُتناغمين ومُنسجمين، ما يجمعهم أكثر مما يُفرِّقهم، منظمين في كُلِّ شيء: الأزياء، والتشجيع، وترديد النشيد الوطني بصوتٍ واحدٍ وإحساسٍ مُشترك.
يتبادلون الابتسامات والقفشات وكبابي القهوة والشاي، كُلُّ واحدٍ كان حريصاً ألا يصدر منه ما يُخِلُّ بإجمالية تلك اللوحة. الجمهور قام بتنظيف المقاعد لا تحطيمها، واللاعبون رتَّبوا غرفهم قبل المُغادرة.

-4-
المُباراة رغم سخونتها التنافسيَّة على كأس الشيخ زايد، بتوجيهٍ وتمويلٍ من ابنه المفضال شيخ منصور؛ كانت امتداداً لذلك الجمال وتلك الروعة على مستوى الأداء الفني والأخلاقي، حتى دموع النعسان غسلت عن المريخاب حُزن الهزيمة ومرارة هدف الثواني الأخيرة بالنيران الصديقة، ووجد اللاعب المكلوم المواساة من لعيبة الهلال قبل أن يجدها من زملائه في المريخ. تجد لاعباً هلالابياً مُصاباً يتلقَّى الإسعاف من طاقم المريخ الطبي، وتجد لاعبي المريخ يُحيّون جماهير الهلال رغم الهزيمة، فيردُّون التحية بأحسن منها.

-5-
كُلُّ شيءٍ كان هناك في موضعه البديع، في تمام الزينة وكمال الروعة.
سألتُ نفسي: لماذا نحن بهذه الجمال والمثالية خارج بلادنا، وما أن نعود إليها تنقلب الصورة ويندلق الحبر ويعوجُّ الظلُّ وينشقُّ العود وتضيقُ الأرض؟!
هل ما حدث باستاد محمد بن زايد نوْبةٌ جماليةٌ عابرةٌ سرعان ما تذوب وتتلاشى، ثم تُعيدُنا الأيَّام إلى قديم الشقاق والجفاء وحضيض المُهاترات؟

-6-
هل ما حدث وأَسَرَنا وأفرحنا هو الأصل المخفيُّ خلف ركام الإحباط، أم أن العرض الجمالي كان طارئاً، نزولاً على قاعدة (يا غريب خليك أديب).
-7-
بعضُ سرِّ اللوحة فرضته عبقرية المكان، مسرح الحدث وكرم وذوق المستضيف. فتحت أبوظبي أذرعها الخضراء وقلبها الأبيض، بكُلِّ الرّحب والسّعة لجميع السودانيين، قادمين ومقيمين، دولة تنتمي إلى عصر ما بعد الحداثة وأقدامها على الإرث ثابتة، المباني الشاهقة تحكمها معاني وقيم أرساها الأب وحفظها الأبناء، والحداثة لم تُغيِّرْ جوهر الشخصية الامارتية، ولم تنقصْ كرم عطائها.

محبَّةٌ إماراتيَّةٌ صادقة فاضت على كُلِّ من كان هناك، وما قدَّمته قناة أبوظبي الرياضية من صور جمالية عبر كُلِّ الأجناس التلفازية، ليس له مثيلٌ ولا مُقارب. تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي مُقدِّمات مديرها العام يعقوب السعدي ذلك المبدع الصميم صاحب الموهبة الباذخة والحضور المُميَّز، وهو ينثر الدرر ويتغنَّى بأمجاد السودان، ويترنَّم بأشعاره وأغانيه. ما قدَّمته قناة أبوظبي في خمسة أيام في تسويق صورة السودان الآخر غير الذي تعرضه فضائيات الحروب والكوارث والأمراض، لم يسبقها إليه خلال خمسين عاماً كُلُّ أجهزة إعلامنا الوطنيِّ منذ التأسيس إلى اليوم.
-8-
كان سفيرُ الإمارات في الخرطوم السيد حمد محمد الجنيبي، يقف بهمَّة دبلوماسية راقية، في مُتابعة كُلِّ صغيرة وكبيرة، يُذلِّل الصعاب ويُوفِّر أفضل الفُرص لتحقيق النجاح، كذلك كان السفير محمد أمين الكارب دبلوماسيَّاً من طراز خاص، يُنظمُّ ويُرتِّب ويطمئنُّ على أحوال الجميع، لا يغيب عن منشطٍ ولا تفتقده بقامته المديدة وبشاشة أهل مدني السني وسماحتهم، حيث يجب أن يكون.

-أخيراً-
كتبتُ على صفحتي في (فيسبوك) قبل المباراة بدقائق: (ليس المُهمُّ من ينتصر، المُهمُّ مباراة تُشرِّفنا جميعاً، المهزوم قبل المنتصر).
نعم، لم يكن المُهمُّ من ينتصر ومن ستُحيق به الهزيمة، كان المُهمُّ أن ينتصر السودان في معركة تأكيد الذات الوطنية، ورفع قيمة أسهم الوطن في بورصة الشعوب والدُّول.

ضياء الدين بلال

‫15 تعليقات

  1. كُلُّ شيءٍ كان هناك في موضعه البديع، في تمام الزينة وكمال الروعة.
    سألتُ نفسي: لماذا نحن بهذه الجمال والمثالية خارج بلادنا، وما أن نعود إليها تنقلب الصورة ويندلق الحبر ويعوجُّ الظلُّ وينشقُّ العود وتضيقُ الأرض؟!

    لاننا نجد الاحترام كبتى ادميين. ونجد من يقدر كفائتا ومن يحسسنا باننا بشر. وبالمقابل نعطى بكل همة. امنحونا نصف ما يمنحنا الاخرون ثم اسالونا.

    1. لان الحقيقة المرة وللاسف ان النظام قام بتشريد كل صفوة الشعب السوداني خارج البلد ، الفي الخارج يا سادة هم قادة الخدمة المدنية في عهدها الزاهر و المثقفين والعلماء الذين ذهبوا مع ريح الولاء قبل الاداء ، لذلك يتعاملون بكل ماهو سوداني جميل تلك القيم والمثل التي توراثوها وتعلموها وعلموها فكانت نبراسا يهدي شعوب العالم للرقي ، تلك القيم والأخلاق والطيبة التي عرفت العالم بالشعب السوداني .
      من بقي بالبلد أما المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة أولئك الذين شغلهم النظام في لقمة العيش فصاروا يتخبطون ليل نهار من اجل ابنائهم واسرهم أو
      أولئك المنتفعين أصحاب الولاء لصوص النظام عديمي الأخلاق والمثل والتربية سارقي ثروات الامة الذين جاءوا في غفلة من الزمن مستحدثي النعمة بلا تعب وهم الذين يملكون المال والوقت فنجدهم يعيثون في الارض فسادا ، هم حتما لن يخرجوا خارج البلد لأنهم ببساطة لا يمتكون المؤهلات التي يطلبها الآخرون أولا ويحتاجون للعمل في الخارج ببساطة عندهم أكثر ما يكفيهم

  2. لكل مقام مقال ولكل حالة لبوس يا استاذ ضياء
    ليس قدحا فى السودان ولا مدحا للإمارات ولكنها الحقيقة مجردة
    فبقدر العطاء يكون الأخذ والجزاء من جنس العمل
    فإن وجدت المعاملة كإنسان ستتعامل كملاك والعكس

  3. الاعلام الفاسد في السودان وخاصة الاعلام الرياضي هو السبب في ان الصورة في السودان عكس ما شاهدناه في اتاد محمد بن زايد وليس بعيدا عنكم ما قاله المدعو مامون سايفون (ابوشيبة) هذا المعتوه رائحة السايفون اطهر وانقي من قلمه ، هذا مثال لاعلامنا الفاشل

  4. لانه لايوجد استاد يجبرك على احترام ولاتوجد كميرات تراغب كل صغيرة وكبيرة بإختصار المكان يجبرك على الاحترام

    وحيث لابوجد مكان ولازمان له احترام في السودان ؟؟؟؟؟

    عل القائمين بشأن الدولة احترام الانسان يحترم الانسان المكان والله المستعان

  5. بعضُ سرِّ اللوحة فرضته عبقرية المكان، مسرح الحدث وكرم وذوق المستضيف … أهو جبتها لحالك

    أبوظبي بها نظام وقوانين الكل يحترمها مقيم ومواطن .. وهذه الحكومات وفرت للمواطن كل سبل العيش الكريم لدرجة الرفاهية ولذلك تجد الكل راقي في تعامله ولا يخرج عن المألوف

    المواطن عندنا يكابد الليل على النهار عشان يوفر ضروريات الحياة له ولعياله وعليه ضغوط حياتيه كثيرة … وتنقصه معظم الخدمات علاج وتعليم ومواصلات وبنية تحتية ..وبعد دا دايرو يكون راقي ؟!!!

    نسأل الله أن يصلح حال السودان ….

    نحبك ياسودان

  6. كلامك لن توفق فيه اي نظام بغض النظر مين الحاكم الدولة هي من توفر وتساند الوعي هل هنالك مسؤول لديه وعي اليوم اي تفلت من خلفه مسؤول اي فساد من خلفه مسؤول اي تردي في الخدمة خلفه مسؤول اذا وفرت الدولة ادنى مقومات الحياة للناس تلقائيا سوف تشاهد شارع راقي لكن فاقد الشيء لا يعطي .. من يفحط من يعاكس رجل الشرطة ولد وزير ولد مسؤول

  7. لأن سادتنا وكبراؤنا اضلونا السبيل ولم يكونوا قدوتنا..
    بل تغدوا بمال تعليم الابناء وعلاج المرضى واكثروا من الفساد والخلل الاداري ….
    لان محلياتنا لاتقدم لنا ابسط الخدمات ……
    لان النظام التعليمي عندنا انهار بفعل فاعل ……
    لان الترضيات والمناصب ليست بالكفاءة وانما لمن حمل السلاح وتمرد ولمن ارتفع صوته هي لله هي لله وهو كذوب…..
    . لأن الغالبية من كنا نعدهم من الأخيار وقعوا في فتنة المال والسلطة ولا اقول فتنة النساء……
    لان سياسة التمكين قدمت الفاسد على المخلص والكاذب على الأمين والفاشل قبل المؤهل ……
    نحن هكذا بالخارج لأن من أتى لاتقاذنا من المحسوبية والحزبية قال لنا انتم جميعا سواسية ولكننا اكتشفنا بعد فوات الاوان أن
    “All people are equal, but some people are more equal than others.”
    ايكفي هذا استاذ ضياء ام تريد المزيد؟

  8. هم السودانيين كما عرفناهم … لاجديد.. وإنما ما يجدون من ذل وألم في بلادهم اذهب عنهم الجمال … هذا السؤال إجابته في هذه الحكومة التي انت تمجد فيها وتنعم بسفريتها مع الرئيس… الأزمة في الذل الذي يتعرض اليه الشعب السوداني والفرضية في اكل ماله العام بغير حق… الأزمة في المحسوبية وسكوت الإعلامين عن قول الحق مقابل الجاه..

  9. هذا واحد من المتطبلين من القطط السمان؟ هل سالت نفسك كيف حال السودنين العاديين في وسط اواطراف مدن امدرمان او االخرطوم ناهيك عن الاقاليم والاحياء ؟ هل حسيت بحالهم ياشاطر؟ هل تعلم هنالك اسر تسارع طوال اليوم من اجل قطعة خبز اودقيق؟ وماذا يفيد ان تتباهي بسودانين في بلد غير بلدهم ؟ ارجع لمحطة جاكسون لتري كم هي متسخة فماذا تقول؟ دائما تتغنون ببلادا وتنسون بلادكم؟ نعم ولما لا؟ سرقتم موارد هذا البلد واشتريتم عقارات فيه ولذلك تمدهونه وتنسون بلادكم ايها المتطبلين المنافقين؟ علي السودانين القيام بذلك العمل في بلدهم قبل القيام به في بلد اخر؟ لكن تربية بني كوز التباهي بعمل الاخر بعدما ملئ بطنه بمال السحت؟؟؟

  10. باختصار
    الناس ديل احترموا انسانيتنا و قدورا خدماتنا و نحن ردينا التحيه بمثلها. ولا نقول باحسن منها.

  11. لانه السودانيين بره السودان بيخافو من العقاب والسجن والطرد، يا كوز.

  12. لماذا نحن بهذه الجمال والمثالية خارج بلادنا، وما أن نعود إليها تنقلب الصورة ويندلق الحبر ويعوجُّ الظلُّ وينشقُّ العود وتضيقُ الأرض؟!
    لاننا لم نأتي للإستاد من صفوف العيش والبنزين وبالنسبة
    لأننا نعامل بإنسانية وطيبة وإحترام
    لأننا فئة مميزة ليس فينا شماسة ولا رجرجة ولا دهماء

  13. للأسف نحن أناس تستهوينا عواطف الوطنيه والقوميه ، وتشيلينا هاشميتها ، نتحرك بها ونفاخر عليها ونزائد بها ، وما أن نعود فيكون العود ليس بأحمد ، فكأننا عبيد عين ، تستهوينا مظلة الوطن ، نتكئ علي ماضي نظيف نسمع به ولم نضيف عليه ، نفتخر بجعوليتنا ولو خالفة السنن ، أحياناً ممكن أن نسمي ذلك نفاق أو قل بكاء علي لبن مسكوب وحنين الي ماضي لم نحافظ عليه ناهيك أن نطوره ، فتجد الطبيب لا يتحمل كف في وطنه بينما يقابل الكفوف بالدفوف خارج الوطن ، اذن نحن نعتز بوطن لم ولن نطوره