تحقيقات وتقارير

أُطلق سراحه بالضمانة العادية فضل محمد خير .. آخر القادمين عبر التسوية

يعد رجل الأعمال والنائب البرلماني، فضل محمد خير، أبرز الوجوه التي صوبت عليها السلطات المختصة أنظارها في حملتها الأخيرة في إطار مكافحة الفساد،

وتم بموجبها اعتقاله، ثم تتالت الأخبار عنه تارة بالإفراج عنه وتارة بقبوله بإجراء تسوية مالية تتضمن شطب الدعاوى المرفوعة ضده، والثابت أن فضل شغل الساحة خلال الفترة الماضية، ولا يكاد يمر يوم دون ذكر له، بسبب ما تقول الحكومة إنها دعاوى تجاوزات مالية وفساد تورط فيها الرجل، فمن هو فضل محمد خير، وما هي الأنشطة التي كان يقوم بها، ثم الأهم ماذا بعد إطلاق سراحه بعد تسوية القضية.

بروفايل

ولد فضل محمد خير، ونشأ في مدينة السوكي بولاية سنار، والتحق فيها بالدراسة الابتدائية، وأرجح المرويات عنه تتفق على أنه لم يكمل تعليمه، حيث توقف عند المرحلة الثانوية بمدرسة مدني الصناعية، فيما تقول بعض الروايات أنه لم يزد على السنة الرابعة الأولية إبان دراسته بالسوكي، والتحق بعدها بالتجارة مشتغلاً في الأسواق، وفي منتصف الثمانينات وهي الفترة التي أعقبت انتفاضة رجب – أبريل، عمل في مزرعة اللواء عمر محمد الطيب مدير الأمن في تلك الحقبة، وهي الوظيفة التي مكنته من نسج شبكة واسعة من العلاقات ساعدته في تكوين ثروته الضخمة.

تسوية

كشف مسؤول بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، التفاصيل الكاملة للتسوية.وقال مصدر مطلع ، إن رجل الأعمال فضل محمد خير، المتهم في عدد من البلاغات لدى نيابة أمن الدولة، تقدم بطلب لإجراء تسوية قانونية، نصت على أن يدفع “500” مليون جنيه، بجانب عشرة ملايين دولار.

وأشار المصدر إلى أن الموافقة على طلب التسوية تمت تقديراً للمصلحة العامة، وأكد أن الـ “500” مليون جنيه تم دفعها بالفعل بشيكات معتمدة، وكشف أن العشرة ملايين دولار أودعت بالفعل في الخزينة العامة.

وأكد المصدر أن المتهم قد التزم بالتنازل عن كل الأسهم التي يمتلكها في شركة الأسمنت للسلام، تقدر قيمة تلك الأسهم بحوالى “30” مليون دولار، على أن يتم إكمال إجراءاتها خلال ثلاثة أشهر، وأضاف أنه تم إطلاق سراح المتهم مع استمرار الإجراءات إلى حين اكتمال التسوية.

وقال إن الخطوة تعتبر إحدى الخطوات الجادة والقوية في مكافحة جرائم الفساد ورد المال العام للخزينة العامة عبر تسوية قانونية ناجزة، خاصة وأن المتهم هو من أقر وطلب التسوية.

شركات متعددة

يشغل فضل، منصب نائب رئيس مجلس الإدارة ببنك الخرطوم- ويستحوذ المصرف على نصيب وافر من التعاملات التجارية، كما يملك أسهماً بشركة تاركو للطيران، أما شركاته الخاصة فتتضارب المعلومات حولها، لكن الحقيقة أنها عشرات الشركات تنشط في مختلف القطاعات التجارية، غير الشركات التي يمتلك فيها أسهماً بنسب متفاوتة، وعقب الملاحقات التي تلاها اعتقاله الأخير، أثبتت التحريات امتلاكه “14” شركة مملوكة له بالكامل، يتولي الإشراف على نشاطها عبر أقرباء له. ويعرف عن فضل إنفاقه على عمل الخير بشكل راتب، فهو شديد الحرص على توزيع الإعانات على الفقراء في شهر رمضان المعظم من كل عام، حيث يجهز كميات من سلع الشهر الكريم وتوزع على المحتاجين.

أبرز المعتقلين

عقب إقرار الحكومة لوحدة معنية بمكافحة الفساد، أطلق عليها “وحدة تحقيقات الفساد”، كان فضل أبرز الوجوه المستهدفة، ولما كان الرجل يتمتع بالحصانة بوصفه نائباً بالمجلس الوطني، دفعت السلطات الأمنية بطلب عبر النيابة العامة للبرلمان لرفع الحصانة عنه تمهيداً لإجراء تحقيقات حول مخالفات وتجاوزات، وحوى الطلب وقائع وأدلة، ولكن البرلمان لم يستجب أول الأمر، بحجة أن الوقائع والأدلة- لا ترقى لرفع الحصانة- وهذا ما أثار جدلاً واتهامات وهجوماً على رئيس البرلمان، الذي التزم الصمت ومضى بالتحرك في إطار ضيق مع جهات عليا لتبيين الحقائق عن هذه الواقعة. حتى ذلك الوقت كان “فضل” يتحرك داخل البرلمان بشكل مكثف أكثر مما كان عليه من قبل، وبدأ يتحدث علانية عن الأضرار التي تلحق به جراء هذه الملاحقة، ولما أحس باشتداد الملاحقة وشيوع القضية للرأي العام بادر من تلقاء نفسه بطلب لرفع حصانته، وهو ما تم فعلياً.

رجل مصالح

تاريخياً لم يعرف لفضل انتماء صريح لتنظيمات الاتجاه الإسلامي بتسمياتها المتعددة، ولم يكن في يوم ما إسلامياً بمعنى الانتماء، ولكن كان يميل حيث مالت مصالحه التجارية، وهو ما يفسر تماهيه مع حكومة الإنقاذ عقب استيلائها على السلطة مباشرة، ونجح في تقديم نفسه كأكبر رجال الأعمال المؤثرين، وهو ما يفسر احتفاظه بمقعد برلماني طيلة فترة الإنقاذ بالحكم، وأثمرت خطته فلمع نجمه وتنامت أعماله التجارية وتمدد في عالم المال، بالرغم من ولوجه لعالم المال منذ فترة مبكرة من حياته قبل مجيء الإنقاذ، خلال الفترة التي بدأت مباشرة بعد إنتفاضة رجب- أبريل لكنها تضاعفت كثيراً بعد الإنقاذ.

اختبار جدية الحكومة

وشكلت قضية فضل- اختباراً جدياً لمعرفة نوايا وجدية الحكومة في حملة مكافحة الفساد، ويرى مراقبون أن مآلات القضية وما انتهت إليه من تسوية وإطلاق سراحه ربما قدرت مصلحة عامة ورجحتها بحسبان أن تحويل القضية للقضاء المدني ربما أخذ سنين عددا، بينما يرى آخرون أن الحملة هدفت لكسب ود الرأي العام وتعاطفه في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بالبلاد، مذكرين بغياب أهم آليات مكافحة الفساد المتمثلة في مفوضية الشفافية ومكافحة الفساد التي أجاز البرلمان قانوناً لإنشائها منذ العام 2016، لكنها لم تر النور بعد، فالمفوضية هي الجسم الأكثر استقلالية في القيام بالمهمة، وترتبط مباشرة بقضاء مستقل تقدم أدلتها له ما يمكن من محاكمة المتهمين بالفساد دون تدخل لإجراء أي تسويات.

الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة