رأي ومقالات

ضياء الدين بلال: بشارة بوجود أربعة مليارات دولار على أرض السودان لهذا الموسم الزراعي

امتحان!
صديقنا الدكتور خالد التجاني، من الشخصيات التي تتمتّع بالعُمق التحليلي واتّساع المعرفة بدقائق السياسة السودانية والعالم السري للاقتصاد، ويجمع إلى ذلك، الظُّرف والسخرية اللاذعة، ويغلب على كتابته التشاؤم من مآلات الأوضاع السياسية وعدم توقّع تغييرات تعدل المُعوَجَّ وتُصلح الحال وتُنضج الثمار.
فاجأني خالد، ونحن ضمن وفد مجلس الوزراء، بقصر الضيافة بودمدني، حينما أعرب عن تفاؤله الصريح بتقلُّد معتز موسى رئاسة مجلس الوزراء.
قلت لخالد مُمازحاً: (تفاؤلك في حدِّ ذاته يدعو للتفاؤل واتَّساع العشم) .

يبذل معتز مجهوداً مُقدَّراً لإنجاز مُهمَّة مكافحة جرثومة الإحباط والتيئيس، وإحراز أهداف مُبكِّرة تُكسب الثِّقة وتُريح الأعصاب .
عَقْدُ اجتماعِ مجلس الوزراء بولاية الجزيرة في هذا التوقيت، له أهمية كُبرى ودلالة لا تغيب عن المتابعين؛ فالمزارعون يستعدّون للحصاد ويتهيأون للعروة الشتوية، وتحقيق فائدة كُبرى من الإنتاج الزراعي الوفير في هذا الموسم .
انتقال اجتماع مجلس الوزراء إلى الجزيرة في هذا التوقيت، له قيمةٌ عمليةٌ لا تُنتقص، ومعنوية لا تُزدرى.
قيمته العملية، الوقوف على الحقائق والمعلومات في الميدان، وعدم الاكتفاء بالتقارير فقط، والتي في غالبها تُمثِّل نقلاً لأرباع وأنصاف الحقائق .

تكتمل الصورة الكلية للمسؤولين بالتقارير العلنية والسرية، إضافة إلى الزيارات الميدانية وتغبير الأرجل في الحقول.
أما القيمة المعنوية، فهي رفع درجة الاهتمام، والتركيز على الزراعة كمخرجٍ رئيسٍ للخروج من طوق الأزمات الاقتصادية. من هنا يبدأ الطريق، وفي منتهاه يتحقّق الفلاح.

السيد وجدي ميرغني، رجل الزراعة المطرية الأول، في مداخلته أثناء الاجتماع، بشّر بوجود أربعة مليارات دولار على الأرض، في المشروعات المطرية والمروية، تنتظر من يُحسِن حصادها، ويُجوّد تسويقها في الأسواق العالمية .

إذا استطاعت حكومة مُعتز أن تُحقِّقَ الفائدة القُصوى من الموسم الزراعي هذا العام، بالحصول على الأربعة مليارات، ستكون وضعت اقتصاد البلاد في منصة انطلاق ثابتة وغير مُهتزَّة .

بكُلِّ تأكيد، المُهمَّة ليست سهلةً، كما أنها ليست مُستحيلة كذلك، الحماس وحده لا يكفي، ومعتز بمفرده لن يستطيع أن يُحقّق ذلك النجاح المأمول إذا لم يجد العون والمُشاركة الفاعلة من الجميع، من مُؤسَّسات ومُجتمع .

سيُحسن معتز صنعاً إذا استطاع أن يُعيد الثقة للمُؤسَّسات، ويضمن فاعليتها بحيث تقوم كل جهة بدورها الكامل بصورة تلقائية وطبيعية، دون أن تضطر قيادة الدولة للوقوف على رأسها بالأوامر والتوجيهات المُباشرة.
وسيضمن معتز إنجاز ما يصبو إليه إذا كسب ثقة المواطنين، وضمن ولاءهم لمشاريعه لا لشخصه، للأرض لا للمقاعد .
الزيارات الميدانية مُهمَّة، وتمنح المُعايشة وأنفاس المكان، والمُتابعة من برج المراقبة الديوانية لا غنى عنها.

الاقتصاد يُمثّل التحدِّي الأكبر أمام معتز، ونجاح الموسم الزراعي بتحقيق الفائدة القصوى يُمثِّل أوّل وأهمّ محطات النجاح في مسيرته الجديدة المحفوفة بالمُثبّطات والفرص كذلك .

تحقَّقت الآن، في هذا الموسم، أهمُّ مُحدّدات النجاح: أمطار غزيرة، وإنتاج وفير، وأسواق عالمية تنتظر المحاصيل الزراعية السودانية.
التحدِّيات واضحة ومُحدَّدة، وأهمُّها مشكلة السيولة النقدية، وتوفُّر العمالة وإصدار سياسات مُحفِّزة على الزراعة، ومُشجعة للصادر، وتيسير وسائل النقل.

إعلان سعر تركيز القمح ورفعه إلى 1800 جنيه، خلق الرغبة ورفع معدلات الحماس لدى المزارعين.
أما مشكلة السيولة؛ فرغم أن محافظ بنك السودان محمد خير الزبير لم يُرِدْ تقديم إفادة كاملة وقاطعة بتوفير السيولة النقدية في أماكن الإنتاج، إلا أن معتز قالها بوضوح دون مواربة، أن النقود ستكون موجودة في مناطق الإنتاج في الزمان والمكان اللازمين.

التوجيه بنزول الوزراء المعنيين إلى الحقول، وعدم الجلوس في المكاتب خلال الشهرين المُقبلين، سيُسهم في الحفاظ على جذوة الحماس وسيُقوِّي منظومة المراقبة والمتابعة .
خلال شهرين فقط، ستُعلَن النتائج الأولية لامتحان حكومة معتز.

ضياء الدين بلال