تحقيقات وتقارير

شهد أهم القرارات مجلس الوزراء بولاية الجزيرة.. اجتماع الست ساعات إلا دقيقة معتز يضع النقاط على الحروف ويرمي بجميع الأوراق على الطاولة

-1-

كان الموعد المحدد لتحرك سيارات النقل الجماعي صباح أمس المتوجهة إلى ودمدني في تمام الساعة السادسة صباحا.
لرئيس الوزراء معتز موسى عناية فائقة بضبط المواعيد وفرض الالتزام بها، حتى اجتماعات مجلس الوزراء بالخرطوم المحدد لها يوم الأحد من كل أسبوع قرر موسى أن تتم في الثامنة صباحا.

عقد أول اجتماع للمجلس خارج الخرطوم بولاية الجزيرة، ولذلك دلالة ومعنى، وهي أن المهمة الأولى والأساسية للحكومة الجديدة مهمة اقتصادية في الأساس.
لا خيار سوى زيادة الإنتاج والاستفادة من حصاد الموسم الزراعي، الذي يعتبر الأفضل من حيث الأمطار والأكبر من حيث المساحة 54 مليون فدان، لنصف قرن من الزمان.
العوائق الماثلة يعلمها الجميع في مقدمتها مشكلة السيولة، التي قد تُجهض الآمال بحصاد وفير، ولكن جاء وعد موسى لسامعيه واضحاً وجهيراً: (ستكون الأموال متوفرة في مواقع الإنتاج في الزمان المحدد).

-2-
منذ الصباح الباكر حلَّ وفد مجلس الوزراء الاتحادي بود مدني عاقداً العزم على وضع كثيرٍ من نقاط الحسم على حروف البلاد التي أضنَتْها مشاقّ وعثرات الاقتصاد.
الطريق واحد والمصير معلوم، إذا لم تكن الزراعة هي قاطرة الاقتصاد؛ لذا أعلن رئيس الوزراء في أكثر من مكان أن السياسة الاقتصادية ستجعل من الصادر طاقة الدفع ورافعة النهوض للخروج من وحل الأزمة.

السماء لم تبخل بخيرها والأرض لم تضن بنعيمها، والمزارعون يسقون الزرع بعرقهم قبل المياه.
إنها الفرصة -لن نقول الأخيرة- لوضعنا على الطريق الصحيح، طريق الإنتاج والتصدير، وردم الهوة بين الواردات والصادرات.
الزيارة ليست للزينة السياسية ولا للمجاملة الاجتماعية، إنها للعمل وإزالة العوائق أمام تحقيق الحلم.
التقارير لا تفي بالغرض، والمعلومات المرسلة لن تفلح في رسم الصورة الكلية. الحقائق على الأرض غير قابلة للتجميل والتحريف.

-3-
في ضفة الاستقبال كان والي الولاية محمد طاهر إيلا حاضراً بأجندته المرتبة ولوحه التنموي المحفوظ، وأرقامه الباهرة، وعرض صور ما كان من خراب وما آل إليه الوضع من إعمار.
إيلا يعلم يقينا أن ولايته الخضراء تملك كلمة السر في معادلات إيجاد مفاتيح الحل لمغاليق الوضع الاقتصادي.
منذ زيارة الزعيم الخالد إسماعيل الأزهري لهيئة البحوث الزراعية في العام 1967م، لم يزر مسؤول رفيع في مقام معتز موسى هذا المكان الذي يُعتبر نقطة انطلاق لتحقيق النجاحات الزراعية، وأحد من أسباب الإخفاق بعد الإهمال والتجاهل.

لا يمكن تحقيق طفرة إنتاجية عالية في كل المحاصيل الزراعية دون أن يكون مركز البحوث هو الهادي لذلك.
كانت الوجهة الأولى بعيداً عن الصوالين المغلقة نحو الميدان.
نعم، كانت البداية بهيئة البحوث الزراعية ومحلج (زورنق).. موسى لم يترك الفرصة تضيع من يديه، فاستغلها موجهاً خطابه للفنيين والخبراء في هيئة البحوث بإعداد خطة رشيقة تُحدِّد الأدوار والمطالب والتحديات والمُتوقَّع من النتائج خلال المدة التي تُحدِّدُها الخطة.
وأضاف: بدأنا من حيث يجب أن تكون البداية الصحيحة في كيفية إدارة الموارد وحسن إدارتها، ويجب علينا أن نحدد أولوياتنا في كل المجالات، وهذا خط الدولة في هذه المرحلة و”الحساب ولد”.

-4-
الفنيون لم يخذلوا توقعات رئيس الوزراء، فكانوا على أهبة الاستعداد بأوراقهم وتقاريرهم، وأكد تقرير الهيئة أن التحديات التي تواجه زراعة محصول القمح بالبلاد، تتمثل في مجالات التقاوى ونقل التقانة، بالإضافة إلى بيع المحصول.
وكشف تقرير خبراء الهيئة عن تهجين تسعة أصناف سودانية بامتياز وتسجيلها في الهيئات الدولية، مؤكدين أن العمل يجري كذلك لتسجيل أعداد أخرى.
ونوه التقرير إلى الاهتمام المتعاظم لدى هيئة البحوث في مجال رفع وتحسين البذور وتوجيه مؤشرات الإنتاج والتنمية الزراعية، فضلاً عن تفعيل برنامج يشمل 25 مجالاً بحثياً تتبناه هيئة البحوث.

-5-
كانت الوجهة الثانية نحو مارنجان حيث شركة (زونق تن) للصناعات العالمية ومصنعها للغزل والنسيج والمحالج، هناك معتز فاجأ الجميع بحديث مرتجل، داعياً فيه للتوسع في زراعة القطن والاستفادة من القيمة المضافة وتمويل المزارعين والمنتجين، مشيداً بالجهود المبذولة في حلج القطن، موجهاً بالمزيد من التجويد والتحديث واستخدام التقانات الحديثة.
حديث معتز الثالث كان بمارنجان أيضاً حيث شركة السودان للأقطان، وطالب لدى تفقده وحدة إنتاج وإعداد البذور بضرورة توفير البذور واختيار أفضل الأنواع، مؤكداً أن إنتاج أفضل أنواع البذور سيسهم في زيادة الإنتاج والإنتاجية.

-6-
بمباني حكومة الولاية انعقد اجتماع مجلس الوزراء ليستمر لست ساعات إلا دقيقة، كانت التقارير مختصرة ومقتضبة والمداخلات كثيفة وزاخرة بالمعلومات والآراء والمقترحات.
تركز على الأرقام والنسب وما تحقق على الأرض وما هو متوقع في العروة الشتوية.
دار الاجتماع بين قوسي تحقيق أكبر نسبة في حصاد المحاصيل الصيفية وتوفير أفضل الفرص لنجاح العروة الشتوية.
اجتماع الحكومة في ود مدني بعد الزيارات الميدانية التي قام بها وفد رئيس الوزراء ومرافقيه من حكومة الولاية ومديري المشاريع الزراعية ورجالات القطاع الخاص وأهل الإعلام، ترك انطباعاً بأنه سيأتي اجتماعاً رتيباً وأن الوزراء سيكونون فاقدين للياقة الذهنية والبدنية بعد مجهودهم في الحركة والتنقل.
بيد أن المفاجأة تجلت في حيوية النقاش الذي تم بين الوزراء والحماس الذي سيطر على روح الاجتماع.

-7-
رئيس الوزراء بدا مهموماً بتوجيه أنظار الجميع لما يريده بالضبط في استراتيجيته الاقتصادية الجديدة، لذا لم يرهق نفسه في اختيار المنمق من الكلمات، وباشر الحضور بإعلانه عن خطة اقتصادية يعبر منها البرنامج الاقتصادي وبنمو اقتصادي يقوده الصادر، وأضاف: عندما نتحدث عن الصادر يجب أن تنطلق هذه الدعوة من أرض الجزيرة لأنها شهدت ممول مشروع الصادر الأول في تاريخ السودان وهو مشروع الجزيرة الذي أنشئ قبل أكثر من مائة عام وكان هدفه الأول وما يزال الإنتاج لأجل الصادر ويبقى هو ومشروع المناقل من مشاريع الصادر الأولى.
عبارات موسى كان لها أثرها السحري في قلوب الجميع وتأكيد مدى مراهنته على إعادة مشروع الجزيرة كأكبر المشاريع في القارة، وقطع بأنهم يبدأون من مدني نقطة انطلاق، ولكن بزاوية منفرجة تبصر وتحيط بكل السودان من أقصى شرقه إلى أقصى غربه ومن أقصى شماله إلى أقصى جنوبه.

-8-
رئيس مجلس الوزراء معتز موسى مهَّد لأهم القرارات الزراعية في الموسم الحالي، مبتدراً حديثه بأن الدولة حددت السعر التركيزي لجوال القمح بـ1800 جنيه، مبرراً للقرار بأن السعر المجزي هو سيد السياسات حيثما كان ويعتبر السياسية الرئيسية، مؤكداً على التزام الدولة بشراء كل الإنتاج في حالة انخفاض السعر عن السعر التركيزي المعلن، وأضاف: كل معاملات البنك الزراعي ستتم تسويتها وفقاً للسعر التركيزي المعلن باعتباره حافزاً كافياً للمزارعين.

-9-
أجندة اجتماع المجلس شهدت تقديم القطاع الاقتصادي لتقريره، وقدمه وزير الصناعة والاستثمار المهندس موسى كرامة الذي تناول توصيات القطاع الاقتصادي الداعية إلى توفير السيولة ورفع سقف التمويل للمزارعين إلى 100 ألف جنيه بدلاً عن 50 ألف جنيه لمقابلة احتياجات العروتين الصيفية والشتوية.

-10-
بيد أن أهم التقارير كان تقرير وزارة الزراعة والغابات الذي قدمه وزيرها المهندس حسب النبي موسى، مبتدراً التقرير بأن القطاع الزراعي هو القطاع الرائد والمحرك للاقتصاد السوداني والمحرك لبقية القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى كالنقل والاتصالات والخدمات البنكية والأسواق، واصفاً إياه بالركيزة الأساسية للتنمية المستدامة والأمن الغذائي في البلاد، مشيراً إلى أن ذلك يستوجب وضع القطاع الزراعي على رأس الأجندة التنموية ومنحه الأسبقية القصوى في التمويل في المواقيت المحددة، لجهة أن الدولة رفعت شعار (الزراعة قاطرة النمو الاقتصادي) منذ الموسم الزراعي السابق 2017-2018م.

التقرير لم يكتفِ بالملاحظات والإشادات والتمنيات، وتجاوز ذلك إلى لغة الأرقام التي لا تكذب، وكشف تقرير الوزارة عن الآلات المطلوبة للحصاد للموسم الصيفي 2018م 2019م، موضحاً أن حاصدات السمسم المطلوبة أربعة آلاف وأن المتوفر لدى المزارعين 800 حاصدة وأن المتوفر في الأسواق 383 والفجوة 2817 حاصدة.
وأن المطلوب من دراسات الذرة للموسم 886 دراسة والمتوفر لدى المزارعين 626 والمتوفر في الأسواق 261.

وبلغت جملة الحاصدات المطلوبة للذرة وزهرة الشمس والقمح 900 حاصدة متوفر منها لدى المزارعين 650 حاصدة فيما بلغت جملة الحاصدات المطلوبة للأقطان 190 حاصدة متوفر منها لدى المزارعين 28 حاصدة وبالأسواق 34 حاصدة والفجوة 128 حاصدة.
وأوضح التقرير أن هناك 600 حاصدة لدى البنك الزراعي، وأنه سيتم توفير التمويل لشراء حاصدات السمسم عبر خطابات الضمان بوزارة الزراعة تُملك لمراكز الخدمات الزراعية عن طريق الشراء المباشر تحت إشراف وزارة المالية.

تحديات طبيعية ومن نوع آخر مثلت هاجساً للكثيرين تضمنها تقرير وزارة الزراعة، وكشف عن أن التكلفة الكلية لشراء مبيدات الحشائش والحشرات للموسم الشتوي ثلاثة ملايين و700 ألف يورو، وأنه تم توفير مبلغ 790 ألف يورو منها عبر بنك السودان لشراء المعفرات.
وطالب التقرير بضرورة الاستفادة من تجربة التمويل عبر إدارات المشاريع القومية مع رفع سقف التمويل الأصغر من 50 ألفاً إلى 100 ألف جنيه، كما طالب التقرير وزارة المالية باستخراج التصديق المبدئي لتأهيل المشاريع الزراعية لولايات نهر النيل والشمالية والنيل الأبيض بتكلفة كلية بلغت 60 مليون جنيه ضمن خطاب الضمان لاستكمال الخطة المساحية المستهدفة لزراعة القمح بالولايات المستهدفة.

وفيما يتعلق بالاستعدادات لتوفير احتياجات الوقود للموسم فقد حدد التقرير الكميات المطلوبة بـ 58 ألفاً و310 متراً مكعباً على أن يتم توفير 12 ألف متر مكعب خلال شهر سبتمبر و14 ألف متر مكعب في شهر أكتوبر على أن يتم توفير كميات الخيش للموسم الشتوي قبل بداية حصاد القمح والمحاصيل الأخرى خلال شهر فبراير عبر البنك الزراعي والشركات، موضحاً أن كميات الخيش المطلوبة لمحصول القمح تقدر بـ 32 ألف بالة بجانب توفير سبعة آلاف بالة لزهرة عباد الشمس وثمانية آلاف بالة للمحاصيل الأخرى.
وفيما يختص بتحضيرات الوزارة في توفير الأسمدة ذكر التقرير أنه تم توفير 84 ألف طن من سماد الداب و210 من سماد اليوريا على أن يتم توفير 35 ألف طن من سماد الداب و148 ألف طن من سماد اليوريا لسد الفجوة عبر البنك الزراعي مع تأكيد الالتزام بالزمن المحدد له منتصف أكتوبر من العام الجاري حيث تعاقد البنك مع شركة جياد لتوفير 75 ألف طن من سماد الداب.
وبحسب تقرير وزارة الزراعة فإن المساحات المستهدف زراعتها خلال الموسم الشتوي 2018-2019م من كل المحاصيل الزراعية تبلغ مليون و688 ألف فدان في كل من ولايات الشمالية، نهر النيل، الخرطوم، الجزيرة، كسلا، النيل الأبيض وسنار، كاشفاً عن أن زراعة القمح تستهدف سبع ولايات وتقدر المساحات المستهدفة لزراعة القمح في الولايات السبع بـ700 ألف فدان موزعة 120 ألفاً فدان بالشمالية و65 ألفاً بولاية نهر النيل و400 ألفاً بالجزيرة و60 ألفاً بكسلا و50 ألفاً بالنيل الأبيض وخمسة آلاف فدان بولاية سنار.

-11-
وجدت المساهمة التي أدلى بها السيد وجدي ميرغني أكبر المستثمرين الزراعيين خاصة في المشاريع المطرية تصفيق الحاضرين وإعجابهم، لما اشتملت من معلومات ومقترحات عملية والتركيز على إغلاق المنافذ التي يتسرب من خلالها الفشل وكذلك مثلت مشاركة السيد معاوية البرير إضافة ثرة وقيمة لمداولات النقاش وقدم البرير عدد من المقترحات التي وجدت استحسان الجميع.

صحيفة السوداني.

تعليق واحد

  1. علي البركة ربنا يوفقكم لما فيه خير البلاد والعباد سيروا وعين الله ترعاكم