رأي ومقالاتمدارات

مستشفى .. يسمونه مكة

ابنك أعمى؟؟؟؟؟
> (أمنيتي الوحيدة قبل الموت هي أن أرى وجوه أولادي.. ولو للحظة واحدة)
> ومن يقول هذا للكاميرا هي زهرة.. وزهرة تصاب بالعمى في السابعة وتتزوج في الثامنة عشر وتنجب ثلاثة أولاد..
> وكاميرا معسكر مستشفى مكة في الجبلين تسجل لحظات جلوس زهرة.. بين الحشد.. تنتظر الجراحة
> الوجه مثل وجوه العميان ثابت لا يلتفت
> والناس يبكون مرتين
> يبكون حين يسمعون زهرة تقول أمنيتها
> ويبكون.. والطبيب.. بهدوء شديد.. بعد ساعات يزيح الضمادات عن عيون زهرة بعد العملية!!
> والعيون المغمضة.. ثم الأجفان ترتعش.. ثم الأجفان تتفتح..
> وزهرة تجد أنها تنظر إلى وجوه أولادها.. لأول مرة في حياتها
> بكت حتى شعر الطبيب بالقلق على العيون
> وحمد في معسكر مستشفى مكة في دارفور.. وحمد يمشي بحذر مثل كل العميان.. يقوده الطفل الثالث..
> وطفلان وراءه..
> اللقطة التالية كانت تسجل حمد وهو (يعرض).. في رقص عنيف.. بعد أن أبصر.. بعد العملية في معسكر مستشفى مكة
> كان هذا قبل عشر سنوات.. الأولاد.. الذين كانوا قد تركوا الدراسة بعد أن عمِي الأب.. يتجهون الآن للتخرج
(2)
> ابنك أصم؟!
> قبل أعوام خمسة ندخل مركزاً للسمع.. والطبيب هناك يزيح ضمادات عن أذان طفل في العاشرة.. ويغرس سماعة صغيرة.. ومثل من يعرف تماماً ما سوف يحدث الطبيب الشاب يغرس عيونه في وجه الطفل.. الطفل عيونه تهتز للحظات من الدهشة.. ثم يلتفت.. ويلتفت يبحث عن معنى أغرب شيء يحدث له في حياته.. كان ما يحدث هو أن الطفل يسمع أول صوت .. لا أحد يعرف معنى أن تسمع الأصوات لأول مرة في حياتك.. إلا..!!
> في غرفة أخرى كان مشهد غريب
> أم جالسة.. وأمامها طفل في العاشرة.. والأم تلمس المنضدة وتفتح فمها كبيراً حتى تلفظ الحروف ببطء
> ترا..بيييي.. زا (تربيزة)
> والطفل أمامها يكرع الحروف من فمها ليردد.. ترا..بيييي.. زا
> الطفل الذي ولد أصماً كان يتعلم الكلمات الآن.. لأول مرة في حياته بعد استعادة السمع
> و..
(3)
> الأرقام المجردة لا معنى لها.. لكن الأرقام هنا مذهلة
> إدارة مستشفى مكة
> ثلاثون مليون أعمى في العالم حتى التسعينات.. الآن خمسون مليون حسب إحصائيات الأمم المتحدة.. و..
> قال دكتور العاص
> تسعة أعشار الحالات يمكن علاجها
> و(يمكن علاجها) جملة ترسلها المعسكرات
> أكثر من خمسمائة معسكر في ما يقارب المائة بلد
> قال
: المعدات النادرة وحدها هي ما نحتفظ به في الخرطوم وهي معدات شديدة الندرة
(4)
> لما كان يسرد الإحصائيات كان ذهننا يسرد مشاهد ومعنى.. أن تكون مبصراً
> وأشهر أعمى في القرن العشرين كان هو امرأة تسمى هيلين كيلر
> والسيدة كلير ما جعلها شهيرة جداً.. هو الصراع الهائل ضد العمى
> ومعنى أن تكون أعمى
> والمليونير البريطاني في الخمسينات كان يبشر بمولودة طفلة
> لكن.. شيء مثل ذرات الثلج تحت القميص كان يغطي الأب والأسرة
> الطفلة كانت عمياء صماء .. بكماء.. كتلة من اللحم
> ولا شيء يكسر القلب أكثر من طفل يبقى حيث تتركه وهو يتلفت.. لا يرى ولا يسمع. و.. تجده حيث تركته
> والأب يقرر شيئاً.ِ. ويجلب معلمة اسمها (ماري آن)
> ماري آن قالت إن الطفلة تفقد اثنين من الحواس الخمس من (الحواس الست.. والسادسة لها حديث)
> قالت ماري آن إن هيلين كيلر فقدت السمع والبصر.. نعم.. لكنها تملك اللمس والذوق.. والشم.. وهي تستطيع أن تدخل الدنيا بالحواس هذه
> ماري آن بدأت عملها بأن جعلت الطفلة (تلمس)!!
> تلمس البجعة.. والطيور.. والحصان والأعمدة.. والأواني .. والمزروعات
> وتشم الزراعة والتراب والعطور
> وتعرف معنى الطيران وماري آن تجعل الحمامة تتخبط في يديها وتلطمها بأجنحتها و..
> وماري آن تجعل من شفتيها وأوتار حلقها وإصبعها حروفاً تقرأها الطفلة
> الحاسة السادسة التي تدير كل هذا كانت هي.. المشاعر الإنسانية.. الحزن.. الغضب.. الحب والتواصل.. الخصام
> كل هذا مارسته ماري آن مع الطفلة
> .. الطفلة هيلين كلير.. أصبحت هي أشهر كاتبة (كاتبة.. نعم) في بريطانيا
(5)
> الحواس هي حياتك
> والحواس سيدها هو السمع والبصر
> وأخرج من مستشفى مكة وأنا أشعر أنني أغنى خلق الله
> فأنا.. أسمع وأرى وأتذوق وأشم وألمس
> وطفلي الحلو جداً.. حذيفة.. معي.. أنظر إلى وجهه الحلو
> وأسمع صوته الحلو
> وأعرف ما كانت تشعر به المرأة زهرة وهي تقول
> أتمنى أن أرى وجوه أولادي قبل أن أموت
> وأعرف معنى مستشفى مثل مستشفى مكة
> دكتور العاص أحمد كامل بدوي.. حفظك الله .. حفظك الله .. حفظك الله
> أنت والشباب الآخرين
> مستشفى مكة.. والاسم نستقبل به العام الهجري الجديد
> واليوم بالتاريخ الهجري.. أي يوم هو.. وأي شهر؟ امتحن نفسك لتشعر ليس بالخجل بل بالعار
> العمى ليس في العين فقط

إسحق فضل الله
الانتباهة

‫3 تعليقات

  1. اشم رائحة اعلان تجاري لمستشفى مكة لم اقرا المقال كاملا كالعادة شكرا لمايقدمه المستشفى الرائع ولكن يحتاج الى مجهودات اكثر واهتمام اكبر من اجل التطوير والتجويد وتلافي بعض الاخطاء