تحقيقات وتقارير

أبناء الميرغني… صراع النفوذ والسلطة صعود الحسن المفاجئ فتح شهية إخوته لمنافسته

مصادر اتحادية: الحسن الآن شبه معزول داخل الحزب والأسرة

هنالك جهات لها مصلحة لضمان بقاء تحالفها قوياً في السلطة

أزهري حاج مضوي: صراع أبناء الميرغني له انعكاسات خطيرة

مراقبون: هذا الصراع سيشكل ضربة قوية لعائلة الميرغني

مصدر اتحادي يضع خارطة الطريق للخروج من أزمة الصراع

أبرز العلامات التي تميز الحزب الاتحادي الديمقراطي بين الأحزاب السودانية منذ بداية تكوينه ظاهرة الصراع والخلاف بين قياداته التي انتهت به إلى التشظي والانقسام لأكثر من ثمانية كيانات تعمل في الساحة السياسية السودانية بمسميات مختلفة تحمل اسم الحزب الاتحادي الديمقراطي، على الرغم من أن بيت الميرغني بقيادة مولانا محمد عثمان الزعيم الروحي للحزب ورئيسه الذي خلف والده على زعامة الطائفة وبعدها انتقل من موقع الرجل الثاني في الحزب إلى الأول زعيماً للحزب بلا منازع في العام 1986، كان الوريث لقيادته للحزب، ولا يقف في طريقه منازع أو معارض لجهة أن شقيقه الراحل أحمد الميرغني كان غير راغب في منافسته على زعامة الحرب، وظل السيد محمد عثمان خلال رئاسته للحزب يشكل القطب الرئيسي في الصراع والخلاف الذي يديره مع خصومه في الحزب بالوكالة عبر معاونيه في الطريقة الختمية وبعض المقربين إليه في الحزب من الاتحاديين وظل أبناؤه وكل بيت الميرغني محايدين وغير ظاهرين في هذا الصراع، وكذا لم تتأثر الطريقة بهذا الصراع، وظلت متماسكة طوال المراحل التي مر بها.

صعود الحسن

ودون مقدمات جرف تيار صراع السلطة والنفوذ في الحزب أبناء محمد عثمان الميرغني إلى لجته وترى الأوساط الاتحادية أن المحفز الرئيسي لأبناء الميرغني للانغماس في الصراع داخل الحزب هو الصعود المفاجئ وغير المتوقع لشقيقهم محمد الحسن عام 2015 الذي وصل بسرعة إلى النجومية في قيادة الحزب بفضل والده الذي روج له على حساب إخوته الآخرين بأن أصبحت كل مقاليد إدارة الحزب في يده بدعم قوي من والده محمد عثمان المرغني الذي نصب الحسن أمينًا لأمانة التنظيم في الحزب.

زعيم ليبرالي

وسرعان ما طرح الحسن نفسه زعيماً (نيوليبرالي) مستقبلياً متشدداً، مستغلاً اختفاء والده منذ مغادرته السودان سبتمبر عام (2013) وابتعاده عن إدارة الحزب في الداخل، وحتى عند الظهور في وسائل الإعلام إلا قليلًا، فأخذ الحسن يسوق لنفسه بأنه يعمل على هيكلة الحزب جذرياً بتجديد دماء قيادته وإعادته إلى مكانته الطبيعية في الساحة السياسية السودانية، ما عمق الخلاف بينه وبين القيادات التاريخية في الحزب والطريقة التي يعمل فيها “سيف الفصل والتجميد” الذي وصفت نتائجه بأكبر مجزرة سياسية تشهدها الساحة السياسية السودانية، إذ بلغ عدد ضحاياها أكثر من (40) قيادياً في المركز والولايات.
القفز للخلافة

هذا التركيز الكامل للسلطة في الحزب بيد محمد الحسن المرغني كشاب متطلع دون رقابة عليه من والده الذي صمت عن كل تصرفاته، دفعه للعمل لتعزيز سمعته وشرعيته، وانتشرت حوله الشائعات بأنه يخطط للقفز لخلافة والده الذي أصبح ينوب عنه في رئاسة الحزب وبمباركته ونشره لمخالبه من معاونية ــ أي الحسن ــ في الحزب التي تلتقط كل من يعارضه وتبعده خارج الحزب بعلم وصمت والده، الأمر الذي أثار الكثير من الأسئلة داخل الحزب على صمت حزب الميرغني الكبير على تحركات الحسن الذي تدخل لتحجيمه أخيراً بعد أن أوشك على الإطاحة به من رئاسة الحزب والطريقة.

مراكز القوى

ويرى متابعون أن تحركات الحسن هذه، فتحت شهية إخوته “محمد وجعفر” اللذين يشكلان الدائرة الضيقة حول والدهما في مقر إقامته بالقاهرة لمنافسته ما جعل بعض مراكز القوى في الحزب تندفع لإثارة التوتر بين الحسن وإخوته، وهذا ما وصفه أحد قيادات الحزب حسب موقع “سودان تربيون” دون أن يورد اسم القيادي الذي نفى وجود تنافس بين الحسن وإخوته، واتهم القيادي مجموعة مكونة من الناطق باسم الحزب الفاتح تاج السر وكبير خلفاء الطريقة الختمية الخليفة عبد المجيد والقيادي بالحزب حسن مساعد بأنها تشكل حلقة مع لوبي حول السيد محمد عثمان وتمارس أدواراً سياسية اضطرت الحزب لانتحال قرارات تسببت في سوء فهم بين ابني الميرغني “محمد والحسن”، وبدا هناك تنافس بينهما على وراثة الحزب والطريقة، لكن الواقع يؤكد أن جعفر ومحمد ابني الميرغني يشكلان دائرة ضيقة للغاية حول والدهماً في منفاه الاختياري بالقاهرة يصعب اختراقها لأنهما يشرفان بصورة لصيقة على كل مقابلات والدهما ومتابعة القرارات التي يصدرها، بل يؤثران توجيهها وليس هناك منفذ للوصول لوالدهما إلا بالمرور عبرهما.

أقطاب الصراع

وهذا الصراع الذي تفجر بركانه فجأة بين أبناء الميرغني، أكدت مصادر مطلعة في الحزب لـ(الصيحة) أنه بدأ مكتوماً داخل أسرة الميرغني وظل يتصاعد يوماً بعد آخر وأصبح حقيقة بائنة للعيان تؤججه جهات أخرى لها مصالح بتحريض الطرفين على التصعيد حتى برزت ملامحه للعلن وظهرت أقطابه ممثلة في الوالد محمد عثمان يساعده ابناه المقربان منه “محمد وجعفر” في مواجهة السيد الحسن الذي أصبح الآن شبه معزول داخل الحزب والأسرة من أي سند سوى بعض التعاطف من شقيقه عبد الله الذي يرى أن الحسن يجب إلا ينبذ ويناصب العداء من الأسرة ويدعو لاحتواء هذا الخلاف داخل الأسرة بالتفاهم مع الحسن وتقديم بعض التنازلات التي يستحقها بدلاً من الصراع.
رأي مختلف

وتضيف المصادر أن “محمد وجعفر” لهما رأي مختلف تماماً عن رأي شقيقهما عبدالله وظلا رافضين تماماً لتوجهات السيد الحسن وهما أقرب لوالدهما محمد عثمان الذي أبعد الحسن عن كل أنشطة الحزب إذ لم يكن جزءاً من اللجان التي تكونت، ولم يتم تكليفه من جانب والده وحتى عندما يسأل في المجالس الخاصة يؤكد بأنه لم يكلفه ولا يمثل أي سلطة في الحزب.

عجز مولانا

وترى الأوساط الاتحادية بأن رئيس الحزب محمد عثمان الميرغني عاجز عن حسم الأمر الذي بين يديه، وبإصدار بيان ينفي فيه بأنه لم يكلف الحسن أن ينوب عنه في رئاسة الحزب، ويقول فقط بأنه رئيس لقطاع التنظيم في الحزب، ويفسرون تأخير حسمه للصراع بأنه متخوف من ردة فعل الحسن غير واضحة المعالم، أقلها الدخول في صراع مكشوف مع والده وإخوته، خاصة بعد أن ظهرت ظلال هذا الصراع في الطريقة الختمية بصورة واضحة في احتفال الحولية الأخير كردة فعل من قبل الحسن لإبعاده من لجان التحضير للحولية والإشراف عليها، وجاءت ردة الفعل بإيعازه لمجموعته التي دفعت بتسريبات بأن الحولية لن تقوم هذا العام وحاولوا التشويش.

يد المؤتمر الوطني

وتؤكد مصادر ـ فضلت حجب اسمها لـ(الصيحة) أن الاتحاديين على قناعة تامة بأن يد المؤتمر الوطني ليست بعيدة عن هذا الصراع الذي بدأ في تأجيجه بين الميرغني وأبنائه منذ انتخابات (2015)، وقتها كان “الوطني” محتاجاً لحزب قوي ليخوض معه الانتخابات لإضفاء مظهر شرعية بعد أن أعلنت الأحزاب الكبيرة مقاطعتها وعندها حاول الميرغني استغلال هذه الثغرة بالمطالبة بسقف أعلى في المناصب الحكومية، غير أن الوطني جاء بالحسن ومجموعته للضغط عليه وبعدها أصبح متحكماً في الصراع بين الميرغني وأبنه يحركه ويوجهه بتحريض كل طرف ضد الآخر، والمؤتمر الوطني الآن يلوح للسيد محمد عثمان أن رفض المشاركة لدينا الحسن الذي هو الآخر مدرك تماماً أن المؤتمر الوطني يستخدمه كرت ضغط على والده مستفيداً من استخدامه كورقة ضغط من المؤتمر الوطني في مواجهة والده وهذه نقطة قوة الحسن.

صراع مصالح

ويؤكد مقرر المكتب السياسي للحزب الاتحادي الأصل (مجموعة أم دوم) أزهري حاج مضوي في حديث لـ(الصيحة)، وجود الصراع بين أبناء الميرغني الحسن وشقيقه محمد الذي يستمد قوته من قربه من والده، ويسنده جعفر وحاتم السر، وقال هو صراع تحركه المصالح الشخصية والمكاسب في الوزارات والمناصب الحكومية للحفاظ على سلطة ومكاسب ونفوذ، وظل مكتوماً غير أنه تفجر قبل عام بصورة واضحة للعيان منذ تقديم قوائم الحزب لتكوين حكومة الوفاق الحالية، حيث مرت قائمة الوزراء المشاركة باسم الحزب التي قدمتها مجموعة محمد وجعفر، وأضاف: واضح أنها مسيطرة على مفاصل الحزب في الآونة الأخيرة أكثر من كتلة الحسن بحكم أن جعفر ومحمد هما الأقرب لوالدهما يشاركانه اتخاذ القرارات بمساعدة أحمد سعد وحاتم والسر والخليفة عبد المجيد.

المرة الأولى

ويؤكد أزهري أن هذه المرة الأولى التي يدخل فيها أبناء الميرغني حلبة الصراع الذي جمع بين الختمية والاتحاديين، وهذا واضح أن مجموعة الحسن فيها ختمية واتحاديين، وكذا مجموعة شقيقه محمد .

خطورة الصراع

ويرى أزهري أن خطورة هذا الصراع الدائر بين كتلتي الحسن وشقيقه محمد تكمن في أنه داخل بيت المراغنة الذي هو أحد البيوت الكبيرة التي لها تأثير كبير في الحزب منذ تأسيسه وأي صراع بينهم سيكون له أثر سالب على الحزب، فمن المؤكد أنّه سيشكل ضربة قوية لعائلة الميرغني وستضعف موقفها وسيطرتها، وأضاف أزهرى بغض عن النظر عن اختلافنا وبعدنا عن مجموعة الميرغني، إلا أن تأثير أي صراع داخل بيت الميرغني سيكون تأثير الانقسام فيها سلبي على الحزب الاتحادي على عكس ما حدث في حزب الأمة الذي لم يكن الصراع فيه بين أبناء الصادق المهدي، لكن هنا الصراع بين أبناء الميرغني الذين تتبع لهم طائفة كبيرة من الختمية، وهم يمثلون مركز ثقل جماهيرياً للحزب، ولا أحد ينكر ذلك وستكون الأزمة الناجمة عن هذا الصراع حادة إن لم يتم إحتواؤه بإيجاد حل ناجع لها يحول دون تأثيراتها السلبية وتداعياتها السيئة على الحزب بعد أن أصبحت تسجل حضوراً في كل مناشط الحزب والطريقة، وآخرها الاحتفال بحولية السيد علي، وأبدى أزهري استغرابه من محاولات البعض إنكار الصراع الذي يعد سرًا داخل الدوائر الضيقة حول الميرغني الذي أصبح جزءاً منه بمساندته كتلة من ابنه محمد في مواجهة الحسن ما صعب احتواءه.

معضلة النظام الرئاسي

ويقول أزهري إن موقفهم في المجموعة بعيد من هذه الكتلة المتصارعة التي يرون أنها أقرب للعمل الحزبي الطائفي أكثر من العمل السياسي للحزب المعافى، لذلك ظلوا متمسكين بالبعد عنها ويسعون لإيجاد مؤسسية كاملة للحزب وإعادة الحزب وهياكله لوضعه السابق، حزب ليس رئاسياً يدار عبر أمانة عامة ومكاتب وهياكل منتخبة لها كامل الصلاحية دون تدخل من الرئيس الذي يسيطر على أي قرار يمر عبر الرئيس وبموافقته ومباركته، ما أدى لتفكك الحزب بسبب النظام الرئاسي الذي يدار به حالياً ويتنافى مع الديمقراطية داخله.

الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة.

تعليق واحد