حديث حميدة أعاد الظاهرة للواجهة الأطباء .. دماء على (البالطو) الأبيض
ظلت حوادث الاعتداء على الأطباء والكوادر العاملة في المجال الصحي في تنامٍ مستمر، فهم يعملون في ظروف صعبة وضغط كبير في العمل، يدفعهم في ذلك واجبهم الإنساني تجاه المرضى، ورغم ذلك يتعرضون للضرب والتهديد بين الفينة والأخرى في وقت تقول الشواهد إن غالبية تلك الاعتداءات تأتي من قبل أفراد يتبعون للأجهزة النظامية، ولا يكاد يمر يوم إلا وتحمل الأخبار حادثة اعتداء على طبيب .
إصابات بالغة
العديد من مستشفيات ولاية الخرطوم وولايات أخرى شهدت حوادث اعتداء على الأطباء مما أدى هذا الأمر إلى دخول الأطباء في إضرابات عن العمل، ورغم المناشدات العديدة من قبل الأطباء ونقابتهم بضرورة توفير الحماية الكافية اللازمة للكوادر العاملة في المجال الصحي، وهنالك من طالب بإصدار تشريعات صارمة تحد من هذه الاعتداءات المتكررة على الأطباء، ففي ولاية كسلا دخل الأطباء في إضراب عن العمل في الرابع من شهر أغسطس الماضي، بسبب اعتداء أفراد يتبعون للأجهزة الأمنية على طبيب،.
وكشفت لجنة أطباء السودان المركزية عن اعتداء عدد من المرافقين وعدد من منتسبي الأجهزة الأمنية، على أطباء قسم الجراحة العامة بمستشفى كسلا التعليمي، وقالت إن الاعتداء أدى لإصابة بعض الأطباء إصابات بالغة بالرأس والوجه، أيضاً توقف أطباء مستشفى نيالا قسم الحوادث خلال شهر مايو الماضي عن العمل بسبب تعرض زميل لهم للضرب من قبل أحد أفراد الشرطة
واقع مؤلم
هذا الواقع المؤلم أكده وزير الصحة ولاية الخرطوم بروفسيور مامون حميدة خلال جلسة للمجلس التشريعي كشف فيه عن تعرض أطباء للضرب من قبل نظاميين بمستشفى إبراهيم مالك، وقال حميدة: هنالك نظامي أشهر مسدسه في وجه الطبيب، لكن التدخل السريع لمواطنين وأمساكهم بيده حال دون وقوع ما لا يحمد عقباه، وأضاف كان (عايز يضربو طلقة)، مؤكدًا بأن الظروف التى يعمل بها الأطباء صعبة جداً .
وضع تحوطات
وحول هذه الظاهرة التي أصبحت مقلقة لكثير من الأطباء خاصة الذين يعملون في أقسام الحوادث والطوارئ، وهم الأكثر تعرضاً للاعتداء من قبل ذوي المرضى، أو من قبل أفراد من الأجهزة النظامية، يقول دكتورخالد علي، من مستشفى الخرطوم، في حديثه للصيحة إن ظاهرة الاعتداء على الأطباء تتطلب وضع جملة من الاحترازات الضرورية حتى يؤدي الطبيب عمله وواجبه على أكمل وجه، مطالباً بوضع أفراد تأمين في المستشفيات لحماية الأطباء من هذه الاعتداءات المتكررة عليهم، مشيرًا إلى حوادث تحدث من قبل ذوي المريض بدافع الخوف عليه والشفقة، داعياً إلى إصدار تشريعات وقوانين صارمة تجاه أفراد الأجهزة النظامية الذين يعتدون على الأطباء، وطالب مراقبون ومختصون بضرورة إصدار تشريعات قانونية تعاقب المعتدي على الأطباء بالسجن، وأكدوا أن هنالك دولاً تصل فيها عقوبة الاعتداء على الكوادر الطبية إلى عشر سنوات وأكثر.
عدد من الأطباء ألقوا باللائمة على الحكومة والسلطات باعتبارها الجهة المسؤولة عن توفير الحماية لهم، كما طالبوا بتهيئة البيئة التي يعمل فيها الطبيب.
قوانين رادعة
في السياق، طالب مدير عام مستشفى النو، د. معز حسن بخيت بتأمين مستشفيات ولاية الخرطوم ووضع قوات شرطية محترفة بكامل معداتها مع ضرورة سن قوانين رادعة ضد كل من يعتدي على طبيب في مستشفى، وقال د. معز حسن بخيت في حديثه للصيحة إن المستشفيات التي يوجد بها قسم للحوادث والطوارئ لا تتجاوز الأربعين مستشفى، مؤكداً سهولة تأمين هذا العدد من المستشفيات برجال الشرطة للحد من هذه الظاهرة، وأكد أن جل الاعتداءات على الأطباء تحدث من قبل المرافقين للمريض في الحوداث وبأعداد كبيرة، وأشار إلى نوعية أخرى من المرافقين الذين يعتدون على الأطباء نتيجة- حسب زعمهم – تقصيرهم تجاه مريضهم ولمحاولة معالجة هذا الخلل والظهور بأنه حريص على قريبه المريض بالاعتداء على الكوادر الطبية، ولهذا يقع على عاتق تأمين المستشفيات على الحكومة التي تقوم بتأمين المؤسسات الأخرى مع تشديد العقوبات التي تصل في بعض الدول إلى خمسة عشر عاماً في حال الاعتداء على الكوادر الطبية، كما دعا الأطباء إلى الاهتمام أكثر بالمرضى، ومراعاة الحالة النفسية للمرافقين، مؤكدًا بأن الأطباء يعملون في ظروف ضاغطة جداً، مع عدم وجود معينات تجعلهم يعملون في ظروف نفسية عالية جداً، ودعا وزارة الصحة لزيادة الأطباء العاملين في أقسام الحوادث.
فيما ترى عضو المجلس التشريعي ولاية الخرطوم، الزلال عبد الرحيم في حديثها للصيحة أن ظاهرة الاعتداء على الأطباء تحتاج إلى إصدار مراسيم من قِبل وزارة الصحة للحد منها، بجانب معالجة التردي الواضح في المستشفيات من توفير المعينات اللازمة لإنقاذ المرضى خاصة في الحوادث والطواري مع توفير كامل المعينات للطبيب.
أسباب متعددة
يقول استشاري الأمراض النفسية والعصبية بروفيسور علي بلدو في إفادة سابقة للصيحة إن أسباب تفشي هذه الظاهرة كثيرة ومتعددة وتحتاج لورش وحلقات نقاش لتشخيص مكامن الخطر والعلة وتشريح الظاهرة وعلاجها علاجاً جذرياً عوضاً عن سياسة إطفاء الحرائق التي أثبتت الأيام أنها لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
ولأن الندوات قادمات بحسب الماثل أمامنا، فإن بلدو يلخص لـ “الصيحة” أهم العوامل التي تؤدي إلى انفلات الأوضاع داخل المستشفيات، عزاها إلى فقدان لغة الحوار المشتركة حيث يكثر الأطباء من استعمال المصطلحات الطبية التي تجعل الآخرين خلواً من الفهم أو على حسب تعبيره (مسطحين)، وهو أمر يثير حفيظة المرضى وذويهم ويؤدي تارات إلى ما لا يحمد عقباه.
كذلك، فإن غياب مهارة توصيل الأخبار السيئة يعتبر عاملاً إضافياً في تنامي الظاهرة، يضاف إلى ذلك التراخي في حضور الكادر الطبي لحالات حرجة عند الاستدعاء، وهذا ما يثير كل الناس لا سيما النظاميين المعروف عنهم الضبط والربط (حد بلدو).
سلطة مجردة
يشير بلدو إلى أن الدافع النفسي في ظاهرة الاعتداء على الأطباء يلعب دوراً أساسياً في الظاهرة، حيث يمثل الطبيب في تلك اللحظة سلطة مجردة من مدير مكتب أو تشريفة، وهنا تأتي عوامل الغبن من المرافقين والإحباط والاشمئزاز جنباً الى جنب مع الرغبة في الانتصار وإرضاء الذات وتحميل الطبيب ارتفاع فاتورة الدواء وانعدام الأجهزة والمواصلات وأخطاء التخدير، وحتى سخونة الجو يلام عليها، وبالتالي يقوم أطباؤنا بدفع الفواتير الباهظة التي ليست لهم فيها ناقة ولا جمل.
ويوضح بلدو أن الأطباء أصبحوا لدى أعداد مقدرة رمزاً لأصحاب المال مما خلق فجوة بينهم وبين عامة الشعب واعتبارهم من أبناء (المصارين البيض)، لتتحرك في الدواخل مركبات النقص والحقد والحسد لتستقر في الأذهان الهواجس والظنون والشعور بعدم التقدير والاهتمام مما يفاقم المشكلة .
الخرطوم: عبد الهادي عيسى
صحيفة الصيحة.