عندما (تبرطع) القطط داخل المؤسسات الحكومي
لو حكيت لي قصص الفساد التي سأرويها لكم والذي ينخر داخل بعض المؤسسات الحكومية ومن موظفين يعتلي بعضهم مواقع تنفيذية عليا أو وسيطة لربما رفضت أن أصدقها ولكنها وقائع شهدتها بنفسي بعد مغادرتي المنصب الحكومي مستقيلاً جراء واقعة كنت ولا أزال أعتبرها فساداً محضاً وليس من رأى كمن سمع.
حاولت ، بعد الاستقالة ، أن اقتحم العمل الخاص لأكسب رزقي فكان أن زارتنا قبل نحو (12) سنة شركة مصرية ترغب في إنشاء مصنع أسمنت وتقدمنا بطلب لاستكشاف منطقة تقع في البحر الأحمر ومنحت الشركة على إثره تصديقاً من هيئة الأبحاث الجيولوجية .. زار وفد فني المنطقة وأخذ عينات من الحجارة الجيرية إلى مصر حيث أخضعها للفحص المعملي ولم تمض أيام قليلة حتى اتصل بي مدير الشركة ليعلن بفرح غامر عن أن نتائج الفحص المعملي كانت ممتازة وأنه سيشد الرحال خلال يومين إلى الخرطوم لتوقيع العقد مع الوزارة لإنشاء المصنع .. اتصلت بوزارة المعادن لأزف الخبر السعيد ..فجأة ، وبعد يومين من إبلاغي بالخبر ، وبدون أي مقدمات اتصل بي مدير الشركة المصرية ليبلغني اعتذاره عن المشروع .. كانت دهشتي كبيرة حين اكتشفت بعد أيام قليلة أن الشركة المصرية فور نقل الخبر إلى الوزارة تلقت عرضاً آخر بصورة مريبة بأن هناك موقعاً أفضل من الذي اختارته لإقامة المصنع الأمر الذي أدى إلى اختطاف المشروع إلى الموقع الجديد وتم إنشاء المصنع بالفعل.
هل تذكرون الخبر الذي بثته وزارة المعادن ونشر في الصحف قبل نحو أربع سنوات إبان تولي السيد أحمد الكاروري المنصب الوزاري عن القبض على بعض موظفي الوزارة متلبسين بالرشوة؟!
أحكي عن واقعة أخرى كنت شاهداً عليها بنفسي فقد وقعت وزارة المعادن عقداً مع شركة لبنانية لاستكشاف وانتاج الذهب يملكها شخص يسمى ايلي ..كان ذلك خلال الفترة الانتقالية عقب توقيع اتفاقية نيفاشا ومكث الرجل وطاقمه الفني عدة أسابيع في الخرطوم قبل التوقيع الذي أبرم خلال دعوة غداء في دار النفط في حضور وزير المعادن د.عوض الجاز وعدد من المسؤولين .. جلس في المنصة الرئيسية خلال الاحتفال عوض الجاز وجلست إلى يساره بينما جلس إلى يمينه رجل الأعمال اللبناني ايلي وإلى يمينه وزيرة الدولة انجلينا تانق زوجة رياك مشار .. خلال الغداء تبادلت انجلينا بطاقات التعارف مع اللبناني ايلي .. وفقاً للعقد كان على الشركة اللبنانية أن تباشر العمل خلال فترة محددة .. مضى الزمن ولم يعد ايلي إلى الخرطوم وظللنا نتصل به وكان يقدم أعذاراً واهية .. بعد نحو ثلاثة أشهر تقريباً زار ابني محمد فندق قصر الصداقة لمقابة أحد الزوار ففوجئ بوجود ايلي في بهو الفندق وتحدث معه بغلظة وقدم الرجل تبريراً واهياً أنه في طريقه إلى دولة أفريقية وسيعود إلى الخرطوم لإنفاذ العقد .. بالطبع لم يعد الرجل حتى اليوم.
ما حدث أن ايلي ذهب إلى جوبا وأنشأ شركة اتصالات والبركة في انجلينا تانق.
صدقوني إن قلت لكم إن هناك (قططاً) أخرى صغيرة وكبيرة من الموظفين في عدد من الوزارات والمؤسسات وأن الكثير من العقود الكبرى تحتكر لقطط سمان سواء كانت أفراداً أو مؤسسات خارج تلك المؤسسات بالتنسيق مع تلك القطط الحكومية التي تحول دون اختراق تلك المنظومات وتمنع أي قادمين جدد مهما كانت جاذبية عروضهم من الحصول على عقود تلك المشروعات الكبرى خاصة.
تلك هي مراكز القوى التي لن ينصلح مناخ الاستثمار ما لم تفكك أو تستأصل
سيما وأنها باتت دولة عميقة محمية ببعض الأقوياء والنافذين داخل المؤسسات الكبرى.
أعجب أننا نرى كثيراً من رجال الأعمال المحليين والأجانب يحملون عروضاً للتمويل يسيل لها اللعاب في مجالات تشتد الحاجة إليها ولكنهم لا يستطيعون اختراق تلك الشبكات المحتكرة لمراكز القوى والمحمية بالقطط الصغيرة والكبيرة من الموظفين داخل تلك المؤسسات.
ذلك ما هدى النظم الديمقراطية الغربية إلى إقرار مبدأ التغيير الذي ينبغي أن يطول حتى الموظفين ناهيك عن الكبار بحيث لا يمكث الشخص في الوظيفة أطول من فترة زمنية محددة.
بربكم هل من مثال صارخ على عجز القادرين على التمام أكبر من وجود شخص واحد في مدينة دبي يحتكر شراء الذهب منذ سنوات ومن فشل كل محاولات منافسته ناهيك عن إزاحته؟!
الخدمة المدنية تحتاج إلى ثورة كبرى بل أن بعض مراكز القوى غير الخاضعة للوائح وزارة المالية العاجزة عن إنفاذ ولايتها على المال العام المكتنز في تلك الجهات ، تتحدى النظم والإجراءات ولا يملك المراجع العام أن يفعل إزاءها شيئاً، أما البرلمان فإن بمقدوره أن يفعل الكثير لو عقدت قيادته العزم على أن تُعمل إرادتها بحزم لا تجامل فيه أحداً كائناً من كان.
صحيفة الصيحة