تحقيقات وتقارير

“المسيرية” و”دينكا نقوك”.. مبادرة مجتمعية لحل قضية أبيي

بعد تشكيل لجنة “مهدي بابو نمر” و”فرانسيس دينق”

وجدت الخطوة التي أعلنتها قيادات بارزة من قبائل المسيرية ودينكا نقوك عن تشكيل لجنة مشتركة من الجانبين بقيادة “فرانسيس دينق” ممثلاً لدينكا نقوك ، والفريق “مهدي بابو نمر” ممثلاً للمسيرية ، لحل قضية أبيي عبر الحوار المجتمعي، وجدت ترحيباً واسعاً من مكونات المجتمع بالمنطقة، فيما لم يصدر أي موقف رسمي من أطراف النزاع بالمنطقة في كل من الخرطوم وجوبا .

وتأتي الخطوة بعد تحقيق استقرار نسبي في المنطقة المتنازع عليها بين دولتي السودان وجنوب السودان .وتقع منطقة أبيي في مثلث استراتيجي غني بالنفط، ممتد في مساحة أكثر من (4) آلاف ميل مربع، تضم (46) قرية، (32) منها قرية مستقرة والأخرى يتنقل أهلها الرعاة في فترة الصيف بحثاً عن الماء والكلأ . حركة التنقل مع الماشية تمثل أكبر المشكلات التي تواجه المنطقة والمواطنين، كما مثلا تحدياً للحكومة في كيفية توفير الخدمات ، أما أبيي المدينة، فتبعد حوالي (5) كيلومترات من الخط الصفري بين دولتي السودان ، وفقاً لحدود (1956م) ، سكانها من دينكا نقوك، المسيرية.

ورحبت قيادات بالمسيرية بالخطوة ووصفتها بالإيجابية التي تصب نحو إيجاد حلول للنزاع بعيداً عن أي طرف ثالث، معلنين عقد عدة لقاءات مع قيادات المنطقة والمثقفين في هذا الشأن بجانب مخاطبة المجتمع المحلي بالمنطقة من أجل إنجاح المبادرة التي قدمها “فرانسيس”.

ومن الجانب الآخر رحب “كوال مليك شول”، القيادي بدينكا نقوك بالحوار المجتمعي بين المسيرية ودينكا نقوك ، وأشار إلى أن المبادرة قدمت لرئاسة حكومة جنوب السودان وقيادات الدينكا بجنوب السودان من أجل المشاركة ودعم الحوار المجتمعي، ولفت “شول” إلى أن اتفاقاً تم بشأن فتح حدود المسيرية ودينكا نقوك بواسطة الإدارة الأهلية من الجانبين.
وحول إمكانية نجاح اللجنة في حل قضية أبيي ، يرى “محمد معاطي” من القيادات الشبابية بأبيي ـ نائب أمين شباب الوطني بدائرة أبيي ـ أن التعايش المجتمعي بأبيي موجود أصلاً ويحتاج فقط للدعم من واجهات الدولة عامة ، خاصة فيما يتعلق بالتنمية لتأكيد تبعية أبيي للسودان خاصة وأنها قضية سياسية في المقام الأول، وعلى الدولة تحريك كافة المنظمات الوطنية للعمل في أبيي لتوفير الخدمات .وقال : إن هناك تعاوناً وتعايشاً بين الجانبين. وأوضح “معاطي” أن المشاكل التي تحدث أحياناً يتسبب فيها المتفلتون من الجانبين يخرقون الجانب الأمني، لكن لجان السلام الشعبية تتصدى لمثل هكذا خروقات، خاصة في المناطق التي تجمع كافة الأطراف مثل سوق فيض الزراف (اميت)، حيث يحكم هذا السوق بالأعراف المحلية، وأصبح نموذجاً للتعايش السلمي .

وأوضح “معاطي” أن قرى أبيي تبلغ (36) قرية تقع شمال أبيي لا يوجد بهاما يزعزع الأمن، أما في بقية المناطق توجد لجنة الشرطة ، ودورها يتمثل في ضبط المتفلتين من المسيرية حال وقوع نهب للماشية ، تعمل اللجنة على إرجاعها. وبالمقابل هنالك لجنة تسمى (17+17) تهتم بأمر دينكا نقوك وتحاكمهم حال اعتدوا على المسيرية.
وأكد “معاطي” أن أبيي تشهد استقراراً أمنياً غير مسبوق بفضل التعايش السلمي ، وأخر اشتباك وقع قبل شهر في مناطق الدينكا راح ضحيته أحد أبناء المسيرية وكان الجناة من المتفلتين الذين يعكرون أجواء السلام بين الفينة والأخرى ، وقال “معاطي” :إن دور اليونسفا ضعيف وتدخلها محدود ولا تنتشر في كثير من المناطق وتسير دورياتها فقط في الطرق المعبدة وفي وسط أبيي، وفي هذه المناطق لا يتواجد المتفلتون بينما نجد أن الخروقات تقع في غرب وشرق أبيي.

“شول ميوت” من قيادات دينكا نقوك، قال :إن تشكيل لجنة مشتركة من الجانبين لحل قضية أبيي عبر الحوار المجتمعي أمر مقبول ، وقال: في عام 2016م أطلقت مبادرة عملية من الجانبين أفضت إلى إنشاء سوق “فيض الزراف” وهو نموذج للتعايش السلمي، واستمر في العمل وتوفير السلع وتداولها منذ عامين دون حدوث أي خروقات .
وتري بعض قيادات الإدارات الأهلية بأبيي أن استقرار المجتمع وتحقيق تعايش سلمي حقيقي يتطلب تنميةً شاملةً في المنطقة، خاصة وأنها تفتقد للخدمات الصحية والتعليم رغم أن المنطقة تزخر بثروة هائلة.

بحسب العمدة “يحيى جماع” فإن أبيي تزخر بثروة حيوانية كبيرة تبلغ أكثر من (10) ملايين رأس، وهي في زيادة مطردة مما جعلها تمثل عبئاً ثقيلاً على المواطنين، وأرهقتهم جسدياً ونفسياً بسبب الترحال للبحث عن الماء والكلأ، بالإضافة لمخاطر تعدي الحدود إلى داخل دولة الجنوب، وأضاف: (هناك من قتل وهلك بسبب الرعي).
وذكر “جماع” أن المنطقة تراجعت مساحتها بنسبة (45%) بسبب حقول النفط وبسبب الحواكير الزراعية، حاثاً إلى ضرورة التعايش السلمي مع دينكا نقوك، والمسيرية ، وقال:إن علي الجانبين القبول بالآخر، والترحيب بالضيوف وإحسان معاملة من يزورون المنطقة لعكس صورة مشرقة للمسيرية، بدلاً عن صورة الحرب والدمار التي رسخت لدى المواطنين، مؤكداً أن أبيي منطقة سودانية لكل القبائل دون تفضيل.

صحيفة المجهر السياسي.