قُرُوش البترول وَين؟!
أمس؛ سَرَت في أثير الواتساب والوسائط الأخرى رسالة صوتية للدكتور محمد محيى الدين الجميعابي يسأل فيها بصورة مُتكرِّرة )قروش البترول مَشَت وين؟( والسؤال مُوجّهٌ مجازاً للدكتور مصطفى نواري في سياق سجال ثنائي.. ولكنه في الحقيقة اتّهامٌ كبيرٌ مُوجّهٌ للحكومة وأطقمها الحالية والسابقة..
وللحقيقة والتاريخ؛ السؤال ليس من بنات أفكار الجميعابي.. فهو منتجٌ من موديل 2011 بعد استقلال دولة جنوب السودان.. عندما طارت سكرة البترول وحانت لحظة الحقيقة.. وبدأت الحكومة تتحسّس جُيُوبها في حسرةٍ وتطلب من الشعب الاستعداد لربط الحزام ليس للانطلاق بأقصى سُرعة نحو المُستقبل.. وإنّما ربط الحزام حول البطون استعداداً للعُسرة.. وتولى الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية آنئذٍ – الإجابة على السؤال في جلسةٍ مُغلقةٍ لمجلس شورى المؤتمر الوطني عُقدت في 16 يونيو 2012 وكانت تُناقش الشأن الاقتصادي.. فقال )قدرٌ من عائدات الدولة ذهبت في البذخ السياسي، ويجب الاعتراف بذلك..(..
لكن إجابة النائب الأول – حينئذٍ – لم تكن كل الحقيقة، فعبارة )بذخ سياسي( مُخَفّفَة، تُحوِّل الجريمة إلى مُجَرّد )جنحة( صغيرة لا تستحق الأنين.. لكن الإجابة على أيِّ حالٍ كانت رأس الخيط الذي يقود إلى المُتّهم.. فعندما تكون التُّهمة )أين ذهب المال؟( فإن الإجابة الحقيقية يجب أن تبدأ بسؤالٍ مُضادٍ هو، وأين كان المال قبل أن )يذهب(؟ فالذي )يذهب( لا يتحرّك من فراغٍ، بل من )مكانٍ(.. فأين كانت أموال البترول؟ قبل أن )تَذهب(؟!
وتعظم المصيبة أكثر لو كان السؤال مُمتداً إلى تاريخ هذه اللحظة.. فيظل السؤال طازجاً، الآن أين )مكان( الأموال العامة؟ حتى قبل أن )تذهب(؟!
في أيّة دولة راشدة، المال العام مكانه سِجِلات مرصودة ومحروسة.. وليس مُهمّاً أين )تذهب( الأموال طالما أنّ النظام المالي يرصدها، والنظام الرقابي يحرسها، والنظام العدلي يُحاسب على تبديد أيِّ سنت منها..
لماذا لا يَستطيع مُوظّف الخزينة في البنك سرقتها واستغلالها لمصلحته الخَاصّة؟ الشرطي الذي يقف في باب البنك لن يمنعه من سرقتها.. لكن الدفاتر والسِّجِلات والرّصد هو الحارس الحقيقي.. ففي أيِّ سِجِلات كانت تُرصد أموال البترول؟ ومَن يَحرس السِّجِلات ويفتشها ويُقلِّب أوراقها ورقة ورقة؟ هنا الجاني والمُتّهم الحقيقي.. المُتّهم هو النظام الذي يسمح للأموال العامة أن لا تكون في المكان الذي تُرصد فيه وتُسجّل.. والذي لا يسمح لعين الرقيب أن تطاله وتدقّق في دفاتره.. هنا المُتّهم الحقيقي.. فالسؤال ليس أين )تذهب( الأموال؟ طالما أن لا أحد يعرف أين هي.. ولا كيف تخرج وتتحرّك..
في أكثر من موسم مراجعة، كان المراجع العام يرصد الأرقام المهولة لتجنيب الأموال العامة، بل والأنكى أنّ بطولة لعبة التجنيب تُسند لوزارات ومُؤسّسات سيادية.. والقاعدة المالية تنص أنّ من يُجنِّب دولاراً واحداً يقدر على تجنيب مليار..
والتجنيب يعني ببساطة الخُرُوج من سِجِلات الرصد!! يَعني أنّه )مالٌ سائبٌ(.. والمال السّائب يعلِّم السّرقة..!
حديث المدينة …. عثمان ميرغني
اه يا وطن اه يا وجع
مجنبة دي إسم الدلع للسرقة – النهب – الهمبتة، والتي هي ليست بهدف الغنى ،،، لا لا بل هي بهدف التدمير والتخريب الممنهج، والمغالط فلينظر ويمحص حوله ليجد الإجابة، اللهم أبدلنا خيراً منهم عاجلاً غير آجل، يارب العالمين، بجاه سيد المرسلين.