زحمة الصرافات ومجرى السيل
خبير اقتصادي قدم حلاً غريباً لحل مشكلة السحب من البنوك مباشرة أو حتى عن طريق أجهزة الصراف الآلي التي توفر خدمة سحب محددة لا تزيد في اليوم عن مليوني جنيه..
< و الحل هو أن تطبع الحكومة مزيداً من السيولة ..و لا أدري كيف يكون هذا خبيراً اقتصادياً كما يقدمه الإعلام بهذه الصفة التي يبدو أنها أصبحت رخيصة إلى هذه الدرجة ..مثل صفة أستاذ ..و حتى أستاذة التي حلت محل ( يا خالة )في الأسواق لجذب الزبونات فوق سن الأربعين والخمسين ..والبائع يكون في عمر العشرين.
< والخبير الاقتصادي هذا يغفل على ما يبدو عما دفع الحكومة لامتصاص السيولة بعد أن كثر امتصاصها للأصفار التضخمية عبر تغيير العملة بأسباب مختلفة ..من جنيه إلى دينار ثم إلى جنيه نيفاشا ثم إلى جنيه تقرير المصير هذا .
< الحكومة لا تحتاج إلى طباعة أوراق نقدية الآن ..ولو احتاجت فستطبعها طبعاً ..ولكن السيولة بالترليونات موجودة في خزائن وحسابات الأموال العامة المجنبة ..فلا حاجة لها إلى طباعة أوراق نقدية إذن ..
< هي تحول السيولة أو معظمها بالمضاربات في العملة إلى خزائن وحسابات الأموال المجنبة لتغطية بنود صرف ( ضروري )خارج الموازنة .. وهي ورطتها التاريخية ..فهي تظل تبني هكذا قصور إنجازاتها المختلفة على مجرى سيل الأموال العامة المجنبة في خزائن شركات ومؤسسات حكومية تقدم خدمات مصرفية وتأمينية وتعليمية وعلاجية واتصالية ونقلية وهلم جرا ..
< وحالها إذن.. يعبر عنه هنا في أغنية ( الهدف )صلاح بن البادية :
وأبني قصور في مجرى السيل..
والسيل شديد بالحيل يهد ويشيل..
و ارجع تاني من أول أعيد نفس البنيتو قبيل
ويرجع تاني من جديد السيل يهد ويشيل ..
أظن يا دنيا بختي قليل وسوء الحظ قصدني عديل ..
< وهو بالضبط حال هذه الحكومة السودانية ..تصدر وتقبض عوائد الصادرات والمنح والقروض ..لكنها كلها تذوب شمار في مرقة وتتراجع قيمة العملة وترتفع الأسعار وتزيد يومياً حدة الغلاء .. فيمضي الموظف الكبير في الدولة أو صاحب المهنة الإبداعية نحو السوق ليقوم بعمل لا علاقة له بمهنته لكنه حلال و ساتر الحال.
< فلو لم تتخلص الحكومة من هذه الورطة النقدية والمالية بسبب التزامها بتوفير سيولة لتغطية صرف خارج الموازنة على حساب محدودي الدخل ومن يريدون سحب أموالهم للمعيشة، فإن فكرة الخلاص البديلة ستظل حلماً مسيئاً لها كحلم أكثر من أن يتحقق .. وحتماً سيتحقق ..لأن الأعمار محدودة ..ولعلها قاربت نهاياتها.
< ثم إن هذه البلاد ليست مشكلتها المعيشية بسبب خروج نفط الجنوب أو توقف عبوره.. فقبل استخراجه كان الحصار وكانت الحروب بكل الاتجاهات.. لكن مع ذلك كان هناك استقرار إلى حد كبير لسعر الصرف و الأسعار .
< و استخراج الذهب وتهريبه يبقى تفويتاً لفرصة قبض عملة صعبة مصيرها إلى مجرى السيل و السيل شديد بالحيل يهد ويشيل ..فلماذا الاعتماد عليه في بلاد مياهها غزيرة بمصادر متعددة جريان وصب ونبع .. وأراضيها خصبة وشاسعة ومناخاتها اقتصادية؟..
< فحظر استخراج الذهب يبقى أفضل من تهريبه إذن.. لو كان في تهريبه مشكلة ..لكن هو أيضاً يستخدم عائده لتغطية الصرف الحكومي خارج الموازنة بالاستفادة من فرق سعري الصرف الرسمي التخفيضي والموازي الحقيقي..واستخراجه كإنجاز يبقى بناء قصور على مجرى السيل ..والسيل شديد بالحيل يهد ويشيل.
غداً نلتقي بإذن الله ...خالد حسن كسلا
صحيفة الإنتباهة