حقيقة الموقف الصيني من المشاركة في إعادة إعمار سوريا
ضيف حلقة اليوم: المستشار الاقتصادي والخبير بالشؤون الصينية منيرغنيم. تعليق: غريغوري تروفيمتشوك، رئيس مجلس الخبراء التابع لمؤسسة دعم البحث العلمي “ورشة الأفكار الأوروبية الآسيوية”.
نشرت وسائل الإعلام العربية مؤخراً أخباراً تزعم وجود قوات عسكرية صينية في سوريا. جاء ذلك على لسان المبعوث الخاص للحكومية الصينية إلى سوريا شيه شياو يان في العشرين من شهر أغسطس/آب الحالي. وقد كانت تحدثت وسائل الإعلام العربية في أوائل هذا الشهر عن استعداد السلطات الصينية للمشاركة في الحرب ضد الإرهابيين في إدلب ومناطق أخرى من البلاد. ونسبت هذه التصريحات إلى سفير جمهورية الصين الشعبية لدى دمشق في السنوات الأخيرة.
الصين دعت سابقاً و تدعو حاليا بقوة إلى تسوية الصراع في سوريا حصراً بالوسائل السلمية. ولم ترسل أي قوات عسكرية إلى سوريا. هذا ما شدد عليه شيه شياو يان المبعوث الصيني الخاص إلى سوريا، وأشار الدبلوماسي إلى أن نشرهذه المعلومات يهدف إلى تشويه السياسة الصينية، ونشر في وقت لاحق مقالا موضحا أن الصين ليس لها وجود عسكري في سوريا.
كما أكد شياو أن بكين تخطط للمشاركة في إعادة إعمار البلاد المتضررة من النزاع، ولكن فقط بشرط توفير الأمن بشكل أساسي، وقال شيه شياو يان نأمل بأن يولي المجتمع الدولي اهتماماً خاصاً بإعادة الإعمار في بعد الحرب، واصفاً هذه العملية بأنها ليست مسألة بلد واحد أو بلدين.
جاءت هذه التصريحات خلال مؤتمر عقده شياو حول نتائج زيارته إلى المنطقة، وأوضح أن المهمة الرئيسية في الوقت الراهن هي استعادة السلم والإستقرار في البلاد. متسائلا عن ماهية نفع بناء جسر أو مدرسة أو مستشفى وفي اليوم التالي يتم تدميرىها أو تفجيرها…!!!، وأين تكمن عملية التنمية والانتعاش في ذلك…!!!، وأشار شياو إلى أنه من غير المنطقي البدء بعملية الإعمار في مثل هذه الظروف خاصة عندما تكون حياة الناس ومن يقوم بهذه الأعمال في خطر، وأكد شياو على أنه يتطلب من جميع الأطراف أن تبذل الجهوداً اللازمة من أجل البدء في العمل في هذا الاتجاه بشكل سليم.
بناء على ماتقدم لابد من الإجابة على التساؤلات التالية:
من الذي يستفيد من الشائعات حول التواجد المزعوم للجيش الصيني في سوريا؟
ومالهدف الذي يقف وراء نشرها بهذا الشكل وفي هذا التوقيت؟
هل كانت هناك مقترحات فعلية ملموسة من قبل الصين لإعادة بناء وإعمار سوريا؟
الرئيس السوري بشار الأسد كان قد قال عدة مرات أن أولوية المشاركة في إعادة إعمار سوريا ستكون للشركات الروسية، ولكن هل ستكون روسيا قادرة على منافسة الصين في هذا الإطار؟
الموقف الصيني العام من كل هذه المتغيرات؟
هل تناور الصين بهذه الطريقة كي تحصل على أكبر حصة من عملية إعادة الإعمار أم أنها فعلا تريد أن تكون طرفاً فعالاً في هذا الإطار؟
ماهي أصلا أهداف الصين من هذه المشاركة أو على الأقل ماهي المكاسب التي يمكن أن تحققها عدا عن المكاسب المادية؟
ماذا عن القرض الذي كانت الصين قد أقرت تقديمه منذ فترة لدعم عدد من الدول العربية بما فيها سوريا؟
ماهي الاتفاقات الموقعة بين سورية والصين في إطار التعاون الاقتصادي والتجاري بموازاة الدعم الذي يتم الحديث عنه، وهل هي اتفاقات منفردة ؟
بهذا الخصوص علّق رئيس مجلس الخبراء التابع لمؤسسة دعم البحث العلمي “ورشة الأفكار الأوروبية الآسيوية” غريغوري تروفيمتشوك قائلا:
“الإشاعات حول الوجود العسكري الصيني المزعوم في سوريا هي مفيدة بشكل أساسي لمعارضي العلاقات الروسية الصينية. لم يعودوا يعرفون في أي جانب يضربون وبأي عجلة يمكن أن يضعوا العصي لتوقيف عجلات الآلة الروسية الصينية المشتركة لإعاقة تقدمها وحركتها. هنا في هذه الحالة تم اختيار سوريا.
لا تعتزم الصين القيام بأعمال حربية في أي مكان خارج حدودها، إلا أنها تعتزم العمل في المجال الإقتصادي في سوريا، وهي تبدي استعدادها منذ فترة بعيدة للمشاركة في إعادة بناء سوريا، بما في ذلك لأنها شريك لروسيا، والآن تتوفر كل الشروط لذلك، ولا سيما أن روسيا ساعدت بجدية في تحسين الأوضاع داخل سوريا، من ناحية أخرى الصين لوحدها لا تستطيع تنفيذ أي مشروع في سوريا على الرغم من حقيقة أن المشهد هناك يميل إلى الاستقرار، بنفس الوقت نرى أن الوضع لايزال معقداً. لا يمكن للصين أن تعمل هناك إلا في إطار مشاريع مشتركة مع روسيا وحتى بمشاركة بعض الدول الأخرى التي ترغب في إعادة بناء سوريا”.
بدوره المستشار الإقتصادي والخبير بالشؤون الصينية منيرغنّيم يرى أن:
“الدولة الصينية بالنسبة للسياسة الخارجية لا تتخذ أي قرارات سياسة انفرادية إن كان في التدخل العسكري أو التدخل في شؤون الدول لأهداف سياسية أو لأبعاد جيوسياسية واقتصادية، هذه الشائعات هدفها إرباك الوضع في معادلة الحلفاء الروس والسوريين والإيرانيين للإيهام بأن هناك بعض الخلافات أو بعض الإشكاليات بين الحلفاء، من هذا المنطلق أتت هذه الشائعات لا أكثر، ومن أجل التشويش على الحل السياسي في سوريا”.
وأشار الخبير غنيم إلى أنه:
“بلا شك المتابع للسياسة الصينية أو لسياسة دول بريكس بشكل عام يرى أنها تكون متعلقة بأمن الدول وتدعو لعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وإلى احترام القانون الدولي، الصين معنية بالإنماء والتطوير الإقتصادي وإنشاء علاقات اقتصادية استراتيجية مع كل الدول وخصوصاً مع الدولة الوطنية السورية، والدور الصيني دور إيجابي ويتجه بالاتجاه الصحيح، ولايمكن أن يكون فيه أي اعتراض أو اختلاف مع الدول الصديقة والحلفاء، والدول الصاعدة ليس فقط الصين تبحث عن معادلات جديدة في القانون الدولي بحيث تضمن أولاً القانون الدولي لحماية الدول وعدم التدخل في سياساتها الداخلية، وأيضاً كنموذج جديد في العلاقات الاستراتيجية بين الدول، الغرب دائما يتحدث عن حرية التعبير والحرية الفردية وحقوق الإنسان، في الواقع يجب دعم الدول لكي تحقق البيئة المناسبة للإفراد ليقوموا بنشاطهم الحقوقي والاجتماعي بشكله الصحيح”.
وأردف الخبير غني:
“لايوجد أي كيان أو دولة في العالم لاتبحث عن مكاسب ومصالح، وبشكل عام الصين تبحث عن مجال جيوسياسي آمن لايوجد فيه حروب وعدم استقرار وخلافات بحيث يساعد على التنمية والتطوير المستدام لهذه المساحة الجغرافية، وبالتالي الاستمرار في الإنماء والتطوير ومنه تقليص مساحة تمدد الإرهاب والمشاكل السياسية، والصين بشكل عام مرتبطة بتعاون وتحالف استراتيجي مع روسيا وهي جزء من مجموعة دول بريكس لايمكن لها أن تتخذ قرارات منفردة، وسوريا حليف استراتيجي لروسيا، والصين دولة حليفة إلى حد ما لسوريا، لكنها لاتتخذ القرارات السياسية الخارجية بشكل فردي أو لفرض نفوذ سياسي أو اقتصادي، وإن وجدت الصين مصلحة اقتصادية لاتؤثر على الأصدقاء والحلفاء فلا بأس أن تدخل من هذا الباب، أما بشكل عام إن وجدت أهدافاً اقتصادية واستثمارية في سوريا فلا بد من التنسيق مع الأصدقاء والحلفاء وذلك لسبب بسيط لأن هناك منظمومة شنغهاي للتعاون الاقتصادي والأمني وقرارات هذه الدول ليست قرارات فردية، وهي ليست دول جديدة بل هي دول عميقة سياسياً وإقتصادياً وبالتالي القيادة الروسية حكيمة وكذلك الأمر القيادة الصينية ولديهم أبعاد استراتيجية ويتحركون كمنظومة دولية”.
وأضاف الخبير غنيم:
“القرض بالنسبة للمنطقة بخصوص المشاريع الإنمائية للمنطقة مازال العمل مستمراً عليه، وخاصة لجهة سوريا، لأنه توجد هناك حكومة وطنية وحكومة قادرة على تحمل المسؤولية والالتزامات، وقادرة على التطوير والنتمية المستدامة، وبالتالي لها أولوية في إنشاء المشاريع الصناعية والتطويرية المستدامة، والصين معنية بهذا الأمر، والقرض قيد التنفيذ، ولذا نرى أن الصين تهتم الآن بالملف الأمني، وهناك نقطة مهمة هي وجود جماعة “الإيغور” في سوريا وهم يعتبروا مواطنين صينيين، لذا من واجب الدولة الصينية أن تتحمل المسؤولية وتعمل على متابعة الملف الأمني في سورية وهذا واجب، والحليف الروسي بالمجل حليف قوي ويستطيع أن يقوم بواجباته دون الحاجة إلى مساعدة حليف أو صديق. وبالنسبة للمشاريع التنمية الاقتصادية والإنمائية والاتفاقات الأولية، كما قلنا الملف الأمني يأتي بالدرجة الأولى، والأهم هنا أنه في حال قدمت الصين القروض فهذه القروض ستكون للمشاريع الأساسية، ستكون للمساعدة في حل المشاكل الأمنية وتأمين حل للمشاكل الحياتية الأساسية من طبابة أو غذاء إلخ، أما كمشاريع مستقبلية فهناك مشاريع ودراسات كثيرة جداُ، وكما قلنا ستدخل الصين من منطلق مفهوم المنظومة وليس كدولة الصين، ستدخل لتطوير البنية التحتية للجمهورية العربية السورية لأنها تأتي في المرتبة الأولى، ثانياً لإنشاء المناطق الصناعية ومرافق النقل في الموانىء والمطارات واستكمال مشروع طريق الحرير ولتطوير المنطقة بشكل عام. سوريا منطقة جغرافية هامة جداً من حيث موقعها على البحر الأبيض المتوسط، ومركزيتها إيديولوجياً كمركز وثقل الوطن العربي سياسياً واقتصاديا، وبالتالي نرى أن الصين ومنظومة دول بريكس بشكل عام ومنظمة شنغهاي معنية بالتعاون الاستراتيجي مع سوريا”.
سبوتنك