هل تجاوز الوطني خلافاته
يجد كل من تابع جلسات دورة الانعقاد السادسة لمجلس شورى المؤتمر الوطني التي أُختتمت أمس، وما خرجت به و تم فيها اعتماد ترشيح الرئيس البشير لدورة رئاسية جديدة في 2020، أن الحزب الحاكم قد تجاوز أية خلافات كانت محتملة بشأن تعديل النظام الأساسي و اللوائح التنظيمية ودورات العمل داخل الحزب والدولة ، و لم يكن صعباً على المكتب القيادي والمجلس القيادي ومجلس الشورى أن يحسم هذه الأمور بسهولة ويسر غير متوقعين ، حيث كانت التكهنات تشير بشكل قاطع إلى تباينات وآراء متعارضة وحادة وتيارات مؤيدة ورافضة ، لكن كل ذلك لم يحدث ، حيث حسم المجلس والمكتب القيادي قبل التئام الشورى مسألة تعديل اللوائح والنظام الأساسي ، ولم تكن هناك من أصوات تعارض إلا صوتين أو ثلاثة كانت تنادي في مجمل اعتراضها بتطبيق اللوائح والالتزام بها أو تعديلها قبل الشروع في طرح أية مقترحات .
> ولأن مسألة ترشيح البشير مرتبطة بكل القضايا الوطنية الأخرى وتحدد مسارات واتجاهات البلاد ويبنى عليها الكثير في الداخل السوداني سياسياً واقتصادياً وأمنياً ، وتتحدد بها طبيعة العلاقة مع الخارج ، وكان مطلوباً الفراغ منها حتى تتهيأ الساحة السياسية وتحالفاتها للمرحلة المقبلة التي ستشهد الانتخابات بعد حوالي سنة وثمانية أشهر تقريباً ، إذ أن الانتخابات ستجرى في أبريل 2020 ، فإن الجميع في الحركة السياسية من أحزاب الموالاة والمعارضة وقف منتظراً ليرى ما الذي يفعله المؤتمر الوطني حيال مرشحه ، وظل حلفاء الحزب الحاكم وأحزاب الحوار يترقبون اللحظة التي يعلن فيها المؤتمر الوطني عن ترشيحه للبشير حتى يبنوا عليها الكيفية التي يتعاطون بها مع الانتخابات المقبلة ،خاصة تحالفهم القائم الآن وشراكتهم ومشاركتهم السياسية وتأييدهم للبشير .
> والآن أما وقد نجح المؤتمر الوطني في تجاوز هذه النقطة المهمة وحدد مرشحه و وجه المجلس القيادي الأجهزة التنفيذية للحزب لتقوم بدورها وما عليها من أعباء لبدء الخطوات العملية المتعلقة بالانتخابات والعلاقات السياسية مع القوى الحزبية الأخرى ، فإن الملاحظات المهمة والتعليقات يجب أن تتجه إلى ماهية العوامل الرئيسية التي جعلت الأوضاع داخل المؤتمر الوطني تمر بسلام دون أية تجاذبات تذكر ، خاصة أن الحزب تيار عريض يضم مجموعات وأطيافاً فكرية واجتماعية متنوعة، يمكن أن تختلف وتتفق وفق طبائع الأشياء في أصغر و أحقر الشؤون و أشرفها ..
> أولاً اكتشف المؤتمر الوطني وقيادته أن ما يشاع عن الخلافات الداخلية في صفه القيادي كانت مجرد تضخيم و تزيدات ومزايدات أكثرها توهمات من خارج الصف القيادي ، و أقلها ما لم يصل إلى حد وصفها بأنها خلافات عميقة يمكن أن تُهدد تماسك الحزب و تفت في عضده ، و ثانياً الخلاف حول اللوائح والنظام الأساسي اقتضته ضرورات رأى البعض أن التقيد بها و احترامها واجب، و لا يمكن استباق التعديلات بغية الوصول لهدف محدد يستحسن فيه سلوك الطريق القويم والسليم نحوه ، وهذا الرأي هو ما تم في نهاية الأمر ، فقد تحلى الجميع بروح المسؤولية و احترام الضوابط اللائحية وتم الاتفاق على تعديلها، إذ لم يكن هناك على الإطلاق خلاف حول شخص الرئيس الذي يراد له أن يواصل عطاءه في مرحلة سياسية جديدة و شرعية انتخابية تتجدد في 2020.
> الأمر الثالث و الأهم ، أن طغيان الشعور بالمسؤولية الوطنية لدى مجلس الشورى و قيادات الوطني ، و الإحساس بالتحديات الكبرى الماثلة أو الجاثمة على صدر البلاد ، و هي تحديات حقيقية و خطيرة للغاية ، مثل الوضع الاقتصادي المأزوم و التحولات الدولية و الإقليمية، وكيفية بناء السلام ووقف الحرب ، وكلها مُهدِّدات قد تعصف بالبلاد وتلقي بها في مهاوي الردى ، فقد استشعرت قيادات الوطني هذه المخاطر و الأخطار ولم تلتفت كثيراً لما قيل ويقال عن الخلافات الداخلية ، فسدوا الخلة بينهم ، و ساووا صفوفهم ، ووطأوا أكنافهم لبعضهم البعض ، و اتفقوا على المضي قدماً دون إبطاء و لينتظروا الآخرين من أحزاب و تنظيمات و قوى سياسية عند موعد ومفترق الانتخابات في 2020 ، وهو معطى زماني له قيمته الكبرى في مسير السودان نحو النهضة والاستقرار ..
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة