منوعات

“أوكتاجون” معرض مصري سوداني عن المدينة والناس

أعمال المستكاوي تبدو أشبه بأحجية مجسمة، أو متاهات طويلة ومعقدة من الخطوط والمنحنيات المستقيمة والدائرية.
تستضيف قاعة “مصر للفنون” في القاهرة حتى الثاني من سبتمبر القادم معرضا جماعيا تحت عنوان “أوكتاجون”، يضم أعمال سبعة فنانين مصريين وتشكيلي سوداني، وهم: حازم المستكاوي ومحمد عبلة وعمرو الكفراوي ونجيب معين وإسلام زاهر وإبراهيم الدسوقي ومحمد رضوان والفنان السوداني صلاح المر.

والفنانون المشاركون يتميزون بأنهم أصحاب تجارب مستقرة وذات خصوصية، وهي تجارب متباينة في معالجاتها ورؤيتها إلى الكتلة النحتية والمساحة التصويرية.

ومن هناك يعتمد حازم المستكاوي في طرحه البصري على ربط المتلقي بالعمل الفني، في آلية من الجذب والتواصل ومداعبة المخيلة البصرية، بدفعها عن طريق الحث البصري إلى محاولة فك طلاسم الأشكال الورقية التي يُشكلها بدقة وحرفية، وفي صياغات لا تنتهي.

هي أشكال مجسمة ومحكمة البناء والتركيب، تحمل بين طياتها طعم المدن والبيوت وتشي بمخيلة خصبة وحائرة، ويشكل المستكاوي أعماله عن طريق الورق والغراء، ومن بين هذه الخامات الفقيرة التي يستعملها في بناء أعماله يخرج كل هذا الثراء الشكلي الذي يستوقف المتأمل ويدفعه إلى محاولة استكشاف السر وراء تلك الأشكال فيجد نفسه مدفوعا إلى لمسها أو يشعر برغبة عارمة في محاولة تفكيك أجزائها.

صياغات لا تنتهيصياغات لا تنتهي

أما الفنان محمد عبلة الذي يشارك أيضا بنماذج من تجاربه الأخيرة، والتي تشي بعلاقة وطيدة ومتشابكة بينه وبين المجتمع، فيرسم المدن وشوارع القاهرة، يرسم الناس على المقاهي وفي الطرقات.

والأدوات التي يستخدمها عبلة لا حدود لها، ابتداء من اللون التقليدي المعالج بالفرشاة والسكين إلى الأصباغ والطباعة والفوتوغرافيا وأجهزة العرض الحديثة، أما تأثيراته فهي مزيج من الخربشات وضربات الفرشاة السريعة والمتتالية على مساحة العمل المفتوح على مصراعيه أمام كافة الإضافات.

وفي المعرض أيضا يقدّم الفنان السوداني صلاح المر تجربة بصرية مختلفة، وهي تجربة تحتل فيها الثقافة السودانية موقعا محوريا في لوحاته، فالتباين الجغرافي بين أقاليم السودان المختلفة وتعدد القبائل والثقافات التي تشكل النسيج العام للمجتمع هناك، أمران من شأنهما أن يخلقا مناخا بصريا متنوعا وغنيا.

ومن هذا المخزون والرؤية البصرية المتنوعة التي تتميز بها هذه الثقافة يستقي الفنان السوداني صلاح المر مفرداته وعناصره، فوجوه الأهل والأصدقاء، والأغاني والأهازيج، ومشهد الحقول الممتدة والنهر وحميمية العلاقات تشكل جميعها صورة مكتملة للوطن، يحاول هو أن يعكسها في أعماله التي تتميز بالثراء اللوني.

مناخ بصري متنوع مناخ بصري متنوع

وفي تجربة مغايرة يقدّم الفنان عمرو الكفراوي مجموعة من أعماله التي تمزج بين الرسم والفوتوغرافيا، وفي هذه الأعمال يقبض الكفراوي على تلك اللحظة الإنسانية الخاصة التي تبثها تلك الصور القديمة، ليشدك إلى عالمه الخاص وإلى رؤيته الذاتية إلى ذلك المحيط الشاسع والمليء بالصخب والتشوه.. إنها المدينة التي يحيا فيها، أو العالم المحيط بنا.

هو يشكل على نحو خاص مفهومه عن تلك المدينة كما يراها، تلك المدينة الكبيرة التي تتغير وتتبدل معالمها، وتتسع الهوة بين أطرافها، فيرصد حركة الناس في الشارع عن طريق الفوتوغرافيا، يراقب المارة وملامح الناس، يتحسّس تغير هيئة البنايات والشوارع عبر مقارنتها بأزمنة مختلفة، فالمقارنة باتت متاحة للجميع، وأصبحت لدينا القدرة على المقارنة بين طبقات من الأزمنة، وهي قدرة أتاحتها لنا الفوتوغرافيا بسهولة.

وفي مجال التصوير أيضا يمزج إبراهيم الدسوقي في أعماله بين القيمة البصرية الكلاسيكية وبين معالجاته اللونية المعاصرة، فهو يولي اهتماما بالغا بالتفاصيل المدرسية للعناصر الطبيعية والبشرية، من نسب وتشريح وظل ونور وغيرها، لكنه في نفس الوقت يبدو متحررا في معالجاته اللونية، أعمال الدسوقي تثير إحساسا بالغموض، لكنها تحتفظ في داخلها بالهدوء والسكينة.

ومن التصوير إلى النحت في أعمال الفنانين محمد رضوان ونجيب معين اللذين يقدّمان تجربتين هامتين في مجال العمل المجسم، حيث تتميز أعمال محمد رضوان باختزال الكتلة، ومحاولة تقديم منحوتة مصرية تحمل مقومات الثقافة البصرية المحلية، وهو الذي يختزل كتلته النحتية عادة من منظور هندسي، في حين يستغرق الفنان نجيب معين في تحريف الأشكال ومعالجة أسطحها متأثرا بدراسته ومشاهداته للنماذج النحتية التاريخية، فأعمال معين أشبه بالأيقونات أو التمائم المصرية القديمة، وهو الذي يشكّل أشكاله الخشبية بصيغ أشبه بمعالجات الأعمال الخزفية، إذ يضيف إليها بعض التأثيرات اللونية التي تعطي إحساسا بالقِدم.

صحيفة العرب .