الأمريكي الجميل
من أشهر كتب القرن الماضي كتاب (الأمريكي القبيح) للكاتب وليام ريدرر الذي صدر عام 1958 وكانت الحرب الباردة في أوجها والكتاب يدور حول الأخطاء التي وقع فيها الأمريكيون الذي يعملون في جنوب شرقي آسيا. وقد سرى عنوان الكتاب سريان النار في الهشيم، فتم تنميط صورة أمريكا الذهنية به وبالطبع انسحب ذلك على مواطنيها. ونحن في السودان كانت أدبيات الحزب الشيوعي السوداني هي الطاقية على فكرنا، فقبح أمريكا والأمريكي كان متمكنا فينا، وهنا تحضرنا مقولة شاعرنا الكبير صلاح أحمد إبراهيم التي تقول “إذا أردت أن تقف مع الحق انظر أين تقف أمريكا ثم قف على النقيض منها” عليه تكون سباحة عكس التيار إذا ذكرت أمريكا بخير ناهيك عن أن تحبها أو تحب من يمثلها كدولة.
جوزيف ستافورد السفير الأمريكي وإن شئت الدقة القائم بالأعمال الأمريكي الذي غادرنا في الأيام القليلة منقولا من السودان وقد صاحب انتقاله الكثير من الشائعات عن إسلامه من عدمه وسبب تلك الشائعات أن السيد ستافورد أمضي فترته في السودان في حراك لا يشبه الدبلوماسية الأمريكية ولا أي دبلوماسية أخرى فقد كان كثير التردد على سجادات ومقامات الطرق الصوفية وكثير المدح لها ولبس زيها الأخضر كما زار أنصار السنة وقبل هديتهم التي كانت عبارة عن مصحف . دخل دار الرياضة في مبارة للمريخ مع فريق إفريقي ولم يكن محايدا بل توشح بزي المريخ الأصفر والأحمر، زار بعض القرى السودانية ونقل لهم تحيات الرئيس الأمريكي باراك أوباما (ولد ده ) .
لقد سبق لي أن تناولت حراك ستافورد أعلاه بكثير من الهزل والمزاح، فعبرت عن استيائنا له كهلالاب من توشحه بشعار المريخ ثم كتبت له بأن لا يجعل من قرى السودان خيارا وفقوسا طالما أن أوباما يحيي من على البعد بعض القرى السودانية فلماذا لا يحيي قرية أم ضريوة التي حذرت أمريكا كذا مرة وذات مرة عضدت ما قاله الأستاذ حسين خوجلي معلقا على زيارات ستانفورد للصوفية بأنها لعب على الدقون لأن واجبه هو تحسين علاقة أمريكا مع السودان وإنهاء مقاطعتها الاقتصادية من جانب واحد والتي أرهقت السودان كثيرا . التقيت باستافورد كفاحا وأنا معية صديقنا الأستاذ فيصل محمد صالح وثلاثة أصدقاء آخرون وكان ذلك بعد فوز فيصل بجائزة ماكلر فقد دعاه القائم لوجبة غداء بمنزله بالخرطوم اتنين قبيل مغادرته لأمريكا لاستلام الجائزة وكانت جلسة ودية للغاية أظهر فيها فيها السفير نهمه لمعرفة المجتمع السوداني ومكوناته.
لقد بدا لي أن استافورد امضى فترته في السودان وهو يعمل بطريقة (ما لا يدرك كله لا يترك جله) فإن كانت لبلاده سياسة معينة تجاه السودان وهو كموظف ملزم بتنفيذ تلك السياسة لكنه كبشر لم يهمل نزعته الانسانية فأقام علاقات تشبع اهتماماته ومعارفه الخاصة وكل الدلائل تشير إلى نجاحه وتوفيقه في الحفاظ على تلك المعادلة وها هو يعبر عن حبه للشعب السوداني لا بل تمنياته القلبية الصادقة بأن تتحسن العلاقة الرسمية بين البلدين وأن تنتهي المقاطعة الأمريكية للسودان. قال ذلك وهو يغادر السودان وذاكراً أن أيامه في السودان ستظل محفورة في ذاكرته لأن شعب السودان شعب ودود وقال إنه بذل جهده لترميم العلاقة بين الشعبين وقام بالكثير من التحركات ومع كل حركة بركة على حسب قوله الذي اقتبسه من دارجيتنا. فوداعا ستافورد لقد كنت دبلوماسيا أمريكيا مختلفا.
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]