مَرْحَبَاً بالسُّودان الكَبِير
الخرطوم اليوم أكثر سَعادةً من جوبا بتوقيع اتفاق السَّلام بين فُرقاء جمهورية جنوب السُّودان.. وتكتمل السّعادة إذا صَمَدَ الاتّفاق ونَجَحَ في تحقيق الاستقرار والتنمية للشعب الجنوبي الذي ظَلّ من عُقودٍ طويلةٍ ينتظر رفاهية يَستحقها فعلاً..
ولكن السّلام لا يتحقّق في جنوب السُّودان بمعزلٍ عن جارته الشمالية الأم، السُّودان، فإذا تحقّقت المُفاجأة التي بَشّرَ بها الدكتور عبد الرحمن الخضر رئيس القطاع السِّياسي بحزب المؤتمر الوطني، ووصل الخرطوم قادة الحركات المُسلّحة السُّودانية، وتحقّق السّلام في السُّودان، فإنّ الحُلم يصبح في مُتناول اليد، حُلم الوداع الأخير للحرب في السُّودان الكبير بجُنُوبه وشَماله.
من الحكمة أن تصبح هذه مُناسبة للاعتبار.. نظرة سريعة إلى بقية مسرحنا الأفريقي نُوضِّح بجلاءٍ ثمن الحرب في مُقابل السَّلام.. دولة رواندا خَاضت أبشع حَربٍ أهليةٍ في الكَون، رَاحَ ضَحيتها في أقل من مائة يوم أكثر من مليون نفسٍ بريئةٍ، بلغت الكراهية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي أن يقتل الجار جاره، والزوج زوجته في حملة تطهير عرقي عبّر عنها الفيلم الأمريكي الرائع “فندق رواندا”.. وبعد أنهار الدماء وَعَى الشّعب الرواندي الدّرس وأقبلوا على الحياة بعقلٍ جديدٍ، فأصبحت بلادهم الآن واحدةً من أجمل الدول وأسرعها نُمُواً.
الآن في يد جوبا والخرطوم أن يزرعا الأمل في حياةٍ جديدةٍ لشعبيهما إن وعيا دُرُوس الحُروب المَاحقة.. ولكن ليس بالأماني وَحدَها تتحقّق الأحلام.. لا بُدّ من عَملٍ حَقيقي يبدأ برؤيةٍ سديدةٍ لمُستقبل السُّودان الكَبير.. تنجب خُطة استراتيجية بصيرة بنقاط القوة والضعف فتعظم القوة وتخفض الضعف..
لكن بناء مثل هذه الرُّؤية والاستراتيجيّة لا يَتَحَقّق إلا في ظل نظم تقوم على دولة القانون والمُؤسّسات.. كَمَا هو الحال في العالم الراشد.. نظم تتخطّى غبائن الشّخصنة إلى حَصافة رجال الدّولة الذين يَدركون أنّ حياتهم مهما امتدت فهي زائلة وتبقى الأمم والشعوب على مَدَى الدهر..!
حَانَ الوقت لنعمل معاً من أجل السُّودان الكَبير؛ فمهما فرّقت بيننا الحُدود السِّياسيَّة، لكن مُستقبلنا واحد يتخطّى الحواجز..
لنبدأ بناء السُّودان الكبير.
عثمان ميرغني – حديث المدينة