زُوَّار اللـيل.. بين السرقة و(البلطَجة)!!
ثلاثة رجال غلاظٌ شِداد، يحملون (سواطير) من النوع (أبو كديس) دخلوا في إحدى الأمسيات على “سعد” الذي يقطُنُ هو وأسرته المُكوَّنة منه وحرمه وأطفالهما بضاحية صالحة جنوب أمدرمان، أحد هؤلاء (العتاولة) كان يقف في رأس “سعد” شاهراً (ساطوره) على أهبة الاستعداد لأيِّ (شنكَبَة عَنكبة) من قِبَل (صاحب الدار)، بينما كان الثاني يُراقب حركة الشارع، ظل الثالث (يلقِّط) في كل ما خَفَّ وزنه وغلا ثمنه من المُقتنيات؛ جهاز لابتوب يحوي رسالة دكتوراه لزوجة “سعد” ومبلغ (26) ألف جنيه وثلاثة أجهزة موبايلات حديثة.
(سواطير) وليلة مُرعبة!!
وبعد أن قضى الثالوث المُرعب على الأخضر واليابس، وخرج من منزل “سعد”، أطلقت زوجته صرخة مُدوّية، قام هو على إثرها مذعوراً ليسألها عن الحاصل، فحكت له تفاصيل هذا (الفيلم) المُرعب الذي شَاهدته منذ الدقيقة الأُولى وحتى خُرُوج (الحرامية)، هنا سألها: ولِمَ لَمْ تخبريني لحظتها؟! فقالت له: لقد كان أحدهم يحمل (ساطوراً) وهو مرفوع فوق رأسك مُباشرةً، فكان تقديري أنه لو نهضتَ أنت من مكانك فإنَّ (الساطور) سيفصل رأسك بضربة قاضية من الحرامي.
يقول “سعد” المُشكلة الحقيقية التي دخلتُ فيها هي حالة الرُّعب التي تملَّكت أطفالي لدرجة أن النوم (طَار) من عيونهم ليس في تلك الليلة المشؤومة وحدها، بل استمرت لقرابة الأسبوعين، وكانوا يُصرِّون على أن أبقى معهم بالمنزل ولا أذهب إلى عملي.
الصغيرة تضطرب!
(م. ع) تسكن في أحد أحياء أمدرمان العتيقة وتقيم بشقة هي وأسرتها، وكانت تعتقد أنّها تعيش في مكانٍ حصينٍ لا يستطيع اللصوص التسلُّل إليه مهما بلغت بهم الجُرأة، لكن هيهات.. ففي إحدى الليالي فاجأهم اللصوص وتَمَكّنوا من الدخول إليهم، وبينما أهل الديار يَغطون في نومٍ عميقٍ، تحرّك اللصوص بثقة في أرجاء الشقة وقاموا بسرقة أموالٍ كثيرةٍ من هنا وهناك، وأخذوا جميع الهواتف بالمنزل دون أن يحس بهم أحدٌ، إلا بعد استيقاظهم لصلاة الفجر ليفاجأوا بالأبواب مُشرعة والدواليب كذلك والملابس مُبعثرة في الأرض، والمُفاجأة انّه لا يُوجد ولا هاتف بالمنزل، ليرتعب الجميع من أنّ هنالك لصوصاً كانوا يتجولون حولهم، وبدأ الإحساس بالخوف لدرجة أن تدخل ابنتهم الصغرى في حالة خوف شديدة وبكاء وذلك لأنّها كانت لوحدها بغرفتها، وااستمر الأمر معها لفترة لا تنام لوحدها ولا تخرج من المنزل نهائياً إلا بعد أن تم عرضها لأخصائي، ليقول إنّ هنالك اضطراباً خفيفاً أصابها ومع العلاج سوف تعود إلى طبيعتها.
نهب مُسلَّح!
القصتان المذكورتان عاليه لا يمثلان سوى رأس جبل جليد كاد أن يُغطِّي البلاد وتحديداً العاصمة التي كثيراً ما يتباهى المسؤولون بأنها أكثر مُدن العالم أمناً وأماناً، ففي السابق كان مُصطلح زُوّار الليل يتداول بين أوقاتٍ مُتباعدةٍ ويتم في غاية السِّريّة، حيث لا يتجرَّأ اللصوص على حمل أسلحة فتَّاكة يشهرونها لكل من (تسوِّل) له نفسه الدفاع عن ماله وعرضه، لكن هذا ما يحدث الآن ومَضابط الشُّرطة تزدحم بمثل هذه البلاغات التي انتشرت بصُورةٍ مُخيفةٍ وأصبحت مُهَدّدة لأمن وسلامة المُواطنين، خَاصّةً وأنّ اللصوص باتوا يأتون وهم مُدجّجون بأسلحة يستخدمونها لتخويف وتَرهيب الأُسر، وكثيراً ما يتعرّض الأُسر لاعتداءات جسدية منهم، مما جعلها تتوجّس من هذه الجرائم التي تتم بقوة السلاح وإرهاب الآمنين من المُواطنين.!
حذاري من هؤلاء (……)!
وحسب الخبير الشُّرَطي الفريق صلاح الشيخ، فإنّ استخدام واستعمال اللصوص للأسلحة البيضاء يرجع لكثرة المتشردين الذين نشأوا وترعرعوا في بيئةٍ قاسيةٍ، ويمضي الفريق صلاح في حديثه لـ (السوداني)، إنّ هؤلاء يفتقرون للحنان والعيش السَّوِّي، ومنهم من يحملون الأكياس على ظُهُورهم ويتجوّلون في الأحياء، وكذلك العاملين بالخُرد الذين يَصيحون نهاراً ويتظاهرون بأنّهم يَبيعون ويَشترون لكنهم في حَقيقة الأمر يقومون بحفظ المنازل والأزقة نهاراً ويضعون خُططهم، وعندما يقبل المساء يتوجّهون للمكان الذي تمّ تحديده، ويُساعدهم في ذلك أصحاب الركشات، فالبعض منهم يعمل معهم ويُسهِّل لهم عملية التحرك، لذلك يجب الحد من تحركاتهم ليلاً ومُراقبتهم، وأيضاً هنالك الأجانب، فالبعض منهم له دورٌ في الجريمة وانتشارها وذلك باستئجارهم للشقق المفروشة بدون رخص ولا جوازات ولا يوجد من يسألهم! وواضح ذلك من آخر جريمة وقعت في (شقة شمبات) التي هزَّت البلاد بطولها وعرضها وكان مُرتكبوها من الجماهيرية الليبية، حيث ارتكبوا جريمة بشعة تجاه أبنائنا داخل الشقة!! فيجب أن يكون هنالك (كنترولٌ) صارمٌ على هذه الشقق ومنع أصحاب العقارات من استئجارها دُون معلومات، وعلى أقسام الشرطة في الأحياء القيام بمُهمّة تسجيل الشقق المفروشة، وأخذ الفيش من كل لص يتم القبض عليه والــ” DNA” لأنَّ ذلك يسهِّل من عملية القبض على المجرم في حال وجود أي بيِّنة، وأيضاً على اللجان الشعبية تفعيل دورها وهي تتمتّع بالقانون والحد من الأجانب بالأحياء.
زاوية نفسية!
وعن الأثر النفسي الواقع على النساء والأطفال من السرقات المصحوبة بتهديد الأسلحة، تقول د. حُسنة لـ (السوداني)، إنّ العنف في السرقات وصل حدّ القتل، ونحن في الفترة الأخيرة تابعنا الكثير من الأحداث يتخللها قتل أو أذى يمارسه اللصوص ضد الأُسر، وتضيف أنّ عُنصر المفاجأة له تأثيرٌ كبيرٌ ينتج عنه الاضطراب، وفي الفترة الأخيرة العُنف يحدث بدون مُقاومة من الأُسر ويتشرب في أذهان أفرادها مما تنتج عنه اضطرابات تحتاج لعلاج وتدخل أخصائيين.. أما الأطفال، فالأمر يتفاوت حسب عُمر الطفل ومدى استيعابه للخطر وطريقة مُشاهدته للص، لأن الكثير من الأطفال لا يحسون بأنّ اللص يُهدِّد أمن أُسرته إلا البعض منهم يعلم مدى مخاطره، خَاصّةً أننا كسودانيين من خلال التربية نعتمد على عُنصر التخويف، لذلك يخافون اللص قبل مُشاهدته، ورؤيتهم تحدث رهبة كبيرة قد تطور إلى مرض اضطرابي يسمى ما بعد الصدمة، ولا فرق فيها بين كبير أو صغير يدخلها الكل وقد تحتاج لعلاج طويل نسبةً لوقعها على نفس الأُسرة، لذلك تعتبر الآثار قوية جداً، فنحتاج لدراسة الأمر وتقليل وقعه على الأُسر، خَاصّةً أن الأساليب كثيرة مثل النهب والتهديد الأمني، مما جعل الكثيرين لا يتجولون بعد المغرب خارج سور المنزل أو داخله بسبب الخوف من اللصوص أو من التعرض لأذىً هم في غنىً عنه، ولذا لا بد من النظر في قضية اللصوص، لأن المسألة تعدَّت السرقة إلى (فوبيا) تملّكت الأُسر وهذه مُهمّة الشرطة التي ينبغي أن توفِّر الأمن للمُواطنين!!
البحث عن الثراء السريع
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي بروفيسور يوسف البدري لـ (السوداني)، إنّ ازدياد جرائم السرقات المصحوبة بمُمارسة العُنف يرجع لعدة أسباب، منها الانحراف النفسي وضعف الرعاية الأسرية والمُجتمعية، وأيضاً عامل آخر هو التأثير الضار للمخدرات، وهنالك نقطة أساسية هي تطلعات البعض ورغبتهم في الثراء السريع والوصول إلى أسمى الغايات حتى ولو كان ذلك بطرقٍ غير مشروعةٍ، مُشيراً إلى أنّ انتشار الجريمة المُنظّمة بَاتَ الأكثر تواجداً في الوسط، ولم تقف على الجريمة الفردية، بل أصبحت الفردية فقط في مناطق الازدحام، وانتشرت السرقات وكسر زجاج السيارات، بينما كانت البلاد آمنة، وبات اللصوص يدخلون الشقق والبيوت ويعتدون على الأفراد..!
الشرطة تحتاج لتنشيط الدوريات لمنع وُقوع الجريمة وهو أسهل من اكتشافها بعد وقوع الضرر.. ونحتاج لانتشارٍ كثيفٍ وتوعيةٍ قويةٍ وإجراءات وقائية ومراقبة دقيقة للأحياء والطرقات لتقليل زُوّار الليل، ومن ثَمّ المُراقبة التي تترتّب على الأُسر والجيران كي ينتبهوا للأشخاص الغرباء، نسبةً لتصاعدٍ كبيرٍ في الجريمة المُنظّمة التي يتم فيها سلب الأموال الخاصّة والعامّة، وعلى اللجان الشعبية في الأحياء القيام بتنشيط دورها واستعادة مهامها، لكثرة الوجود الأجنبي غير المقنن الذي يستهدف أمن وسلامة المُجتمع والاقتصاد، وعلى الشرطة الإعلان عن تلك الجرائم وتحذير المُواطنين بخُطُورة اللصوص للاحتياطات اللازمة، ويجب عليهم مُراقبة الوجود الأجنبي الكثيف في بقاع السودان كَافّة بلا ضوابط، ولا يوجد له مثيل في العالم فقط إلاّ في السودان.
صحيفة السوداني.