أسياف السياسة والإعلام
من الواجب أن يكون إيقاع الدولة وحركتها متناسقة ومتجانسة في عملية محاربة الفساد، فمعالجة الدولة وتصديها لهذه الظاهرة، كلٌ لا يتجزأ ومجموع لا يتفرَّع وعام لا يخصص. فما بين واجب توفير المعلومات وجمعها وتصنيفها والتحقق منها أحكام التحريات، وإخضاع البينات للفحص القانوني ودقة التحريات والتحقيقات قبل الذهاب للقضاء، لابد في هذه الحالة أن يترافق السياسي مع كل هذه الإجراءات. فالدولة يجب أن تولي هذه القضايا اهتماماً سياسياً أرفع وأقوى بما يؤكد ويعزز الإرادة الفاعلة من الدولة في اجتثاث هذه الظاهرة وتطبيب جسد الدولة العليل من سقامها مضاعفاتها ..
> في جانب واحد هو الملاحقة وجمع المعلومات والتحري والتحقيق، يوجد عمل منسق ومتكامل من عدة جهات، وهناك نيابة خاصة تكونت لتكون مختصة في جرائم الفساد، بالرغم من وجود نيابات للثراء الحرام والمشبوه والجرائم الموجهة ضد الدولة، والقضاء جاهز للنظر في الدعاوى التي ستُرفع إليه بعد اكتمال الإجراءات من النيابة العامة، لكن لا يزال هناك ضلع آخر يجب تفعيله بقوة هو السياسي والإعلامي، للتعامل مع هذه الظاهرة، وسبب هذا القول إننا نكتشف كل يوم أن سرطان الفساد نخر في عظم الدولة والمجتمع وتمددت هذه الخلايا المسرطنة المميتة الى أجزاء واسعة من الجسد، ولا تنفع معها المعالجات الجزئية الموضعية المتعجلة، ومن الضروري توفر صيغ سياسية و إعلامية متعقلة وذكية وفعالة حتى لا يتأثر المجتمع والرأي العام بالإحباطات التي تتأجج نارها كل يوم جراء ما يُنشر ويبث في وسائل الإعلام عن جرائم الفساد بسبب البطء في تقديم المتهمين للمحاكمات وسوح العدالة مع تزايد حالة فقدان الثقة في كل شيء من هول ما يضخ من معلومات كل يوم عن حجم الفساد وصوره وأشكاله ..
> من المفيد ألا يترك الرأي العام فقط للمعلومات المتدفقة والنشر الصحافي المنهمر باستمرار دون تبصير دقيق وشروحات وتوضيحات ( كيف ولماذا ولما )،حتى لا يستسهل الناس مثل هذه الجرائم الكبيرة والمحيرة التي ترتكب كل يوم، خاصة أن التهم تطال من ظلوا في الواجهة من الأسماء اللامعة في سماء الحياة العامة سواء أكانوا مسؤولين أم رجال أعمال أم في مهن أخري.. فإذا فقد المجتمع ثقته في كل شيء وزاد شكه في الجميع، سيفقد قيم المروءة والصدق والنقاء، وستقوم حياته على تعاظم الشبهة وضخامة الظن وتمدد رداء الشبهات ..وستجتاحه اللامبالاة والسأم ..وعندها سينهار ..
> ما يحدث الآن وما نراه ونعايشه كل يوم خطير للغاية، فأباطرة الفساد قبل القبض عليهم أو اقتيادهم للتحقيق أو من بقي حتى اللحظة حراً طليقاً، لم يهبطوا من كوكب آخر ولم يخرجوا من شقوق الأرض، كنا نراهم في كل مكان تفتح لهم مغاليق الأبواب، في أروقة الحكم والسلطة والجاه والصولجان، فمجرى الفساد كما يرى عميق جداً وغائر في اللحم و وصل العظم، وشبكات الفساد بطبيعتها متداخلة ومتشابكة وأخطر مما نتصورها، فلا يمكن أن يترك أمرها فقط للجوانب الإجرائية للأجهزة العدلية دون أن تكون أعين السياسة والإعلام مفتوحة تراقب وتصحح وتوضح وتحصن من الانزلاق بلا هدف..
> ملاحقة الفساد والمفسدين عملية لا تقبل ما يقال عن بعضها بموجب التسويات والتحلل، فهي ليست أخطاء ولا هفوات تغفر بالتحلل أو التسوية المنجية من العقاب، هي جرائم مخالفة لكل القوانين والشرائع وتترتب عليها أضراراً هائلة، وهناك ضحايا لهذا الفساد، بل الشعب كله ضحية لهذا النوع من الممارسات الفاسدة التي انتهكت القوانين والنظم والأخلاق، فما خُفي أعظم مما أُعلن، وما ظهر من جبل الجليد شيء يسير ..
> ندعو إلى تعامل أكثر حزماً وحسماً، يعبر عن الإرادة السياسية الحقيقية في محاربة الفساد، ولن ينصلح الحال فقط بالإجراءات العقابية والتحريات والتحقيقات والسجون والاعتقالات، المراد تغيير شامل وزواجر جديدة وقوانين وتشريعات أكثر ضراوة وردعاً، والى تناول وتعاطٍ إعلامي وسياسي يعرف كيف يجعل من مجرد كلمة فساد كلمة تنكرها العين والأذن والأنف، ومحاربتها بثقافة مجتمع لا هوادة فيها..
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة