الشعب التركي إذ يمنح أردوغان فرصة المضي قدما في بناء تركيا الحديثة
كما كان متوقعا، أسفرت نتائج الانتخابات التركية عن حسم مرشح “تحالف الشعب”، رجب طيب أردوغان، سباق الرئاسة من الجولة الأولى.
التحالف نفسه، الذي يضم حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية”، نجح أيضا في الحصول على الأكثرية في البرلمان بنسبة 53.7%.
رغم الاستقطاب السياسي الحاد، وارتفاع نسبة المشاركة في التصويت التي قاربت 90%، فقد جرت الانتخابات التركية بشقيها الرئاسي والبرلماني في أجواء ديمقراطية حضارية، أشبه بالعرس الديمقراطي، إذ لم يعكر صفوها سوى بعض الحوادث الصغيرة المتفرقة في مناطق شرق وجنوب شرقي تركيا، حيث تسود العشائرية التي غالبا ما تنعكس تناقضاتها على الأجواء الانتخابية.
** الانتخابات الرئاسية محسومة لأردوغان سواء في الجولة الأولى أو الثانية
في الانتخابات الرئاسية، حاز الرئيس أردوغان على المركز الأول، فحصل على 26 مليون و260 ألف و112 صوتا بنسبة 52.6%، بينما حصل منافسه، مرشح حزب الشعب الجمهوري، محرم إينجة على 15 مليون و304 آلاف و660 صوتا بنسبة 30.6%، بينما حل صلاح الدين دميرطاش في المرتبة الثالثة بنسبة 8.4%.
عقب فوزه مباشرة، توجه الرئيس أردوغان بالشكر للشعب التركي بأكمله على اختلاف مشاربه على المشاركة التاريخية بالعرس الديمقراطي، وقال إن المنتصر في هذه الانتخابات هي الديمقراطية والإرادة الشعبية.
في خطاب النصر الذي ألقاه الرئيس المنتخب من على شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة، قال أردوغان: “إننا لن نركع لأي قوة في العالم إلا لله” موجها الشكر لـ”جماهير الحزب التي وقفت إلى جانبه منذ 2002″.
كما تقدم بالشكر لـ”لحزب الحركة القومية، شريكنا في تحالف الشعب، ورئيسه دولت بهجلي، وجميع أعضائه على ما بذلوه من جهود لنجاحنا”.
وأضاف أردوغان أنه حمى بلاده من الانقلاب العسكري، وأنه حافظ على الدولة، وقال: “الشعب الذي تصدى للانقلابيين بالأمس وقف اليوم إلى جانب استقلاله ومستقبله”.
وأشاد أردوغان بنسبة المشاركة العالية في الانتخابات، لافتا إلى أن نتيجة الانتخابات “هي انتصار لكل الشعوب المظلومة والمقهورة في العالم”.
وأكد أن “أصوات الأذان ستصدح من كل مساجد تركيا” وأنه سعى ليكون “خادما للشعب التركي لا سيدا عليه”، ثم أضاف: “سنواصل تمسكنا بالقانون والديمقراطية وتعزيز الحريات خلال المرحلة المقبلة”.
** الانتخابات البرلمانية ساحة التنافس الأشرس
الانتخابات البرلمانية كانت الأشد منافسة والأكثر استقطابا، حيث اتساع رقعة التنافس السياسي، بسبب زيادة عدد المتنافسين، وكثرة العوامل المؤثرة في مزاج الناخب وتوجهاته.
النتائج النهائية غير الرسمية أظهرت حصول حزب العدالة والتنمية على 21 مليون و333 ألف و172 صوتا بنسبة 42.6% بواقع 295 نائبا، بينما حصل شريكه في تحالف الشعب على 5 ملايين و564 ألف و103 أصوات بنسبة 11.1% بواقع 49 نائبا، ليكون مجموع مقاعد الشريكين في البرلمان 344 نائبا بنسية 53.7%.
مقابل ذلك حصل حزب الشعب الجمهوري على 11 مليون و346 ألفا و240 صوتا بنسبة 22.6% بواقع 146 نائبا، وحزب إيي على 4 ملايين و989 ألفا و639 صوتا بنسبة 10% بواقع 43 نائبا، بينما حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 5 ملايين و865 ألفا و664 صوتا بنسبة 11.7% بواقع 67 نائبا.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي لم يكن ليحصل على هذه النتيجة لولا دعم “الشعب الجمهوري” الذي تخلى عن بعض أصواته لصالح تمكين “الشعوب الديمقراطي” من تخطي العتبة الانتخابية، حيث كانت مقاعده، التي تتراوح بين الخمسين و الستين، ستذهب لحزب العدالة والتنمية بشكل رئيسي.
رسائل الناخب التركي للسياسيين من خلال الأرقام أعلاه سوف نتناولها في تحليل مستقل، لكن قول الرئيس أردوغان: “تلقينا رسائلكم عبر صناديق الاقتراع وسنعمل خلال الفترة المقبلة على تلافي النواقص”، شكل العلامة الفارقة في رسم ملامح المرحلة القادمة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية.
** رسالة الناخب الأولى والأساس: منح أردوغان فرصة استكمال بناء تركيا الحديثة
منذ لحظة الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات، كانت جميع المؤشرات تدل على أن الشعب التركي سوف يعطي الرئيس مدة إضافية، ليمكنه من استكمال المشاريع الطموحة التي بدأها، والتي شكلت حجر الأساس في بناء تركيا الجديدة، كما يحلو لأردوغان أن يسميها.
الرسالة الأساس والأبرز في خطاب أردوغان للشعب التركي، كانت ضمن قوله: “بفضل الثقة التي منحتمونا إياها عبر صناديق الاقتراع سنبلغ سويًا إن شاء الله أهدافنا لعام 2023″، وقوله “لن يهدأ لنا بال قبل أن نصعد بتركيا إلى مصاف الدول العشر الأكبر في العالم”، وقوله: “سيتم توفير جميع الطاقات للصعود بالبلاد إلى مصاف الدول 10 الكبرى في العالم”.
بينما انصبت جهود بقية المرشحين للرئاسة على نقد النظام الرئاسي الجديد، الذي أجازه الشعب التركي بالاستفتاء، وإطلاق الوعود الانتخابية الفضفاضة التي لم تقنع غالبية الشعب.
كان الرئيس أردوغان يركز خطابه السياسي على مسألة استكمال مشروع 2023 الطموح، الذي يضع تركيا ضمن الدول العشر الكبار اقتصاديا وعالميا.
كان أردوغان يردد في جميع المهرجانات الانتخابية: “أولويتنا تحقّيق الأهداف، التي نصبو إليها بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية في2023” الذي يوافق الذكرى المئوية الأولى لإعلان الجمهورية.
بالرغم من صعوبة هذا الهدف، وصعوبة الظروف الاقتصادية التي مرت بها تركيا عشية الانتخابات، وبغض النظر عن أسبابها، فقد أبدى الناخب التركي ثقته بقدرة أردوغان على تخطي العقبات مهما كانت عظيمة، ومهارته وحنكته في الوصول بتركيا إلى مصاف الدول الكبار التي “تؤسس النظام” الدولي على حد تعبير رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو.
الشعب التركي جدد الثقة بالرئيس أردوغان لفترة ثانية، لكن التحدي الأول والعبء الأكبر الذي على كاهل أردوغان، يتمثل في اختيار فريقه الجديد الذي سيسير معه نحو الهدف، لك يكونوا بحق عونا له وسندا في هذا الماراثون الشاق.
الاناضول