في مقتل سامر وآخرين
القاسم المشترك بين حوادث القتل الثلاث، التي وقعت يومي أمس والجمعة هو السلاح ، الذخيرة الحية التي تختطف أرواح الناس . ومع اختلاف الدوافع ، وبالتالي موقع الجناة من مؤسسات الدولة أو عدمه ، فإن فقدان الأمان كان حاضراً في كل هذه الجرائم . قتيل شارع النيل لا يثق بالشرطة لذلك حاول الهرب بحثاً عن الأمان ، الصيدلي الذي يحمل مسدساً لا يثق في أن الدولة وشرطتها ستأتي لنجدته إن احتاجها لذلك قرر أن يحمي نفسه بنفسه ، تاجر سوق ليبيا كان ضحية لفقدان الأمان الناتج عن فقدان الثقة بالدولة ، لذلك اعترف المتهم الذي يمت له بصلة قرابة ، بأنه قتله لتسوية خلافات أسرية ، هو إذن مواطن لا يثق في مؤسسات الدولة العدلية كي تفض نزاعه مع القتيل.
عندما يفقد المواطن إيمانه بجدوى وجود الدولة يعود لحياة الغاب ، ويفقد المجتمع أمانه . غير أن وجود الذخيرة الحية في مسارح هذه الجرائم يأخذ بعداً آخر، ففي السنوات القليلة الماضية تعددت حوادث استعمال السلاح الناري في المشاجرات والخلافات الخاصة ، في حادثتي جامعة النيلين وجامعة بكرفان قبل سنوات ، كان الجناة عساكر من الجيش ، والضحايا طالبات بالجامعة ، وغيرها من الحوادث ، خاصةً ، في الولايات التي تعيش حالة حرب.
استسهال استخدام السلاح الناري يعود مباشرة للحروبات التي تدور في مناطق واسعة بالسودان . وإن كانت بعيدة عن العاصمة ، لكن ضحاياها ليسو ببعيدين ، فالعنف الذي تخلفه تجارب الحياة في مناطق الحرب ، لا يقل خطورة عن ذاك الذي يحدث للفاعلين بالحرب أنفسهم ، من عساكر وضباط في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية والدفاع الشعبي والقوات والمليشيات الخاصة . يأتون به لمناطق أخرى آمنة ، دون أن يخضعوا لعلاج من صدمة ما بعد الحرب ، وغيرها من الأمراض النفسية والعقلية التي تصاحب القتال . كمٌ من العنف كثيف تخلِّفه هذه الحروب لتصبح أحد الروافد الرئيسة في العنف الذي يعيشه المجتمع الآن.
يُقرأ ذلك ، مع الأزمة الإقتصادية الطاحنة التي بدأت إفرازاتها السالبة تتجلَّى ، في جرائم القتل داخل المنازل ، والعنف في الطرقات العامة بدافع السرقة.
لذا تتعدد أسباب العنف والمحصلة هي أننا مجتمع بدأت تظهر فيه نزعة كبيرة تجاه العنف ، وفقد الثقة في وجود الدولة ، إعادتها تتطلب مخاطبة أسباب العنف ومعالجتها ، وإعادة الثقة بالدولة ، وهذا يستدعي وقف الحرب ، وإقامة دولة مؤسسات يسود فيها حكم القانون ويُحترم بها الدستور.
بقلم : سلمى التجاني
سودان تربيون.