السودان وشعبه .. البوصلة الوحيدة
الي أين نحن سائرون ؟ سؤال يواجهك ازاء كل مشهد او ظاهرة، تجده في الاسواق وفي أسعار السلع (السودانية)، الزراعية وغير الزراعية، في سلوك الناس وسائقي المركبات العامة وعموم السيارات وتعاملهم مع قوانين الحركة وآدابها.. تتسارع خطى الانهيار في الدولة، تراها رأي العين، وترى معها الانفجار قادماً بلا أغصان علي الرؤوس، ومن آيات تلك المتاهة ان الطبقة الوسطى قد غابت وغاب حزبها (الوطني الاتحادي فالاتحادي الديمقراطي)، غاب تماماً عندما صار الحكم فيه ملكاً عضوداً.
اما قوى المعارضة عموماً فإنها منقسمة علي نفسها: بعض احزاب كتلة نداء السودان اعتبرت خارطة الطريق الافريقية في حكم الملغي نتيجةً لسلوك النظام المراوغ وبالتالي ان لا وسيلة غير اسقاطه بالانتفاضة الشعبية، والبعض الاخر يفاجئ الناس ان التفاوض مع النظام احتمال قائم.. !!، اما تحالف قوي الاجماع الوطني، فانه يتمسك بالانتفاضة الشعبية كطريق وحيد لاسقاط النظام وفي نفس الوقت يصر احد أطرافه (الحزب الشيوعي) علي ان يكون هو الحزب الذي يقود كل احزاب المعارضة التي توقع معه المواثيق وتبذل الجهد فيقطف هو النتائج.
لن نمل الحديث عن نهج (المكاوشة) الذي بدأه الحزب الشيوعي ويصر علي الاستمرار فيه: اجتمعت احزاب المعارضة من كل الأطراف واتفقت علي ١٧ يناير موعداً لوقفة شعبية ضخمة في ميدان الأهلية ثم السير الي دار حزب الأمة لإقامة مؤتمر صحفي تعلن فيه وثيقة (اعلان الخلاص الوطني) التي اتفقت عليها، وبعد ان ساهمت كل الاحزاب في التعبئة الشعبية وفي تهيئة كوادرها وقواعدها لذلك اليوم، وبصورة مباغتة في آخر لحظة، دعا الحزب الشيوعي لمسيرة في يوم ١٦ يناير من امام القصر الي مقر الولاية لتسليم مذكرة احتجاج علي الميزانية لوالي الخرطوم، كانت النتيجة: ـ مسيرة ضعيفة تم فيها اعتقال قيادة الحزب الشيوعي وعناصره النشطة ـ افشال واضعاف المسيرة الاساسية في ١٧ يناير وغياب الحزب الشيوعي عنها وعن الموتمر الصحفي …الخ .. ومع ذلك اظهر نفسه إعلامياً بانه قاد هبة جماهيرية ضد الميزانية وضد النظام .. ورغم نقدنا العلني لهذا السلوك من باب الحرص علي وحدة حقيقية للمعارضة الا ان الحزب الشيوعي يصر علي سلوكه واعتقاده واعتقاد الاحزاب الشيوعية في المنطقة، وذلك في مقال كتبه السيد فتحي فضل يناقش فيه السيد الصادق المهدي (علي نار هادئة) كما قال، في هذا المقال اقحم السيد فضل (وهو ناطق رسمي للحزب الشيوعي) عبارةً لا علاقة لها بالسياق العام للمقال ولا يعكس الا الإصرار علي نهج (المكاوشة) وتزوير التاريخ المعاصر جداً، يقول: (… تجربتنا القريبة بعد هبة ١٦ يناير العظيمة اثبتت ان الاحزاب الشيوعية والعمالية هي أساس تحالفنا العالمي ..)!! هكذا أصبحت ما يمكن تسميتها (كذبة ١٦ يناير) هبة ١٦ يناير العظيمة !!
وفي مقابل هذا (الاستهبال) والاستسهال تنادت بعض القوي والشخصيات من ابرزها منبر السلام العادل وحركة الإصلاح الان، لاجتماع أعلنوا فيه تأسيس مركز (شبه معارض) تحت اسم (قوي الاصطفاف الوطني) ، هذه القوي والشخصيات كانت جزءاً من انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ وجزءاً من المآسي المترتبة عليه، واستمتعت بنعيم سلطته ردحاً من الزمان، وبدأت القفز من مركب الإنقاذ عندما ايقنت انها الي غرق أكيد .. رئيس هذا المركز الجديد (قوي الاصطفاف الوطني) توجه الي بريطانيا بدعوة من تلفزيون المستقلة لتقديم ندوات ومقابلات حول السودان والمنطقة ومستقبل الصراع او الاستقرار فيها، كما يتوقع ان يقدم محاضرة بعنوان (اتجاهات السودان المتعددة)، وذلك وفقاً لبيان صادر عن مكتبه في العشرين من يونيو الجاري .. قناة المستقلة لا تحتاج مني لتعريف، وواضح ان غرض الزيارة هو الترويج لهذا المركز الجديد ونفض أتربة (الإنقاذ) عنه وتعميده من المجتمع الدولي جزءاً اصيلاً من التغيير القادم وقيادة مرحلة ما بعد نظامهم الذي هربوا من حظيرته..
لا سبيل امام احزاب المعارضة الوطنية غير ان تتحد حول مواثيقها التي وضعتها بصدق وجدية: اتحدوا دون شروط او إقصاء، وليكن السودان وشعب السودان بوصلتكم الوحيدة.
بقلم : محمد عتيق
سودان تربيون.