كأس العالم 2018: هل سيصل فريق أفريقي إلى نصف النهائي لأول مرة في التاريخ؟
“عندما بدأت تدريب منتخب ساحل العاج لأول مرة قُلت للاعب الفريق ديدييه دروغبا :لدينا لاعبون رائعون ويمكننا أن نذهب بعيداً في كأس العالم. لكنه رد :لا لا نستطيع”.
يحاول المدرب السويدي سفين يوران إريكسون، إلقاء الضوء على سبب عدم فوز أي فريق من أفريقيا بكأس العالم حتى الآن، رغم أن أسطورة كرة قدم القدم البرازيلي “بيلية” توقع أن يفوز فريق أفريقي بكأس العالم عام 2000، لكن مر 20 عاما حتى الآن ولم يحدث هذا.
وفي نهاية بطولة كأس العالم في جنوب أفريقيا 2010، أدرك المدرب السويدي أن دروغبا لم يكن متشائما وسلبيا في رده، ولكنه كان واقعيا.
وقال إريكسون لبي بي سي سبورت :”السبب في أنهم لا يفوزون بكأس العالم؟ كلمة واحدة: “التنظيم”. لقد كانت فوضى عارمة عندما توليت مهمة ساحل العاج”.
في مرحلة ما، بدا توقع بيليه وكأنه قد يتحقق. وفي كأس العالم 1994 تصدرت نيجيريا مجموعتها، التي ضمت أيضا الأرجنتين وكان دييغو مارادونا يلعب معها، وعزز هذا التوقع أن لاعبين أفارقة كبار أمثال جورج ويا وجاي جاي أوكوشا، كانا لهم بصمة مميزة في دوريات أوروبا خلال التسعينيات.
ومع ذلك، لم يصل أي فريق من أفريقيا، ثاني أكبر قارة مأهولة بالسكان والتي تحظى فيها كرة القدم بشعبية طاغية، إلى أبعد من الدور ربع النهائي (أي لم يصل إلى نصف النهائي)، فما بالك بفريق يمكنه الفوز بكأس العالم.
وتخوض خمسة فرق أفريقية منافسات كأس العام في روسيا بعد أيام قليلة، وهي (مصر والمغرب ونيجيريا والسنغال وتونس)، ويعتقد القليل من المتابعين قدرة أحد هذه الفرق على الاقتراب من الأدوار النهائية، ومنهم المدافع الكاميروني السابق لورين.
وقال اللاعب الفائز ببطولة كأس الأمم الافريقية مرتين :”يمكنني القول أنه سيكون لدينا فريق في الدور قبل النهائي، لكن هذا ليس الواقع”، ويتابع :”نحن ما زلنا بعيدين خلف الفرق الكبرى.”
هل تغيرت القوى في أفريقيا؟
لم يكن أي من الفرق الأفريقية المتوجهة إلى روسيا ضمن أفضل 20 فريقا في العالم بحسب التصنيف الأخير للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ويرى اللاعب النيجيري السابق بيتر أودموينجي، أن “كرة القدم الأفريقية قد تراجعت إلى الوراء”.
وقال مهاجم وست بروم وكارديف وستوكي السابق، والذي لعب في نهائيات كأس العالم 2010 و2014، إن “هناك بالتأكيد تراجعا.”
وأضاف :”كانت نيجيريا واحدة من أفضل الفرق الأفريقية في كأس العالم 1994. فزنا في دورة الألعاب الأولمبية عام 1996 على البرازيل والأرجنتين بكامل نجومهما.”
وأكد على اقتراب نيجيريا من تحقيق المفاجأة والوصول إلى الأدوار النهائية.
لكن نيجيريا التي ستخوض بطولة كأس العالم السادسة في تاريخها ما زالت تنتظر. جنبا إلى جنب مع بقية أفريقيا.
وصعدت ثلاثة فرق أفريقية إلى دور ربع النهائي (دور الثمانية) في نهائيات كأس العالم من قبل، وهي الكاميرون (1990في ايطاليا)، السنغال (2002 في كوريا واليابان) وغانا (2010 في جنوب أفريقيا)، وجميعها من دول جنوب الصحراء الكبرى.
لكن في روسيا، هناك ثلاثة فرق من الشمال هي مصر، التي عادت بعد غياب 28 عاما، بالإضافة إلى المغرب، التي جاءت بعد 20 عاما، وأخيرا تونس.
وهناك عدد من بلدان شمال أفريقيا تمتلك لاعبين من الأكاديميات في أوروبا، لكن المغرب يعد الفريق الوحيد الذي وصل لكأس العالم بأكبر عدد من اللاعبين الذين ولدوا خارجه وخاصة في بلدان أوروبية، فهناك 17 لاعبا لم يولدوا في المغرب من إجمالي 23 لاعبا في قائمة الفريق.
ويعتقد النيجيري أودموينجي، أن أولئك الذين يلعبون في دول شمال أفريقيا “أكثر ذكاء” في قراءة اللعبة، وهناك اختلاف بدني أيضا.
ويقول إن اللاعبين في شمال أفريقيا أكثر رشاقة من نظرائهم في بقية القارة، “فهم دائما يبدأون الضربات حرة بشكل أسرع، وقدراتهم الذهنية أكثر قليلا مما لدى فرق جنوب الصحراء”.
مشكلات المكافآت والمقاطعة
في كأس العالم 2014، تصدرت كل من الكاميرون وغانا ونيجيريا العناوين الرئيسية لأسباب سيئة.
فقد قاطع لاعبو غانا التدريبات احتجاجا على عدم تلقيهم مستحقاتهم عن الصعود إلى البطولة في البرازيل. ولم يرضخوا للضغوط ولم يوافقوا على العودة للتدريبات إلا بعد أن أرسلت الحكومة ثلاثة ملايين دولار نقدا بالطائرة. وفي نفس البطولة وصل لاعبو الكاميرون متأخرين عن موعدهم بسبب خلافات حول المكافآت.
بينما وقع الاتحاد النيجيري لكرة القدم اتفاقا مع اللاعبين، في نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، لتحديد طريقة دفع المكافآت في روسيا لتجنب المشاكل.
ويرى راضي الجعايدي، مدافع المنتخب التونسي السابق في كأس العالم، أن الخلافات المالية ترجع إلى “انهيار الوعود”.
وقال الجعايديلبي بي سي سبورت :”اللاعبون الذين يأتون من أوروبا للعب في منتخبات بلادهم، يحصلون على أجورهم في هذا الوقت من أنديتهم، ويحصلون على مكافآت، لكن يمكن أن تكون الأمور مختلفة عندما يلعبون من أجل بلدهم”.
ويوضح أن “الناس يعدون بتقديم أشياء لهم وعندما لا يفعلون يشعر اللاعبون بالإحباط ويقع الاشتباك”.
ومع هذا تبقى الخلافات خارج أرض الملعب أمرا لا يدعو للقلق بالنسبة لفرق شمال أفريقيا، فأمور مثل المكافآت يتم ترتيبها جيدا قبل البطولة، وفقا لما ذكره بيريس إدواردز، مراسل بي بي سي في أفريقيا.
وأضاف إدواردز :”إنهم (في شمال أفريقيا) أكثر تنظيما وهناك قدر أكبر من المساءلة”.
بطبيعة الحال، ليست أزمات كأس العالم حصرا على فرق أفريقيا فقط..
قبل ثماني سنوات، رفض اللاعبون الفرنسيون التدريب بعد طرد زميلهم نيكولاس أنيلكا، من الفريق بعد إهانته المدرب ريمون دومينيك لفظيا، في حين شهدت جمهورية أيرلندا أزمة كبيرة بسبب الخلاف الشائن بين روي كين، مع المدير ميك مكارثي، وطرده من المشاركة في كأس العالم عام 2002.
“إنها أفريقيا، إنها هكذا”
قاد إريكسون فريق ساحل العاج خلال بطولة كأس العالم 2010.
وكان تحت قيادته مجموعة مواهب من بينها المهاجم دروغبا وسالومون كالو، وكلاهما فاز بالدوري الإنجليزي الممتاز مع نادي تشيلسي، فضلا عن لاعب خط الوسط يايا توريه.
لكن المدرب السابق لمنتخب إنجلترا واجه “انعدام التنظيم كليا” أثناء الاستعداد لكأس العالم في جنوب أفريقيا، وكانت مجموعته تضم البرتغال والبرازيل وكوريا الشمالية.
وقال إريكسون : “لعبنا مباراة ودية في سويسرا وذهبت إلى غرفة تبديل الملابس ولم يكن هناك قمصانا ولا أطقم رياضية ولم يكن أمامنا سوى ساعة وربع قبل بدء المباراة”.
وأضاف : “سألت أين المسؤول عن التجهيزات الرياضية فقالوا لي سيأتي”.
وأضاف :”لم يتبق غير ساعة قبل بدء المباراة ولم يحضر الرجل. وجاء قبل المباراة بخمسة وأربعين دقيقة ومعه حقيبتين كبيرتين وضعهما على أرضية غرفة تبديل الملابس”.
وأضاف : “بدأ اللاعبون يبحثون في الحقيبتين عن قمصان تناسبهم ليرتدوها. وكل ما استطعت أن أقوله هو : هذا ليس شأني، إنه شأنك”.
وتابع : “قبل بدء عملية الإحماء في الملعب جاء لاعب وقال لي: لن أستطيع اللعب. سألته : هل أنت مصاب؟. قال لي : لا، إن مسؤول الأطقم الرياضية نسي حذائي. وكان الفندق بعيدا عن المكان لذا لم يستطع اللعب”.
وأضاف : “قال لي دروغبا: إنها أفريقيا. إنها هكذا”.
وتعتبر الدعوة إلى التنظيم الجيد من الأشياء المألوفة بالنسبة لمن يلعبوا في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
ويتذكر باتريك مبوما كيف تحطم أمال فريق الكاميرون بالفعل قبل أن يذهب إلى اليابان للمشاركة في كأس العالم 2002.
وقال المهاجم السابق لنادي باريس سان جيرمان : “أهم شيء عندما تتأهل هو أن يكون لديك وقت سبعة أو ثمانية أشهر للاستعداد”.
وأضاف : “لكن يوجد بعض مدربي الفرق ممن يعتقدون أن بإمكانهم الاستعداد لكأس العالم قبل بدء البطولة بشهر أو شهرين. إنه وقت متأخر للغاية”.
كما تعطلت استعدادات تونس في نفس البطولة بسبب إقالة المدرب هنري ميشيل، قبل بدء البطولة.
ويتذكر اللاعب راضي الجعايدي : “قضوا شهرين لاتخاذ قرار من يخلفه. لم نستطع الفوز بمباراة واحدة في اليابان”.
قلة المدربين المحليين
ومن بين مشاركات الفرق الأفريقية في كأس العالم والتي بلغت 44 مرة وحتى روسيا 2018، كان هناك 30 مرة تحت قيادة مدربين أجانب، ما يعني أن الفرق الأفريقية خاضت كأس العالم بمدربين محليين 10 مرة فقط.
ودرب فريق الكاميرون، الذي يعد أنجح الدول الأفريقية التي شاركت في كأس العالم سبع مرات، أربعة مدربين فرنسيين واثنين من ألمانيا وآخر روسي.
ويدرب مصر والمغرب ونيجيريا في بطولة كأس العالم التي تستضيفها روسيا مدربون من الأرجنتين وفرنسا وألمانيا على الترتيب.
وكان المدرب الاسكتلندي جيمس ماكري، الذي لعب لأندية ويست هام ومانشستر يونايتد، قد استهل المشاركات الأفريقية في كأس العالم عندما قاد الفريق المصري في عام 1934. واضطر الجمهور بعدها إلى الانتظار 44 عاما أخرى حتى جاء أول مدرب أفريقي، عبد المجيد الشتالي، في قيادة تونس محققا أول فوز للقارة في مباراة أمام المكسيك انتهت بفوز تونس بثلاثة أهداف مقابل هدف.
ولم يحدث قبل عام 2002 أن تأهلت دولة من دول منطقة جنوب الصحراء على يد مدرب محلي، حتى شاركت نيجيريا ومدربها فيستوس أونيغبيندي، كما شاركت جنوب أفريقيا ومدربها جومو سونو.
وأضاف النيجري أوديموينجي : “المدربون الأوروبيون مختلفون لأنهم يستطيعون تقديم ما هو أكثر بكثير من يوم المباراة”.
وقال : “فهم يحضّرون للمباراة بشكل أفضل تكتيكيا بدلا من الاعتماد على الموهبة، كما يفعل مدربونا. أصبحت كرة القدم الآن علما رياضيا وتغذية رياضية، إنها أشياء لم يسمع عنها مدربونا على الإطلاق”.
ويعتقد إريكسون أن الفرق سيكون لديها أفضل الفرص للنجاح إذا حذت حذو السنغال، التي تشارك للمرة الأولى منذ عام 2002 بعد استعانتها بالمدرب المحلي أليو سيسية، منذ عام 2015، وتونس، التي تعود إلى المشاركة في البطولة بعد غياب دام 12 عاما بالمدرب المحلي نبيل معلول.
وأضاف : “ما تفعله بعض الدول الأفريقية هو الاستعانة بمدرب محلي خلال مباريات التأهل، وإذا كان النجاح حليفها حينئذ تستعين بأسماء كبيرة من أوروبا أو أمريكا الجنوبية أو لشهرين قبل انطلاق البطولة”.
وقال : “ينبغي لهم الاستعانة بمدرب والإبقاء عليه لمدة أربع سنوات. سيكون هذا أفضل لأن التعامل مع اللاعبين لشهر فقط في كأس العام فترة قصيرة للغاية، حتى لو كان لديك لاعبين كبار “.
أمل في نهاية النفق؟
يسعى المغرب إلى استضافة كأس العالم في 2026، أي بعد ثماني سنوات.
ويعد المغرب الدولة الوحيدة في شمال أفريقيا التي تتقدم للمنافسة على الاستضافة، وينافسها ملف مشترك بين كندا والمكسيك والولايات المتحدة لتنظيم مباريات كأس العالم 2026 بمشاركة موسعة تشمل 48 فريقا.
ولا يعتقد الصحفي وخبير كرة القدم الأفريقية مارك غليسون، أنه من الخيال أن تحتفل أفريقيا في المستقبل بتحقيق فوز في كأس العالم.
وعلى الرغم من غياب التنظيم والبنية التحتية والتمويل، يثق الجعايدي بالمستقبل.
اتُخذت بعض خطوات التغيير مؤخرا في هياكل التحكيم ومعايير التدريب في مسعى لتحسين الفرص أمام الأفارقة، كي تحقق القارة نجاحا عالميا، كما يتعين تحديد مسار واضح لتحقيق نجاح محلي، وفقا لمدافع ساوثامبتون السابق.
وقال الجعايدي : “المشكلة أوسع نطاقا من (نعم بالتأكيد سيفوز فريق أفريقي بكأس العالم). الوضع معقد. إنها ليست قضية واحدة أو مشكلة واحدة”.
وأضاف : “عندما تلعب فرق أفريقية في كأس العالم، يسود الاعتقاد دائما بأنه لا توجد أي فرصة”.
وقال : “نحتاج إلى بناء قاعدة تدعم شباب اللاعبين الأفارقة الذين يبلغون من العمر حاليا 10 أو 15 سنة ومساعدتهم للوصول إلى أعلى المعايير المطلوبة”.
وقال غيتا بونغ، مدافع برايتون والكاميرون، حتى أبسط المرافق في أفريقيا تحتاج إلى تحسينات.
وأضاف :”أحيانا لا تستطيع حتى اللعب نظرا لأن الملعب ليس جيدا بما يكفي. نحتاج إلى تطوير وعندنا مجموعة ماهرة من اللاعبين في أفريقيا، لكن ليست لدينا بطولات دوري قوية”.
ويأمل إريكسون، رغم كل المشاكل التي واجهته مع ساحل العاج، أن تحتفل أفريقيا في المستقبل بالفوز بكأس العالم.
وردا على سؤال يتعلق بكم هي المدة التي تحتاجها أفريقيا لتصبح من بين أبطال العالم قال :”لا أدري متى، ولكن أعتقد أن أفريقيا ستفوز
بكأس العالم آجلا أم عاجلا. ربما في وقت لاحق. لأن الاهتمام بكرة القدم في أفريقيا كبير”.
بي بي بي عربية