منوعات

حكاوي التّكّاسة (ولادة) جوه التاكسي.!

(1)
العم يس حمد يعمل سائق تاكسي غير محترف حيث إنه يمارسها في أوقات فراغه الخاصة، فقد كان موظفاً بالخدمة المدنية وذلك في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ويحكي بشير قائلاً: عندما فرغت من دوامي اليومي خرجت أتجول بشوارع أمبدة ووقتها لم تكن كبيرة كما كانت عليه الآن وفي أحد الشوارع استوقفتني امرأة طلبت مشواراً لسوق أمدرمان لدكاكين (النّقادة) وبالفعل ذهبت معها فنزلت وأنا جلست بالتاكسي انتظرها ولكنها استغرقت وقتاً طويلاً حتى ساورني شك بأنها لن تأتي ودار برأسي أنها استغفلتني حتى أوصلها إلى السوق ثم (تزوغ) في ذلك الزحام حتى هممت بالرحيل، وبعد ذلك رأيتها قادمة نحوي وهي محملة بأشياء ولوازم ثقيلة وكثيرة لا حصر لها ولاعد فأنزلناها معاً وهى تتصبب عرقا، ثم قالت فلنعد إلى المنزل ولكن ليس أمبدة لأن ذلك منزل إحدى صديقاتي فأنا منزلي بالثورة؟

(2)

توجهنا صوب الثورة وتحديداً عند وصولنا حي العمدة بدأت المرأة تئن وتصرخ وتستغيث، فقلت لها ماذا بك، فقالت لي أسرع بي إلى البيت، ولكن تضاعف صراخ المرأة وبكاؤها فقلت لها ماذا يحدث بالضبط، فقالت إنها في شهرها التاسع والآن تشعر بآلآم المخاض، فقلت لها إذاً نذهب إلى مستشفى (الدايات) بأمدرمان فألحت المرأة وأصرت للذهاب إلى البيت، فكدت أطاوعها ولكنني قلت في نفسي إذا حدثت مضاعفات أو دخلت في غيبوبة كيف أعرف المنزل لذلك اتجهت مباشرة إلى (الدايات)، والمرأة يتضاعف صراخها وبكاؤها مع مرور الوقت والزمن وعندما وصلنا كانت الحالة طارئة فادخلوها غرفة الولادة مباشرة، وأنا انتظر بالخارج، وما هي إلا دقائق معدودة حتى جاءتني الممرضة تحمل ورقة تطلب مني أن أوقع فيها بسبب أن المرأة تحتاج لعملية عاجلة نسبة إلى أن الجنين نزل متعارضاً في الحوض مما سبب نزيفاً حاداً نتيجة مجهود بدني كبير فقلت لها أنا صاحب تاكسي فقط، فقاطعتني قائلة: (ياشيخنا الولية في حالة حياة أو موت تقول لي تاكسي يلا وقع عشان نشوف شغلنا)، فقلت أنا لا أعرفها، فردت بعصبية قائلة إذا لم تتفضل بالتوقيع ربما تتفضل بحمل الجثمان وتكون إنت السبب في موتها ونحن لا نعرف لها أحداً غيرك وضاعفت من توتري عندما قالت إذا لم توقع سنتصل بشعبة الأمن حتى يكونوا شهوداً على موقفك في حال الوفاة.

(3)

قلت في نفسي أن أحمل القلم وأوقع خيرأ من أحمل جثماناً أتحمل مسؤوليته أمام الله والقانون، فتوكلت على الله ووقعت، ثم أردفت الممرضة كن قريباً ربما نحتاجك لأي طارئ أو نحتاج إلى نقل دم، فتضاعفت ضربات قلبي ومخاوفي ولكن ماهي إلادقائق، وجاءت الممرضة ومعها الطبيب المناوب وقالا لي ألف مبروك (ولد)، وقلت لهما (دا ما ولدي)، فرمقني الطبيب بنظرة قاسية، ثم بدأ يهمس في أذن الممرضة بكلمات لم أفهمها ثم طلبا مني أن آتي معهما إلى المكتب، وكانت المفاجأة القاسية تنتظرني هناك وهم أفراد أمن المشفى بعد أن أدخلوني إلى مكتب فارغ لا أثاث به سوى كراسي واشتبهوا في أن يكون المولود ابن سفاح وأبوه أنا وذلك بعد أن لاحظوا ترددي على التوقيع للعملية ثم انكاري للولد ثم محاولة هروبي من المشفى بالاضافة لحضور الأم من غير مستلزمات ولادة فقالوا لي أمامنا ثلاث ساعات أو أربع حتى تفيق الأم من العملية ونتحرى معها، وبعد ذلك ستعرف إلى أين ستكون وجهتك، يقول يس لعنت حظي 60 ألف مرة نسبة لعدم وجود خيوط توصلني لأهل المرأة ولكن بعد مضي الثلاث ساعات كانت هنالك الطامة الكبرى التي لم أكن أحسب لها أي حساب، وهو وصول الزوج الحقيقي للمرأة مع بعض أفراد أسرتيهما وذلك لتأخر الزوجة من الحضور للمنزل، وهم يعلمون أنها في شهرها التاسع، وقد جاؤوا للمشفى فقط للتاكد من وجودها أو عدمه فأجابتهم إحدى الممرضات التي كانت قد استلمت الوردية الجديدة لتوها بأن هنالك سيدة أنجبت قبل عدة ساعات.

(4)

رأها الرجل وقال نعم هي زوجتي، وقالت الممرضة هذا زوجها أتى معها بسيارته ووقع على العملية، وهذا توقيعه في (الفايل) هنا احمرت عينا الزوج وتطايرت شرراً، وقال إذاً اين الزوج فاوصلته الممرضة إليّ، ثم قام بخنقي وثار في وجهي لولا تدخل أفراد الأمن، وحلف طلاقاً أن يقتلني إلا أن أحد افراد الأمن دخل علينا لتوه، و قال له هون على نفسك يا أخي نحن أيضاً اشتبهنا في الأمر، ولكن يجب عليك أن تشكر ذلك الرجل لأنه جاء بالأُم في زمن قياسي و الطبيب أجرى العملية، فلولا تدخله لماتت وقد أجريت لها عملية كانت نسبة نجاحها ضعيفة جداً وبحمد الله قد نجحت ولولاه لفقدناها ثم انتفض الزوج هائجاً، وقال كيف عرفت ذلك؟ فقال ببساطة لأن الزوجة فاقت وأخبرتني بقصة سائق التاكسي وأعطتني ذلك العنوان حتى اصلكم وأخبركم كما طلبت منكم أن تشكروه بعد أن تعطوه أُجرته، وقتها بكى الزوج وسألت دموعه، وقال أحمد الله على شهامة أبناء بلادي وعانقني عناقاً حاراً، وقال أرجو أن تعفو عني فقلت (لله والرسول) فسألني ما اسمك فقلت يس حمد فقال (على الطلاق الولد دا سميتو يس)، ويقول العم يس بعد ذلك حدث بيننا تعارف وتداخل أسري لأكثر من اأربعين عاماً حتى أن المولود يس الآن يعمل بإحدى الدول الاسكندنافية بوظيفة رفيعة ومحترمة.

صحيفة السوداني.