سواد !!
*لرمضان خواطر طفولية تعلق بالذاكرة..
*ولأديبنا عبد الله الطيب خاطرة من هذه الشاكلة… لم أقرأها إلا البارحة..
*سطرها بأسلوبه السهل… الممتع… السلس… المباشر..
*وفقرة فيها أعدت قراءتها مرتين… وهي عن كبرياء السودانيين إبان الاستعمار..
*قال إن المستعمر أيقن أنهم ذوو استعصاء على الذل والمهانة..
*ولهذا السبب – يقول – ربما عجلوا برحيلهم (الهادئ)..
*ولكن جاء من بعدهم من عمل على إذلال أهل السودان – وإهانتهم – بالقوة..
*أو بالأصح؛ من بعد الحكومة الوطنية الأولى… المنتخبة..
*والمقصود هنا – بالتأكيد – الأنظمة العسكرية… إذن لماذا لم يسمها؟!..
*لأنه كتب خاطرته هذه في (ظل) نظام عسكري… ولا شك..
*فهي أنظمة ذات (ظل أسود طويل)… بطول سنوات وكستنا منذ الاستقلال..
*وخاطرة ذات (سواد) هي بعض ذكريات طفولتي الرمضانية..
*أبطالها تيس أسود… وقط أسود… وقرد لونه الداكن جداً أقرب إلى السواد..
*أما التيس الذي يخرج علينا من (العدم) فكتبت عنه من قبل..
*وما كانت عقولنا الغضة تؤهلنا لفهم الذي يهمهم به الكبار لنا…تحذيراً..
*وأما القط الأسود فهو لم يكن يموء… وإنما يتكلم..
*وكان موعد ظهوره هو أوان ظهور التيس نفسه… عند ذهاب الكبار إلى التراويح..
*ولم يكن كلامه مفهوماً لنا بالطبع… ولكنه كلامٌ على أية حال..
*ويظل (يرطن) وهو يجوس خلال بيوت الحي… من أعلى حائط إلى آخر..
*والنساء يستعذن منه إلى أن يختفي… ونحن نضحك..
*وما كان اختفاؤه يحدث إلا حين يزداد الليل سواداً… ويصير في سواد لونه..
*وأما القرد فلم يكن يقل غموضاً عن أصحابه… ودارهم..
*كان منزلاً يقع شمال غرب الاستراحة… طوبه البني المحروق يميل للسواد..
*ولون القرد العجيب في لون هذا الطوب ذاته… تقريباً..
*بل كان عجيباً جداً؛ لا نراه إلا عقب الإفطار… مثل التيس والقط تماماً..
*ثم يفعل أشياء لا تقل عن أشيائهما عجباً… ومنها (التمايل)..
*وربما كان أصحابه الغامضون مدمنين للرقص… فما كنا نعرف عنهم الكثير..
*كانوا شديدي بياض البشرة؛ لا يداخلون الجيران… ولا يداخلوهم..
*ويظل يقوم بهذه الحركات المضحكة إلى أن يلحق به صبي من أهل البيت فيأخذه..
*أما الحياة السياسية فكانت مجللة بالسواد… هي الأخرى..
*كان الخوف يحاصر الكبار….. فلا يتكلمون فيها إلا همساً..
*مثلما تحاصرنا نحن الصغار تلكم المخلوقات السوداء…ويحاصرنا خوفنا منها..
*وتلتقط آذاننا – من بين ما تلقط – أحاديث تزيدنا خوفا..
*هذا اعتقلوه… وذاك عذبوه… وتلك رمَّلوها… وأولئك فصلوهم..
*وكلُّ جماعةٍ مؤتلفة تخشى جماعةً مضيَّفة… خشية أن يكون من بينهم (عسس)..
*وقالها عبد الله الطيب ؛ المستعمر لم يذل السودانيين..
*وإنما أذلَّهم من جاء بعدهم… من بني جنسهم..
*وجعل حياتهم (سواداً !!!).
صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة