منوعات

مسحراتية مصر: مهنة أبونا بيسرقوها

«صفر يا بابور واجرى شوية.. وأنا جندى خدونى فى الجهادية».. نداء جديد لمسحراتى مختلف، يطوف شوارع دسوق، يوقظ النائمين حاملا طبلته وأناشيده وأغانيه التلقائية، وخلفه أطفال يعشقون هذا الاختلاف.

«السيد البدوى مبروك»، الشهير بأبوحامد.. دفعته ظروفه الصعبة للعمل، رغم إصابته بـ«المرض الخبيث» فى رقبته والعلاج بالكيماوى منه، وحزنه على رحيل ابنه الوحيد، وهو فى ريعان شبابه، والذى كان ينفق عليه وعلى أمه.

«الشغل مش عيب وكان لازم أدور على شغل وأنا كل معاشى ٣٦٠ جنيه شهريا فقط».. هكذا قالها «البدوى» باكيا، متحاملا على نفسه، محاولا ألا يبدو مريضًا، «كل فترة يعملولى تتبع للتأكد أننى لم أمت ولا أزال على قيد الحياة، ومطلوب منى ٤٠٠ جنيه قسطا شهريا لشقة المساكن التى أسكنها أنا وزوجتى، غير المصاريف والأدوية ومتطلبات الحياة، فكان لازم أشوف عمل بالحلال»..

ويكمل: «فى البداية عملت ماسحا للأحذية، ولكنى بسبب ظروفى الصحية، لم أتمكن من مواصلة العمل، وتعرفت على مجموعة من الفنانين الشعبيين بالمدينة لإحياء الأفراح بالطبل البلدى والمزمار، ورغم ذلك الدخل محدود ولا يفتح بيت، ومن حوالى ٢٠ سنة، نصحنى بعض زملائى بالعمل مسحراتى خلال الشهر الكريم، خاصة إنه مفيش أفراح، وكله بثوابه عند ربنا، خاصة أننى بادخل الفرحة على قلوب الأطفال، وفى آخر شهر رمضان ربنا بيرزقنى بشوية كعك، وفيه ناس بتعطينى فلوس وكله حسب التساهيل، بس أنا فى العيد بلف بطبلتى على الناس وأعيد عليهم ومطلبش منهم حاجة أو ألزمهم بشىء وهم بيعطونى ده طواعية وحبا».

وأضاف الحاج السيد مبروك: «أعشق أغنية الفنانة مها صبرى، أم البطل، وأغنيها للأطفال لأنها تذكرنى بابنى الوحيد حامد الذى توفاه الله وكان سندى فى الدنيا.. فأتذكره وأبكى وأنا أقول (ابنى حبيبى بيضربوا بيك المثل.. كل الحبايب بيهنونى طبعا ما أنا أبوالبطل)، ويرددها الأطفال من حولى وهم لا يعرفون أن طيف ابنى لا يفارقنى».

«الرفاعى»..أقدم مسحراتى فى الإسماعيلية: 40 سنة «مدد مدد»

«مدد مدد.. إصحى يا نايم».. هكذا اعتاد «إبراهيم الرفاعى» أن يوقظ أهالى الإسماعيلية، طوال 40 سنة، لم يتخلف فيها يوما واحدا فى رمضان، وسط فرحة كبيرة من الأطفال والشباب، حتى الكبار الذين يرون فيه عبق التاريخ ورائحة الزمن الجميل.

يقول «الرفاعى»، وهو من أتباع الطريقة الرفاعية: «ورثت المهنة أبا عن جد، وأعتز بها وأرفض ما يقوله البعض عن اندثارها واختفائها، لأن الناس والأطفال ينتظرونى كل ليلة ويفرحون بى ويلعبون معى».

ويضيف: «هى مصدر رزقى على ما يجود به الناس على، وقد عايشت أصعب اللحظات فى تاريخ المحافظة بعد حرب أكتوبر، وأحتفظ بذكريات لا تنسى عن أبطال أكتوبر ورجال الجيش، وأنا بلف فى المدينة بعد الحرب مرددا الأغانى الوطنية».

ويسعى إبراهيم لغرس حب المهنة فى أبنائه البالغ عددهم 11، وكلهم فخورون بمهنة والدهم وشهرته بالإسماعيلية، وعبر عن سعادته بالاستقرار الذى شهدته مصر فى عهد السيسى لأنه «ابن من أبناء الجيش المصرى الذى يعرف كل جندى فيه معنى تراب الوطن والحفاظ عليه».

«مسحراتية» بنى سويف غاضبون: نسر الصعيد «وقف حالنا»

المسحراتية فى بنى سويف غاضبون من المنبه والمحمول ومسلسلات رمضان وبرامج التليفزيون، ويخشون أن يلتف الناس حول مسلسل محمد رمضان، وغيرها من الأعمال التى يسهر معها المشاهدون حتى الصباح ما قد يؤدى لانقراض المهنة.

محمود محمود حسن، مسحراتى من عام 1970 فى منطقة عزبة على راغب ببنى سويف، يقول: «لا أعرف عمل غير المسحراتى، وكانت هذه المهنة سبب سعدى فى العزبة، فبينما كنت أطرق الأبواب للسحور، طلبت من الحاج ثروت يوسف من كبار رجال العزبة أن يجد لى سكنا فأصر على الإقامة فى دواره وأعطانى غرفتين، فتزوجت مرتين وأنجبت 10 أولاد، أكبرهم يعمل مدرسا والآخر أمين شرطة، و2 فى التعليم و5 بنات كلهن متزوجات».

أما عم «سيد على»، أشهر المسحراتية بشارع صلاح سالم، فيعمل بالمهنة منذ عام 1980، ورثها عن والده، وارتبط بها لاعتياد خروجه معه فى الشوارع، قائلًا «كنت أنا ووالدى نخرج فى منتصف الليل، ونتناول وجبه السحور بعيدًا عن منزلنا، وعند خروجنا، كنت أرى الأطفال ينتظروننا وعلى وجوههم السعادة لهذا قررت السير على خطى والدى بعد وفاته».

ويضيف: «بخرج من منزلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لأبدأ جولتى فى شوارع المدينة، بالطبلة والجمل الشهيرة «إصحى يا نايم»، وأعود لمنزلى بعد أن أفرح بفرحة الأطفال، قبل الفجر بثلث ساعة، أتوضأ وأصلى الفجر بالمسجد، مستمرا على هذه الحال الشهر كله».

المصري اليوم